الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان من تمام الحكمة أن جعل الحرية والرق تبعًا للأم، والنسب تبعًا للأب، والقياس الفاسدُ [إنما](1) يَجمعُ ما فرَّق اللَّه بينه أو يُفرِّق (2) بين ما جمع اللَّه بينه.
[من أحكام الولاء]
فإن قيل: فهلَّا طردتم ذلك في الولاء، بل جعلتموه لموالي الأم (3)؟ والولاء لحمُهُ كلُحْمة النَّسب.
قيل: لمَّا كان الولاء من آثار الرق وموجباته كان تابعًا له في حكمه، فكان لموالي الأم، ولما كان في شائبةِ النسب وهو لُحْمةٌ كلحمته رجع إلى موالي الأب عند انقطاعه عن موالي الأم، فروعيَ فيه الأمران، ورُتب عليه الأثران.
فإن قيل: فهلَّا جعلتم الولد في الدِّين تابعًا لمن له النسب، بل ألحقتموه بأَبيه تارة وبأمه تارة؟.
قيل: الطفل لا يستقل بنفسه، بل لا يكون إلا تابعًا لغيره؛ فجعله الشارع تابعًا (4) لخير أبويه في الدين تغليبًا لخير الدِّينين، فإنه إذا لم يكن له بد من التبعية لم يجز أن يَتبعَ من هو على دين الشيطان، وتنقطع تبعيته عمن هو على دين الرحمن؛ فهذا مح الذي حكمة اللَّه تعالى (5) وشرعه.
فإن قيل: فاجعلوه تابعًا لسابيه في الإِسلام وإن كان معه أبواه أو أحدهما، فإن تبعيته لأبويه (6) قد انقطعت وصار السابي هو أحقُّ به.
قيل: نعم، وهكذا نقول سواء، وهو قول إمام أهل الشام عبدُ الرحمن بن عمرو الأوزاعي (7)، ونص عليه أحمد (8)، واختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية (9).
[المسبي تابع في الإِسلام لسابيه]
وقد أجمع الناس على أنه يُحكم بإسلامه تبعًا لسابيه إذا سُبي وحده، قالوا:
(1) في (ق) و (ك): "دائمًا".
(2)
في (ك): "ويفرق" وفي (ق): "يجمع بين ما فرق اللَّه بينه ويفرق".
(3)
في (ن) و (ك): "لولي الأم".
(4)
في (ق): "تبعًا".
(5)
في (ق) و (ك): "في حكم اللَّه تعالى" وكلمة "تعالى" سقطت من (ق).
(6)
في (ن): "فإن تبعية الأبوين".
(7)
انظر: "فقه الإِمام الأوزاعي"(2/ 426).
(8)
انظر: "المغني"(10/ 473)، و"الجامع" للخلّال (2/ 418 - 419).
(9)
انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(34/ 132).
لأن تبعيَّته قد إنقطعت عن أبويه صار تابعًا لسابيه، واختلفوا فيما إذا سُبي مع أحدهما على ثلاثة مذاهب:
أحدهما: يُحكم بإسلامه، نَصَّ عليه أحمد (1) في إحدى الروايتين، وهي المشهورة من مذهبه، وهو قول الأوزاعي (2).
والثاني: لا يُحكم بإسلامه؛ لأنه لم ينفرد عن أبويه.
الثالث: أنه إنْ سُبي مع الأب تبعه في دينه، وإن سُبيَ مع الأم وحدها فهو مسلم، وهو قول مالك.
