الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخِنا؛ لأن تبعيَّته للأبوين قد زالت، وانقطعت الموالاةُ والميراثُ والحضانةُ بين الطفل والأبوين، وصار المالكُ أحقَّ به، وهو تابعٌ له؛ فلا يُفرد عنه بحكم، فكيف يُفرد عنه في دِينه؛ وهذا طرد الحكم (1) بإسلامه في مسألة السباء، وباللَّه التوفيق.
فصل [ليس في الشريعة ما يخالف العقل]
فهذه نبذة يسيرة تطلعك على ما وراءها من أنه ليس في الشريعة شيءٌ يخالف القياس، ولا في المنقول عن الصحابة الذي لا يُعلم لهم فيه مخالف، وأن القياسَ الصحيحَ دائرٌ مع أوامرها ونواهيها وجودًا وعدمًا، كما أن المعقولَ الصحيح (2) دائرٌ مع أخبارها وجودًا وعدمًا، فلم يخبر اللَّه و [لا](3) رسوله بما يناقض صريح العقل، ولم يشرع ما يناقض الميزان والعدل.
[شبهات لنفاة القياس وأمثلة لها]
ولنفاة الحكم والتعليل والقياس هاهنا سؤالٌ مشهور، وهو أن الشريعة قد فَرَّقت بين المتماثلين، وجمعت بين المختلفين؛ فإن الشارع فرض الغُسل من المني وأَبطل الصوم بإنزاله عمدًا وهو طاهر، دون البَوْل والمذي وهو نجس، وأَوجبَ غسل الثوب من بول الصبيَّة والنَّضْحِ من بول الصبي مع تساويهما، ونقص الشطر من صلاة المسافر الرباعية وأبقى الثلاثية والثنائية على حالهما، وأوجبَ [قضاءَ](4) الصوم على الحائض دون الصلاة مع أن الصلاة أولى بالمحافظة عليها، وحرم النَّظر إلى العجوز الشَّوْهاء القبيحةِ المَنْظر إذا كانت حُرَّة وجوزه إلى الأمةِ الشَّابة البارعة الجمال، وقطع سارقَ ثلاثة دراهم دون مُختلسِ ألف دينار أو منتهبها أو غاصبها، ثم جعل ديتها خمس مئةِ دينار؛ فقطعها في ربع دينار، وجعل ديتها هذا القدر الكثير (5)، وأوجبَ حدَّ الفرية على مَنْ قذف غيره بالزنا دون من قذفه بالكفر وهو شرٌّ منه (6)، واكتفى بالقتل بشاهدين دون الزنا والقتل أكبر من الزنا، وجلد
(1) في (ق): "للحكم".
(2)
في (ن): "المعقول الصريح".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(5)
في المطبوع: "الكبير".
(6)
انظر في ذلك كله: "بدائع الفوائد"(3/ 140 - 141)، و"الحدود والتعزيرات"(208 - 210) للشيخ بكر أبو زيد.
