الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يطأها و (1) لا ينفق على أولاده منها ونحو ذلك مما هو من أفسد القياس الذي فرّقت الشريعة بين ما هو أحقُّ بالوفاء منه وبين ما لا يجوز الوفاء به، وجمعتم بين ما فرَّق الشرع والقياس بينهما، وألحقتم (2) أحدهما بالآخر، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الوفاء بشروط النكاح التي يَستحلُّ بها الزوج [فرج](3) امرأته أولى من الوفاء بسائر الشروط على الإطلاق (4)، فجعلتموها أنتم دون سائر الشروط وأحقها بعدم الوفاء وجعلتم الوفاء بشرط الواقف المخالف لمقصود الشارع كترك النكاح وكشرط الصلاة في المكان الذي شَرَطَ فيه الصلاة وإن كان وحده وإلى جانبه المسجد الأعظم وجماعة المسلمين (5)، وقد ألغى الشارع هذا الشرط في النذر الذي هو قُرْبَة محضةٌ وطاعة فلا تتعين عنده بقعة عَيَّنها الناذر للصلاة إلَّا المساجد الثلاثة، وقد شرط الناذر في نذره تعيّنه؛ فألغاه الشارع لفضيلة غيره [عليه](6) أو مساواته له فكيف يكون [شرط الواقف](7) الذي غيره أفضل منه وأحب إلى اللَّه ورسوله لازمًا يجب الوفاء به؟ وتعيين الصلاة في مكان مُعيَّن لم يرغب الشارع فيه ليس بقربة، وما ليس بقربة لا يجب الوفاء به في النذر، ولا يصح اشتراطه في الوقف.
[هل يعتبر شرط الواقف مطلقًا]
[فإن قلتم: الواقفُ لم يخرج ماله إلَّا على وجه معين، فلزم اتباعُ ما عَيَّنه في الوقف](8) من ذلك الوجه، والناذر قصد القربة، والقُرَبُ متساوية في المساجد غير الثلاثة، فتعيّن (9) بعضها لغو.
قيل: هذا الفرق [بعينه](8) يوجب عليكم إلغاء ما لا قربة فيه من شروط
(1) في المطبوع: "أو".
(2)
في (ق): "فألحقتم".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
يشير المصنف رحمه الله إلى ما أخرجه البخاري (2721)(كتاب الشروط): باب الشروط في المهر عند عُقدة النكاح، و (5151) (كتاب النكاح): باب الشروط في النكاح، ومسلم (1418) (كتاب النكاح): باب الوفاء بالشروط في النكاح عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أحق الشُّروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
(5)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 4 - 5، 8).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الشرط" في (ك): "شرط".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(9)
في (ق): "فتعيين".
الواقفين (1)، واعتبار ما فيه قربة، فإن الواقف إنما مقصوده بالوقف التقريب إلى اللَّه فتقربه بوقفه كتقربه بنذره؛ فإن العاقل لا يبذل ماله إلَّا لما له فيه مصلحة عاجلة أو آجلة؛ والمرء في حياته قد يبذل ماله في أغراضه، مباحة كانت أو غيرها وقد يبذله فيما يقربه إلى اللَّه، وأما (2) بعد مماته فإنما يبذله فيما يظن أنه يقرب إلى اللَّه، فلو (3) قيل له:"إن هذا المصرف لا يقرب إلى اللَّه [عز وجل] (4)، أو إن غيره أفضل وأحب إلى اللَّه منه وأعظم أجرًا" لبادر إليه، ولا ريب أن العاقل إذا قيل له:"إذا بذلت مالك في مقابلة هذه الشروط (5) حصل لك أجر واحد، وإن تركته حصل لك أجران" فإنّه يختار ما فيه الأجر الزائد، فكيف إذا قيل له:"إن هذا لا أجر فيه ألبتة" فكيف إذا قيل [له](6): "إنه مخالف لمقصود الشارع مضاد له يكرهه اللَّه ورسوله"؟ وهذا كشرط العزوبية مثلًا وترك النكاح، فإنه شرط لترك واجب أو سنّة أفضل من صلاة النافلة وصومها أو سنَّة دون الصلاة والصوم، فكيف يلزم الوفاء بـ[شرط](7) ترك الواجبات والسنن اتباعًا لشرط الواقف وترك شرط اللَّه ورسوله الذي قضاؤه أحق وشرطه أوثق؟
يوضحه أنه لو شرط في وقفه أن يكون على الأغنياء دون الفقراء كان (8) شرطًا باطلًا عند جمهور الفقهاء، قال أبو المعالي الجويني -هو إمام الحرمين-[رضي الله عنه] (9): ومعظم أصحابنا قطعوا بالبطلان، هذا مع أن وصف الغنى وصف مباح ونعمة من اللَّه وصاحبه إذا كان شاكرًا فهو أَفضل من الفقير مع صبره عند طائفة كثيرة من الفقهاء والصوفية (10)، فكيف يلغى هذا الشرط ويصح شرط الترهب (11)
(1) انظر: "إغاثة اللهفان"(1/ 378).
(2)
في (ق): "فأما".
(3)
في (د): "ولو".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في المطبوع: "هذا الشرط".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (د).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
في (ق): "أكان".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
انظر في المفاضلة بين الفقر والغنى: "تفسير القرطبي"(3/ 329 و 5/ 343 و 14/ 306 و 15/ 216 و 19/ 213)، و"عدة الصابرين" (ص: 193 - 195، 284، 203 - 204، 208 - 209، 217، 313 - 314، 317 - 322)، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(11/ 21، 69، 119 - 121، 195 و 14/ 305 - 306)، ورسالة محمد البيركلي (ت: 981 هـ): "المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر" وهي مطبوعة عن دار ابن حزم - بيروت سنة 1414 هـ في 64 صحيفة، وانظر:"الموافقات"(1/ 187 - 188 و 5/ 366 - 367 - بتحقيقي).
(11)
في (ك): "الترهيب".