وقول الأوزاعي وفقهاء [أهل](3) الثغر أصحُّ وأسلم من التناقض؛ فإن السابي قد صار أحق به، وقد انقطعت تبعيته لأبويه، ولم يبق لهما عليه حكم (4)، فلا فَرْق بين كونهما في دار الحرب [وبين كونهما](5) أسيرين في أيدي المسلمين، بل انقطاعُ تبعيته لهما في حال أسرهما [وقَهْرهما](6) وإذلالهما واستحقاق قتلهما أولى من [انقطاعها حال قوةِ شوكتهما وخوف معرَّتِهما، فما الذي يُسوغ له الكفر باللَّه والشرك به وأبواه أسيران](7) في أيدي المسلمين ومنعه من ذلك وأبواه في دارِ الحرب؟ وهل هذا إلا تناقضٌ محضٌ؟ وأيضًا فيُقال لهم: إذا سُبيَ الأبوان ثم قُتلا فهل يستمرُ الطفل على كفره عندكم أو تحكمون بإسلامه؟ فمن قولكم أنه يستمر على كفره كما لو ماتا، فيقال: وأي كتاب أو سنةٍ أو قياسٍ صحيح أو معنى معتبر أو فرق مؤثر بين أن يُقتلا في حال الحرب أو بعد الأسر والسبي؟ وهل يكونُ المعنى الذي حُكم بإسلامه لأجله إذا سُبي وحده زائلًا (8) بسبائهما ثم قَتْلِهما بعد ذلك؟ وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلين؟ وأيضًا فهل تعتبرون وجود الطفل والأبوين في ملك سَابٍ واحدٍ أو يكون معهما في جُملة العسكر؟ فإن اعتبرتم الأول طُولبتم بالدليل على ذلك، وإن اعتبرتم الثاني فمن المعلوم انقطاع تبعيته
(1) انظر: "المغني"(10/ 473)، و"الجامع" للخلّال (2/ 418 - 419).
(2)
انظر: "فقه الإِمام الأوزاعي"(2/ 426).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق) و (ك).
(4)
في (ق) و (ن) و (ك): "له عليهما حكم".
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "أو" وفي (ق): "أو بين كونهما".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "انقطاعه عنهما والشرك به وأبواه أسيرين".
(8)
في (ق) و (ك): "وهل المعنى. . . زائل".
لهما واستيلائهما عليه، واختصاصه بسابيه، ووجودهما بحيث لا يُمكَّنان منه ومن تربيته وحضانته، واختصاصهما به لا أَثَرَ له، وهو كوجُودِهما في دار الحرب سواء، وأيضًا فإن الطفل لما لم يستقلّ بنفسه لم يكن (1) بُدٌّ من جعله تابعًا لغيره، وقد دار الأمر بين أن يُجعل تابعًا لمالكه وسَابيه ومَنْ هو أحقُّ الناس به وبين أَن يُجعل تابعًا لأبويه ولا حَقَّ لهما فيه بوجه، ولا ريبَ أن الأولَ أولى. وأيضًا فإن ولاية الأبوين قد زالت بالكليّة، وقد انقطع الميراث وولاية النكاح وسائر الولايات، فما بالُ ولاية الدِّين الباطل باقية وحدها؟ وقد نص الإِمام أحمد على منع أهل الذمة أن يشتروا رقيقًا من سَبي المسلمين، وكتب بذلك عمر بن الخطاب إلى الأمصار (2)، واشْتَهر ولم ينكره مُنْكر فهو إجماع من الصحابة، وإن نازع فيه بعض الأئمة، وما ذاك إلا أنَّ في تمليكه للكافر ونقله عن يدِ المسلمِ قطعٌ (3) لما كان بصدده من مشاهدةِ معالم الإِسلام وسماعه القرآن (4)، فربما دعاه ذلك إلى اختياره، فلو كان تابعًا لأبويه [على دينهما](5) لم يُمنعا من شِراء، وباللَّه التوفيق.
فإن قيل: فيلزمكم على هذا أنه لو مات الأبوان أن تحكموا بإسلام الطفل لانقطاع تبعيّته للأبوين ولا سيما وهو (6) مسلمٌ بأصل الفطرة، وقد زال مُعارِض الإِسلام، وهو تهويدُ الأبوين وتنصيرُهما.
قيل: قد نص الإِمام أحمد (7) على ذلك في رواية جماعة من أصحابه، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويمَجِّسانه"(8) فإذا لم يكن له أبوان فهو على أصل الفطرة فيكون مسلمًا.
(1) في (ق): "ولم يكن".
(2)
أخرج ذلك عبد الرزاق في "المصنف"(6/ 49 و 10/ 367)، وأوضح منه عند النحل الذي "الجامع"(1/ 176 - 177 ورقم 276 - 280)، وانظر "المغني"(9/ 126)، و"موسوعة فقه عمر بن الخطاب"(ص 135).