قاذفَ الحرِّ الفاسق دون العبد العفيف الصالح، وفرّق في العدة بين الموت والطلاق مع استواء حال الرحم فيهما، وجعل عدة الحرة ثلاث حيض واستبراء الأمة بحيضة والمقصود العلم ببراءة الرحم، وحرم المطلقة بثلاث على الزوج المُطلِّق ثم أباحها له إذا تزوجت بغيره وحالها في الموضعين واحدة، وأوجب غسل غير الموضع الذي خرجت منه الريح ولم يوجب غسله، ولم يعتبر توبة القاتل وندمه قبل القدرة عليه واعتبر توبة المحارب قبل القدرة عليه، وقبل شهادة العبد والمملوك عليه بأنه صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا ولم يقبل شهادته على آحاد الناس أنه قال كذا وكذا، وأوْجب الصدقة في السوائم وأسقطها عن العوامل، وجعل الحرة القبيحة الشّوْهاء تُحصِّن الرجل والأمة البارعة الجمال لا تحصنه، ونَقضَ الوضوءَ بمس الذَّكر دون مس سائر الأعضاء ودون مس العَذْرة والدَّم (1)، وأوجب الحد في القطرة الواحدة من الخمر ولم يوجبه بالأرطال الكثيرة من الدم والبول، وقَصرَ عدد المنكوحات على أربع وأطلق ملكَ اليمين من غير حصرٍ، وأباح للرجل أن يتزوج أربعًا ولم يبح للمرأة إلا رجلًا واحدًا مع وجود الشهوة وقوة الداعي (2) من الجانبين، وجوَّز للرجل أن يستمتع من أمَتِهِ بالوطء وغيره ولم يجوّز للمرأة أن تستمتع من عبدها لا بوطء ولا غيره، وفرَّق بين الطلقة الثانية والثالثة في تحريمها على المُطلِّق بالثالثة دون الثانية، وفرق بين لحم الإبل ولحم الغَنَم والبقر والجواميس وغيرها فأوْجب الوضوء من لحم الإبل وحده (3)، وفرق بين الكلب الأسود والأبيض في قطع الصلاة بمرور الأسود وحده، وفرق بين الريح الخارجة من الدُّبر فأوجب بها الوضوء وبين الجشوة الخارجة من الحلق فلم يوجب بها الوضوء، وأوجب الزكاة في خمس من الإبل وأسقطها (4) عن عدة آلاف من الخيل، وأوجب في الذهب والفضة والتجارة رُبع العُشْرِ وفي الزروع والثمار العشر أو نصفه وفي المعدن الخمس، وأوجب في أول نصاب من الإبل من غير جنسها وفي أول نصاب من البقر والغنم من جنسه، وقطع يد السارق لكونها آلة المعصية فأذهب العضو الذي تعدّى به على الناس ولم يقطع اللسان الذي يقذف به
(1)"ستأتي كلمة البول في الرد بدلًا من الدم"(و).
(2)
في (ك) و (ق): "الدواعي".
(3)
انظر تصحيحه في "تهذيب السنن"(1/ 136 - 138) وما مضى.
(4)
في (ن): "وقطعها"!.
المحصنات الغافلات ولا الفرْج الذي يرتكب به المُحرَّم (1)، وأوجب على الرقيق نصف حدِّ الحر مع أن حاجته إلى الزّجر عن المحارم كحاجة الحر، وجعل للقاذف إسقاط الحد باللعان في الزوجة دون الأجنبية وكلاهما قد أَلحق [بها](2) العار، وجوَّز للمسافر المترفِّه في سفره رخصة القصر والفطر دون المقيم المجهود الذي هو في غاية المشقة في سببه (3)، وأوجب على كل مَنْ نَذَر للَّه طاعة الوفاء بها، وجوَّز لمن حلف على فعلها أن يتركها ويكفر يمينه، وكلاهما قد التزم فعلها للَّه (4)، وحرَّم الذئبَ والقردَ وما له ناب من السباع وأباح الضبع [على قول](5) ولها نابٌ تكسر به، وجعل شهادة خزيمة بن ثابت وحده بشهادتين (6) وغيره من الصحابة أفضل منه وشهادته بشهادة [شاهد](7)، ورخص لأبي بُرْدة بن
(1) انظر: كشف الشبه الواردة على العقوبة بالقطع في "بدائع الفوائد"(2/ 211 - 212)، و"الحدود والتعزيرات" (353 - 360) للشيخ بكر أبو زيد. وفي (ق):"الذي يرتكب به المحارم".
(2)
ما أثبته من (ك) وحدها، وفي جميع المصادر "به".
(3)
في هامش (ق): "تسببه".
(4)
في (ق): "التزم فعلًا للَّه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(6)
وقع هذا في قصة حصلت: رواها البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 87)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2084)، والطبراني في "الكبير"(3730)، والحاكم (2/ 18) من طريق زيد بن الحباب عن محمَّد بن زرارة بن ثابت حدثني عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اشترى فرسًا وفيه:"من شهد له خزيمة أو شهد عليه. . . فحسبه".
ومحمد هذا لم يذكره إلا ابن حبان في "الثقات"(7/ 414).
