الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجلد وموجبه]
وأما الجلد فجعله عقوبةَ الجنايةِ على الأَعراض، وعلى العقول، وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغًا يوجب القتل ولا إبانة الطرف (1)، إلا الجناية على الأبضاع فإن مفسدتَها قد انتهضت سببًا لأشنع القتلات، ولكن عارضها في البكر شدة الداعي وعدم العوض (2)، فانتهض ذلك المعارض سببًا لإسقاط القتل، ولم يكن الجلد وحده كافيًا في الزجر فغُلِّظ بالنفي والتغريب؛ ليذوق من ألم الغربة ومفارقة الوطن ومجانبة الأهل والخُلطاء ما يزجره عن المعاودة؛ وأما الجناية على العقول بالسكر فكانت مفسدتُها لا تتعدّى السكران غالبًا، ولهذا لم يُحرَّم السُّكر في أول الإسلام كما (3) حرمت الفواحش والظلم والعدوان في كل ملة وعلى لسان كل نبي، وكانت عقوبة هذه الجناية غير مقدرة من الشارع، بل ضرب فيها بالأيدي والنِّعال وأطراف الثياب والجريد، وضرب فيها أربعين (4)، فلما استخف الناس بأمرها وتتابعوا في ارتكابها غلَّظها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أُمِرْنا بابتاع سنته، وسنته من سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فجعلها ثمانين بالسوط (5)، ونَفَى فيها، وحَلَق الرَّأس (6)، وهذا كله من فقه السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الشارب في المرة الرابعة (7)، ولم يَنْسَخ
= الفوائد" (2/ 211)، وكتاب "الحدود والتعزيرات" (ص 351 - 352) للشيخ بكر أبو زيد.
(1)
في (د): "طرف".
(2)
في المطبوع و (ك): "وعدم المعوض".
(3)
في (ن): "حتى"، وفي (ق) و (ك):"وحتى".
(4)
مضى تخريجه.
(5)
جلد عمر ثمانين ثابت في "صحيح مسلم"(1706) في (الحدود): باب حد الخمر، من حديث أنس بن مالك.
ومن حديث السائب بن يزيد، عند البخاري (6779) في (الحدود): باب ما جاء في ضرب شارب الخمر.
والروايات عن عمر في هذا كثيرة انظر: "التلخيص الجير"(4/ 75 - 76).
(6)
مضى تخريجه.
(7)
أما حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل شارب الخمر في الرابعة: فرواه أحمد (2/ 280 و 291 و 504 و 519)، والطيالسي (2337)، وعبد الرزاق (17081)، وأبو داود (4484) في (الحدود): باب إذا تتابع في شرب الخمر، وابن ماجه (2572) في (الحدود): باب من شرب الخمر مرارًا، والنسائي (8/ 314) في (الأشربة): باب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر، والطحاوي في "معاني الآثار"(3/ 159)، وابن حبان (4447)، والحاكم (4/ 371)، وابن الجارود (831)، والبيهقي (8/ 313) من حديث أبي هريرة، وهو حديث جيد. =