(3)
في (ق) و (ك): "مسلم قطعًا".
(4)
في (ق): "للقرآن".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(6)
في (ق): "فهو".
(7)
نقل ذلك عنه -ضمن روايات- أبو يعلى في "الروايتين والوجهين"(2/ 370)، وأفاد ابن حجر في "الفتح"(3/ 348 - 349) أن هذه رواية الميموني عنه، وقال:"وذكره ابن بطة".
ونقله ابن حجر عن ابن القيم خلافًا لما قرره هنا!! وانظر: "معالم السنن"(7/ 86 - 88 ط شاكر والفقي)، و"شرح النووي على صحيح مسلم"(16/ 208)، وفي (د):"قد نص على ذلك الإِمام أحمد".
(8)
رواه البخاري في (الجنائز): (1358 و 1359) باب إذا أسلم الصبي، و (1385) باب ما =
فإن قيل: فهلا طردتم (1) هذا فيما لو انقطع نسبُه عن الأب مثل كونه ولدَ زنا أو منفيًّا (2) بلعان؟
قيل: نعم؛ لوجودِ المُقتضي لإسلامه بالفطرة، وعدم المانع وهو وجود الأبوين، ولكن الراجح في الدليل قول الجمهور، وأنه لا يُحْكم بإسلامه بذلك، وهو الرواية الثانية عنه اختارها شيخ الإِسلام (3)، وعلى هذا فالفرق بين هذه المسألة ومسألة المَسْبي أن المسبيَّ قوإنقطعت تبعيته [لمن هو على دينه، وصار تابعًا لسابيه المسلم بخلاف من مات أبواه أو أحدُهما فإنه تابعٌ لأقاربه أَو وصيِّ أبيه؛ فإن انقطعت تبعيَّته](4) لأبويه فلم تنقطع لمن يقوم مقامَهما من أقاربه أو أوصيائه، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تهويدِ الأبوين وتنصيرِهما (5)، بناءً على الغالب (6)، وهذا لا مفهومَ له لوجهين: أحدهما أنه مفهومُ لقب، والثاني (7) أنه خرج مَخْرَج الغالب. ومما يدل على ذلك العملُ المستمرُ من عَهْد الصحابة وإلى اليوم بموت أهل الذِّمة وتركهم الأطفال، ولم يتعرض أحد من الأئمة و [لا](8) ولاةَ الأمور لأطفالهم، ولم يقولوا: هؤلاء مسلمون، ومثل هذا لا يهمِلُه الصحابةُ والتابعون وأئمةُ المسلمين.
فإن قيل: فهل تطردون هذا الأصل في جعله تبعًا للمالك، فتقولون: إذا اشترى المسلمُ طفلًا [كافرًا](9) يكون مسلمًا تبعًا له، أو تتناقضون فتفرِّقون بينه وبين السَّابي؟ وصورة المسألة فيها (10) إذا زَوَّج الذمي عَبْدَه الكافر من أمته فجاءت بولد أو تزوج الحرُّ منهم أمةً فأولدها ثم باع السيد هذا الولد لمسلم؟
قيل: نعم نطرده ونحكمُ بإسلامه. قاله شيخنا قدَّس اللَّه روحه (11)، ولكن جادة المذهب أنه باقٍ على كفره كما لو سُبي مع أبويه وأولى. والصحيح قول
= قيل في أولاد المشركين، و (4775) في (التفسير): باب لا تبديل لخلق اللَّه، و (6599) في (القدر): باب اللَّه أعلم بما كانوا عاملين، ومسلم (2658) في (القدر): باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، من حديث أبي هريرة.
(1)
في المطبوع: "فهل تطردون".
(2)
في (ك) و (ق): "منتفيًا".
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(4/ 246).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
سبق تخريجه قريبًا.
(6)
في (ق): "بناء للغالب".
(7)
في (ق): "الثاني".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(10)
في (ق): "فيما".
(11)
انظر: "مجموع الفتاوى"(4/ 246).