ورواه أحمد (5/ 215 - 216)، وأبو داود (3607) في (الأقضية): باب إذا علم العالم صدق الشاهد الواحد. . .، والنسائي (7/ 301) في (الأقضية) باب التسهيل في ترك الإشهاد على البيع، وابن أبي عاصم (2085)، والذهلي في "الزهريات" -كما في "الفتح"(8/ 518) -، والحاكم (2/ 17) من طرق عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه،. . .، وفيه القول في خزيمة. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه.
وفي "صحيح البخاري" في (التفسير): (4784) باب: "فمنهم من قضى نحبه. . . " قال زيد بن ثابت: لم أجدها عند أحد إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين.
ووقع في (ق) و (ك): "بشاهدين".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك) و (ق).
نِيار في التضحية بالعناق وقال: لن تجزيء عن أحدٍ بعدك (1)، وفرق بين صلاة الليل والنَّهار في السر والجهر ثم شَرَعَ الجهرَ في بعض صلاة النهار كالجمعة والعيدين، وورَّث ابنَ [ابنِ](2) العم وإن بعُدَت درجته دون الخالة التي هي شقيقة الأم، وحَرَّم أخذ مال الغير إلا بطيب نفسه (3) وسلَّطه على أخذ عقاره وأرضه بالشُّفعة ثم شرع الشفعة فيما يمكن التَّخلصّ من ضرر الشركة بقسمته دون ما لا يمكن قسمته كالجَوْهَرة والحيوان وهو أولى بالشفعة، وحَرَّم صومَ أول يوم من شوال (4) وفرض صومَ آخر يوم من رمضان مع تساوي اليومين، وحرم على الإنسان نكاحَ بنت أخته وأخيه وأباح له نكاح بنتَ أخي أبيه وأخت أمه (5)، وحَمَّل العاقلة ضمان جناية الخطأ على النفوس دون الجناية على الأموال، وحرم وطء الحائض لأذى الدم وأباح وطء المستحاضة مع وجود الأذى، ومنع بيع مُدِّ حنطة بمدٍّ وحفنة وجَوَّز بيع مد حنطة بصاع فأكثر من الشعير؛ فحرم ربا الفَضْل في الجنس الواحد دون الجنسين، ومنع المرأة من الإحدادِ على أبيها وابنها فوق ثلاثة أيام وأوجب [عليها](6) أن تُحِد على الزوج وهو أجنبي أربعة أشهر وعشرًا،
(1) أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب العيدين)، باب الأكل يوم النحر، (2/ 447 - 448/ رقم 955)، وباب الخطبة بعد العيد، (2/ 453/ رقم 965)، وباب التبكير إلى العيد، (2/ 456/ رقم 968)، وباب كلام الإِمام والناس في خطبة العيد، (2/ 471/ رقم 983)، و (كتاب الأضاحي): باب سنة الأضحية، (3/ 10 رقم 5545)، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بُرده: ضح بالجذع من المعز، ولن تجزئ عن أحد بعدك (10/ 12/ رقم 5556، 5557)، وباب الذبح بعد الصلاة (10/ 19/ رقم 5560)، وباب من ذبح قبل الصلاة أعاد (10/ 20/ رقم 5563)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الأضاحي): باب وقتها (3/ 1552/ رقم 1961)، والترمذي في "الجامع" أبواب الأضاحي، باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة (4/ 93/ رقم 1508)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأضاحي): باب ما يجوز من السنن من الضحايا (3/ 96/ رقم 2800)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الأضاحي): باب ذبح الضحية قبل الإِمام (7/ 222)، عن البراء بن عازب مرفوعًا.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في المطبوع: "إلا بطيبة من نفسه".
(4)
في تحريم صوم يوم العيد أحاديث:
منها حديث أبي هريرة: رواه البخاري (1993) في (الصوم): باب صوم يوم النحر، ومسلم (1138) في (الصيام): باب ما يُنهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.
وحديث ابن عمر: رواه البخاري (1994)، و (6705 و 6706)، ومسلم (1139).
وحديث عمر وأبي سعيد الخدري وعائشة وكلها ثابتة في "الصحيح".
(5)
أي: بنت أخت أمه.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).