الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد، فتختلط الأنسابُ وتفسد، وفي ذلك من الفساد ما تمنعه الشريعةُ والحكمة.
ومنها: تعظيمُ خطر هذا العقد، ورفعُ قدره، وإظهارُ شرفه.
ومنها: تطويل زمان الرَّجعة للمطلِّق؛ إذ لعله أن يندم ويفيء فيصادف زمنًا يتمكن فيه من الرجعة.
ومنها: قضاءُ حق الزوج، وإظهارُ تأثير فقْده في المنع من التزيُّن والتجمل، ولذلك شُرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الولد والوالد.
ومنها: الاحتياط لحق الزوج، ومصلحة الزوجة، وحق الولد، والقيام بحق اللَّه الذي أوجبه؛ ففي العدة أربعة حقوق، وقد أقام الشارع الموتَ مقام الدخول في استيفاء المعقود عليه؛ فإن النكاح مدتُّه العمر، ولهذا أقيم مقام الدُّخول في تكميل الصداق، وفي تَحريم الربيبة عند جماعة من الصحابة ومَنْ بعدهم كما هو مذهب زيد بن ثابت (1) وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ فليس المقصود من العِدَّة مجرد براءة الرحِمِ، بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها.
[أجناس العِدد]
المقام الثاني في أجناسها:
وهي أربعةٌ في كتاب اللَّه، وخامس بسنةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2):
الجنس الأول: أربابُ العِدَّة (3)، {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
الثاني: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
الثالث: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
الرابع: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4].
(1) انظر: "مصنف عبد الرزاق"(6/ 276)، و"سنن سعيد بن منصور"(رقم 937 و 938)، والآخر (604 - ط الصميعي)، و"سنن البيهقي"(7/ 160) ولم أجد أثرًا واضحًا عن زيد بن ثابت، وانظر:"الدر المنثور"(2/ 474 - 475).
(2)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 182 - 183).
(3)
في المطبوع: "أم باب العدة".
الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حاملٌ حتى تَضعَ، ولا حائل (1) حتى تُستبرئ بحيضة"(2) ومُقدَّمُ هذه الأجناس [كلها](3) الحاكم عليها كلها وَضْعُ العمل، فإذا وُجد فالحكمُ له، ولا التفات إلى غيره، وقد كان بين السلف نزاعٌ في المُتوفَّى عنها أنها تتربص أبْعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل (4)؛ وأما عدةُ الوفاة فتجبُ بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة (5). . . .
(1)"أصل الحائل: التي حمل عليها، فلم تلقح، أو التي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات، وكذلك كل حائل، وقوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} يتناول كل مطلقة بهذا الوصف"(و).
(2)
رواه أحمد (3/ 28 و 62 و 87)، والدارمي (2/ 171)، وأبو داود (2157) في (النكاح): باب في وطء السبايا، والحاكم (2/ 195)، والدارقطني (4/ 112)، والبيهقي (7/ 449 و 9/ 124) من طريق شريك عن قيس بن وهب عن أبي الودَّاك عن أبي سعيد.
وشريك هو القاضي سيء الحفظ، ومع هذا قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (1/ 171 - 172): إسناده حسن! ولكنه قال في "الفتح"(4/ 424): وليس على شرط الصحيح. أما الحاكم فقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي!!. وإنما أخرج مسلم لشريك مقرونًا.
وقد أعلّه بشريك ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(3/ 22 رقم 817)، وقال: وهو من ساء حفظه بالقضاء.
ونقله عنه "الزيلعي"(3/ 234).
نعم الحديث بشواهده حسن فانظرها مفصلة في "نصب الراية"(3/ 233 - 234 و 4/ 252 - 253)، و"التلخيص"(1/ 171 - 172)، و"تالي تلخيص المتشابه"(261 - بتحقيقي)، وتعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 4115)، وتعليقي على "الإشراف"(2/ 497)، و"إرواء الغليل"(1/ 200 - 201).
