الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قوله. وبهذا يظهر بطلان فهم من جعل التقليد اتِّباعًا، وإيهامه وتلبيسه، بل هو مخالف للاتّباع، وقد فَرَّق اللَّه ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرّقت الحقائق بينهما، فإن الاتباع سلوك طريق المُتَّبَع والإتيان بمثل ما أتى به.
[الفرق بين الاتباع والتقليد]
قال أبو عمر في "الجامع"(1): (باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بينه وبين الاتباع).
قال أبو عمر: قد ذمَّ اللَّه تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، روي عن حذيفة وغيره قال: لم يعبدوهم من دون اللَّه، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم (2).
وقال عَديُّ بنُ حاتم: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقي صليب، فقال:
(1)(9/ 202 - ط القديمة و 2/ 975 ط دار ابن الجوزي).
(2)
بهذا اللفظ ذكره ابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1861)، وبنحوه رواه سفيان الثوري في "تفسيره"(ص 124 رقم 333)، وعنه عبد الرزاق (2/ 272)، والطبري (10/ 815)، وابن أبي حاتم (6/ 1784 رقم 10058) في "تفاسيرهم"، وابن عبد البر (رقم 1864)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 67)، والبيهقي في "سننه"(10/ 116)، وفي "المدخل"(258 و 259)، وابن عبد البر في "الجامع"(1864) من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة.
وتابع الأعمش: العَوَّامُ بن حوشب، أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(5/ 245 رقم 1012)، وابن جرير (14/ 211 رقم 16636 - ط شاكر) وعطاءُ بن السائب، أخرجه ابن جرير (14/ 213 رقم 16643)، والبيهقي في "الشعب"(7/ 45 رقم 9394 - ط دار الكتب العلمية) من طريق سفيان عن عطاء به.
ورجاله ثقات لكنه منقطع، أبو البَخْتَري سعيد بن فيروز الطائي لم يسمع من حذيفة قال ابن سعد في "طبقاته" (6/ 292 - 293):"وكان أبو البختري، كثير الحديث، يرسل حديثه، ويروي عن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يسمع من كبير أحد، فما كان من حديثه سماعًا فهو حسن، وما كان عن فهو ضعيف" قلت: وأرسل عن حذيفة كما في "تهذيب الكمال"(11/ 32 - 35)، وعزاه في "الدر"(3/ 231) أيضًا للفريابي، وابن المنذر وأبي الشيخ.
ورواه جماعة عن عطاء عن أبي البختري قوله، كما سيأتي عند المصنف قريبًا وهو في "تفسير مجاهد"(ص 276) عن آدم بن أبي إياس عن ورقاء قوله.
وفي (ك) و (ق): "لكنهم" دون واو.
يا عدي ألق هذا الوثَنَ من عنقك، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا (1) مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] فقلت (2): يا رسول اللَّه إنا لم نتخذهم (3) أربابًا، قال: بلى، أليس يُحِلُّون لكم ما حُرِّم عليكم فتحلُّونه ويحرِّمون عليكم ما أُحلَّ لكم فتحرمونه؟ فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم (4).
قلت: الحديث في "المُسند" والترمذي مطولًا.
وقال أبو البَخْتَري في قوله عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال: أما إنهم لو أَمروهم أَن يعبدوهم من دون اللَّه ما
(1)"هذه الآية تؤكد شركهم في الربوبية"(و).
(2)
في المطبوع: "قال: فقلت".
(3)
في (ق): "إنا لم نكن نعبدهم"، وفي (ن) و (ك):"إنا لسنا نعبدهم"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة كما أثبتناه. وكل هذه روايات للقصة.
(4)
رواه الترمذي في "الجامع"(أبواب التفسير): باب سورة التوبة (5/ 278/ رقم 3095)، وابن جرير في "التفسير"(10/ 81)، والطبراني في "الكبير"(17/ 92/ رقم 218، 219)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(6/ 1784 رقم 10057)، والواحدي في "الوسيط"(2/ 490 - 491)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 116)، و"المدخل"(رقم 261)، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه -كما في "الدر المنثور"(2/ 230) -، وابن حزم في "الإحكام"(6/ 132 - 133)، والمزي في "تهذيب الكمال"(ق 1090) من حديث عدي بن حاتم.
قال الترمذي عقبه: "وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروفٍ في الحديث"، وقال المناوي في "الفتح السماوي" (1/ 365) في تخريجه:"أخرجه الترمذي وحَسَّنه"، ولم يحسنه الترمذي.
وانظر: "تحفة الأشراف"(7/ 284)، و"العارضة"(11/ 246).
قلت: غطيف ويقال: غضيف ضعيف، ضعفه الدارقطني. انظر:"الضعفاء والمتروكين"(رقم 430)، و"اللسان"(4/ 240).
وللحديث شاهد عن حذيفة موقوفًا -وهو السابق ذكره- وله حكم الرفع، كما هو مقرر في علم المصطلح، وله شاهد آخر جيد من حديث أبي العالية عند ابن جرير في "التفسير"(10/ 81).
فالحديث حسن بطرقه المتعددة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه:"الإيمان"(64)، وعزاه المصنف وابن كثير في "التفسير"(2/ 348) للإمام أحمد من حديث عدي، ولم أظفر به في "مسنده"(4/ 256، 377) مسند عدي، ولا في "أطراف المسند" (4/ 326 - 332) ثم وجدتُ الشيخ أحمد شاكر يقول في تعليقه على "الإحكام":"وهذا الحديث لم يروه أحمد في "مسنده" على سعته".
أطاعوهم، ولكنَّهم أمروهم فجعلوا حَلالَ اللَّه حَرَامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية (1).
وقال وكيع: ثنا سفيان والأعمش جميعًا، عن حَبيب بن أبي ثَابت (2) عن أبي البَخْتَري قال: قيل لحذيفة في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]: أكانوا يعبدونهم؟ فقال: لا، ولكن كانوا يُحِلّون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه (3).
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 23 - 24] فمنعهم الاقتداءُ بآبائهم من قبول الاهتداء، فقالوا:{إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] وفي هؤلاء ومثلهم قال اللَّه عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 166 - 167] وَقَالَ تَعَالَى معاتبًا (4) لأهل الكفر وذامًّا لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52 - 53] وقال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] ومثل هذا في القرآن كثير من ذمِّ تقليد الآباء والرؤساء وقد احتجَّ العلماءُ بهذه الآية في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفرُ أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهةِ كفرِ أحدِهما وإيمانِ الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المُقَلِّدين (5) بغير حجة للمُقلِّد، كما لو قلَّد رجلًا (6) فكفر وقلَّد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة [دنياه] فأخطأ وَجْهَها كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك
(1) أخرجه ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 976 رقم 1863)، وابن جرير (14/ 211 - 212 رقم 16637)، وابن حزم في "الإحكام"(6/ 179 - 180) بإسناد حسن.
(2)
بعدها في النسخ المطبوعة: "عن أبي ثابت" والصواب حذفها.
(3)
سبق تخريجه قريبًا. ومضى أن سفيان رواه عن عطاء بن السائب عن أبي البختري به. ثم وجدت أن ابن حزم أخرجه في "الإحكام"(6/ 144) من طريق عبد بن حميد قال: ثنا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن حبيب به. وفيه (6/ 180) قال: "قال ابن وضاح: حدثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع به".
(4)
"يقص اللَّه في الآية قول إبراهيم لقومه"(و). وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة "عاتبًا"، وفي مطبوع "الجامع":"عائبًا".
(5)
في مطبوع "الجامع": "التقليديين".
(6)
في مطبوع "الجامع": "رجل".