الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدَعونها لقول أحد كائنًا من كان، وكان ابن عمر يدع قول عمر إذا ظهرت له السنة، وابن عباس يُنكر على من يُعارض ما بلغه من السنة بقوله: قال أبو بكر وعمر، ويقول: يوشك أن تنزلَ عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر (1)!! فرحم اللَّه ابن عباس ورضي عنه، فواللَّه لو شاهد خَلَفَنا هؤلاء الذين إذا قيل لهم: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ قالوا: قال فلانٌ وفلان، لمن لا يُداني الصحابةَ ولا قريبًا من قريب، وإنما كانوا يدَعون أقوالهم لأقوال هؤلاء لأنهم يقولون القول ويقول هؤلاء؛ فيكون الدليل معهم فيرجعون إليهم ويدعون أقوالهم، كما يفعل أهل العلم الذين هو أحبُّ إليهم مما سواه، وهذا عكس طريقة فرقة أهل التقليد من كل وجه، وهذا هو الجواب عن قول مسروق: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس (2).
[معنى أمر رسول اللَّه باتباع معاذ]
الوجه الأربعون: قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد سَنَّ لكم معاذٌ فاتبعوه"(3) فعجبًا لمحتج بهذا على تقليد الرجال في دين اللَّه، وهل صار ما سَنَّه معاذ سنة إلا بقوله صلى الله عليه وسلم:"فاتبعوه" كما صار الأذان سنة بقوله وإقراره وشرعه (4)، لا بمجرد المنام.
(1) روى أحمد في "مسنده"(1/ 337)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" رقم (2378 و 2381) من طريق شريك عن الأعمش عن فضيل بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال. . . ثم جاء فيه: أراهم سيهلكون، أقول قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويقولون قال أبو بكر وعمر؟!
وهذا إسناد ضعيف، شريك هو ابن عبد اللَّه القاضي ضعفوه، لسوء حفظه.
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط"(رقم 21) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير أنه أتى ابن عباس فقال: فقد كان أبو بكر وعمر ينهيان عن ذلك، فقال: أهما -ويحك- آثر عندك أم ما في كتاب اللَّه وما سن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وفي أمته!
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 334): وإسناده حسن.
ونسب ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" رقم (2377) لعبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس. . . فقال ابن عباس: واللَّه ما أراكم منتهين حتى يعذبكم اللَّه؛ نحدثكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتحدثونا عن أبي بكر وعمر. . . وهذا إسناد صحيح.
(2)
مضى تخريجه.
(3)
مضى تخريجه.
(4)
حديث رؤية الأذان في المنام هو حديث عبد اللَّه بن زيد وله طرق عن عبد اللَّه أحدها: =
فإن قيل: فما معنى الحديث؟
قيل: معناه أن معاذًا فعل فعلًا جعله اللَّه لكم سنة، وإنما صار سنة لنا حين أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، لا لأن معاذًا فعله فقط، وقد صح عن معاذ أنه قال: كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطعُ أعناقَكُم، وزلَّةِ عالم، وجدالِ منافق بالقرآن؛ فأما العالم فإن اهتدى فلا تقلِّدوه دينكم وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم فإن المؤمن يفتتن (1) ثم يتوب، وأما القرآن فإن له منارًا كمنار الطريق لا يخفى على أحد؛ فما عَلِمتم منه فلا تسألوا عنه أحدًا، وما لم تعلموه فكِلوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل اللَّه غِناه في قلبه فقد أفلح ومن لا فليست بنافعته دنياه (2)، فصدع رضي الله عنه بالحق، ونهى عن التقليد في كل شيء، وأمر باتباع ظاهر القرآن، وأن لا يُبالي بمن خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل، وهذا كله خلاف طريقة المقلدين، وباللَّه التوفيق.
= طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه عن أبيه عبد اللَّه بن زيد.
رواه من هذا الطريق: أحمد (4/ 43)، والدارمي (1/ 268 و 269)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(180 و 181)، وأبو داود (499) في (الصلاة): باب كيف الأذان، والترمذي (189) مختصرًا، وابن ماجه (706) في (الأذان): باب بدء الأذان، وابن الجارود (158)، وابن حبان (1679)، وابن خزيمة (371)، والدارقطني (1/ 341)، والبيهقي (1/ 390 - 391 و 415).
قال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن خزيمة: سمعت محمد بن يحيى (الذهلي) يقول: ليس في أخبار عبد اللَّه بن زيد في قصة الأذان خبرٌ أصح من هذا لأن محمد بن عبد اللَّه بن زيد سمعه من أبيه.
وقال ابن خزيمة: وخبر عبد اللَّه بن زيد ثابت صحيح من جهة النقل.
وقد صححه أيضًا البخاري فيما نقله عنه الترمذي في "العلل الكبير"، وانظر:"تنقيح التحقيق"(1/ 706، 707)، "التلخيص الحبير"(1/ 209)، "نصب الراية"(1/ 279 - 280)، "الإشراف"(1/ 233) للقاضي عبد الوهاب وتعليقي عليه.
أقول: ونحن إنما نخشى من تدليس ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، وقد جاء في هذا الحديث: "فلما خَبَّرتُها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنها لرؤيا حق إن شاء اللَّه فقم مع بلال فالقها عليه؛ فإنه أندى صوتًا. فلما أذّن بها بلال سمع بها عمر بن الخطاب فخرج إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجر رداءه وهو يقول: يا نبي اللَّه والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثلما رأى! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فللَّه الحمد.
فذاك أثبت، وهذا يتوافق مع توجيه المصنف له.
(1)
في (ك) و (ق): "يفتن".
(2)
مضى تخريجه.