ووجدت شاهدين لم يذكروهما جميعًا وهما:
شاهد من حديث معاوية: رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 353)
وآخر من حديث أنس بن مالك: رواه ابن عدي (1/ 292) ، ذكره فيما لم يتابع عليه إسماعيل بن عياش.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(4)
انظر في هذا: "الإشراف"(4/ 281) لابن المنذر، و"التمهيد"(20/ 37)، و"المحلى"(10/ 263 - 265)، و"المغني"(11/ 227 - 228)، و"تهذيب السنن"(3/ 203)، و"زاد المعاد"(5/ 598 - 599 - ط موسسة الرسالة) كلاهما للمصنف، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(98/ 34).
(5)
في هذا حديث فُريعة بنت مالك: رواه مالك في "الموطأ"(2/ 591)، ومن طريقه: =
واتفاق الناس (1)؛ فإن الموتَ لما كان انتهاءَ العقد وانقضاءَه استقرَّت به الأحكام: من التوارث، واستحقاق المهر، وليس المقصود بالعدة هاهنا مجرد استبراء الرحم كما ظَنَّه بعضُ الفقهاء؛ لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيْضَة واحدة، ولاستواء [الآيسة و](2) الصغيرة والآيسة وذوات القُرُوء في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة: هي تعبُّدٌ مَحْضٌ لا يُعقل معناه، وهذا باطلٌ لوجوهٍ.
منها: أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة يَعْقُلُ معناه مَنْ عَقَله ويخفى على مَنْ خفي عليه (3).
ومنها: أن العدد ليست من باب العبادات المحضة؛ فإنها تجب في حق الصغيرةِ والكبيرةِ والعاقلةِ والمجنونةِ والمسلمة والذميَّة، ولا تفتقر إلى نية (4).
ومنها: أن رعايةَ حق الزوجين والولد والزوج الثاني ظاهر فيها؛ فالصواب (5) أن يُقال: هي حريم لانقضاء النكاح لما كمل، ولهذا تجد فيها رعاية
= الشا فعي في "الرسالة"(1214)، وفي "المسند"(2/ 53 - 54)، وأحمد في "مسنده"(6/ 370 و 420 - 421)، والدارمي (2/ 168)، وابن أبي شيبة (5/ 184) وعبد الرزاق (12073، 12076)، وأبو داود (2300) في (الطلاق): باب في المتوفى عنها تنتقل، والترمذي (1204) في (الطلاق): باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها، والنسائي (6/ 199 و 199 - 200 و 200) في (الطلاق): باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل، والنسائي (3528 - 3530، 3532)، وابن ماجه (2031) في (الطلاق): باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها، وابن سعد (8/ 368)، وابن الجارود (759)، والطحاوي (3/ 77) وابن حبان (1331، 1332)، والطبراني (24/ 439)، والبيهقي (7/ 434 و 435)، والحاكم (2/ 208)، والبغوي (2386) من طرق عن سعد بن إسحاق عن عمته عنها.
قال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال ابن عبد البر:"إنه حديث مشهور، فوجب اعتباره والعمل به"، وقال الذهبي:"هو حديث محفوظ"، وقال ابن القطان:"الحديث صحيح". وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(1)
في (ق) و (ك): "واتفاق أمر الناس". وحكي عن الحسن والشعبي أن غير المدخول بها لا تعتد، وهذا قول شاذ، انظر:"الإشراف"(4/ 294) لابن المنذر، "المحلى"(10/ 278)، "الأم"(7/ 332)، "فتح الباري (9/ 396) -وفيه نفي الاتفاق في المسألة- و"المغني" (11/ 284)، و"شرح فتح القدير" (4/ 160 - 161).
(2)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(3)
انظر في تقرير هذا المعنى: "الموافقات" للشاطبي (1/ 395) مع تعليقي عليه.
(4)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 178) للمصنف رحمه الله.
(5)
في (ق) و (ك): "والصواب".