الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محضُ العَدْلِ وموجب القياس، فإن المشتري لو اطلع على عَيْب في السِّلْعة كان له الفسخُ بدون حكم حاكم، ومعلومٌ أن الإعسار عيب في الذمة لو علم به البائع لم يرض بكون ماله في ذمة المُفْلِس، فهذا محض القياس الموافق للنص ومصالح العباد، وباللَّه التوفيق.
وطَرْدُ هذا القياس عجزُ الزوج عن الصَّدَاق، أو عجزُه عن الوطء (1)، وعجزُه عن النفقة والكسوة (2)، وطرده عجزُ المرأة عن العوض في الخُلْع أن للزوج الرجعة، وهذا هو الصواب بلا ريب، فإنه لم يخرج البُضْعَ عن ملكه (3) إلا بشرط سلامة العوض، وطَرْدُه الصلح عن القصاص إذا لم يحصل له ما يصالح (4) عليه فله العَوْدُ إلى طلب القصاص، فهذا موجب العدل ومقتضى قواعد الشريعة وأصولها، وباللَّه التوفيق (5).
فصل [بيان أن الإجارة على وفق القياس]
وأما الإجارة فالذين قالوا: "هي على خلاف القياس"(6) قالوا: هي بيعُ
(1) في (ن): "وإذا عجز عن الوطء"، وفي (ق) و (ك):"وعجزه عن الوطء".
(2)
في (ن): "وعجز عن النفقة والكسوة".
(3)
في (ق): "عن نفسه".
(4)
في (ل) و (ق): "صالحه".
(5)
هنا انتهى المجلد الأول، من طبعة (د)، وكتب في الهامش ما نصه:"قد تم -بحمد اللَّه تعالى وتوفيقه- الجزء الأول من كتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين" وهو أشهر تصانيف الإمام الجليل شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية، ويليه -إن شاء واهب القُوَى والقُدَر- الجزء الثاني منه مفتتحًا بقوله: "فصل، وأما الإجارة فالذين قالوا هي على خلاف القياس- إلخ" نسأله -سبحانه- أن يعين على إتمامه، بمنه وفضله".
وبه أيضًا تنتهي طبعة (ط)، وكتب في هامشه ما نصه:"قد تم بحمد اللَّه -الذي بنعمته تتم الصالحات- الجزء الأول من كتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين" تأليف الإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، ويليه إن شاء اللَّه الجزء الثاني وأوله: "فصل في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس".
نسأل اللَّه جلت قدرته أن يعيننا بفيض منه، وأن يساعدنا على إتمامه إنه على ما يشاء قدير:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
(6)
هذا رأي جماهير الحنفية، انظر:"بدائع الصنائع"(4/ 173)، "البناية" (7/ 768 - 769). ووقع في (ق) و (ك):"إنها على خلاف القياس".
معدوم لأن المنافَع معدومةٌ حين العقد، ثم لما رأوا الكتاب قد دل على جواز إجارة الظِّئْر (1) للرِّضاع بقوله:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، قالوا: إنها (2) على خلاف القياس من وجهين:
أحدُهما: كونها إجارة.
والثاني: أن الإجارة عقدٌ على المنافع، وهذه عقدٌ على الأعيان، ومن العجب أنه ليس في القرآن ذكر إجارة جائزة إلا هذه (3)، وقالوا: هي على خلاف القياس (4) والحُكم إنما يكون [على](5) خلاف القياس إذا كان النص قد جاء في موضع يشابهه (6) بنقيض ذلك الحكم، فيقال: هذا خلاف [قياس ذلك](7) النص، وليس في القرآن ولا في السنة ذكرُ فساد إجارة شبه هذه الإجارة (8)، ومنشأُ وهمِهم ظنُّهم أن مورد عقد الإجارة لا يكون إلا منافع هي أعراض (9) قائمة بغيرها، لا أعيان قائمة بنفسها، ثم افترق هؤلاء فرقتين: فقالت فرقة: إنما احتملناها على خلافِ القياسِ لورود النص، فلا نتعدَّى (10) محله، وقالت فرقة (11): بل نخرّجُها على ما يوافق القياس، وهو كون المعقود عليه [أمرًا](12) غير اللبن، بل هو إلقامُ الصبيِّ الثدي ووضعه في حجر المرضعة، ونحو ذلك من [المنافع التي هي](13) مقدمات الرضاع، واللبن يدخل تبعًا غير مقصود بالعقد، ثم طردوا ذلك في مثل
(1)"الظئر" -بكسر فسكون-: المرأة ترضع ولد غيرها (د). قلت: ونحوه في (ط).
(2)
في (ن): "هي".
(3)
بل وردت مشروعية الإجارة في [سورة القصص آية: 26، 27]، و [سورة البقرة آية: 233]، انظر وجه الدلالة منها في "محاسن التأويل"(3/ 611)، و [الكهف آية: 77]، وترجم البخاري عليها (باب إذا استأجر أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض جاز)، (4/ 445) مع "الفتح"، وكذا وجهها الماوردي في "الحاوي الكبير"(9/ 202 - 203)، و [الزخرف: آية 33] على ما ذكر ابن كثير في "تفسيره"(4/ 127)، وانظر:"الإجارة الواردة على عمل الإنسان"(ص 35 - 37).
(4)
كما في "بدائع الصنائع"(4/ 175).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في (ق): "متشابهة".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
ذهب العيني في "البناية"(7/ 950) إلى أن إجارة الظئر وفق القياس، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(20/ 550).
(9)
في (ق) و (ك): "هي عارضة أعراض".
(10)
في (ق): "يتعدى".
(11)
في (ق) و (ك): "وقالت طائفة".
(12)
في (ن): "أعراض".
(13)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).