الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإجارة بطريق الأولى؛ لأن إجارة الأرض لم يُختلف فيها كالاختلاف في المُزارعة، فإذا كانت إجارتها عندكم أجْوز من المزارعة فإجارة الشجر أولى بالجواز من المساقاة عليها، فهذا محْضُ القياس وعمل الصحابة ومصلحة الأمة، وباللَّه التوفيق.
والذين منعوا ذلك وحَرَّمُوه توصلوا إلى جوازه بالحيلة الباطلة شرعًا وعقلًا، فإنهم يؤجِّرونه الأرض وليست مقصودة له البتة (1)، ويساقونه على الشجرة من ألف جزء على جزء مساقاة غير مقصودة [وإجارةً غير مقصودة](2)، فجعلوا ما لم يُقصد مقصودًا، وما قُصد غير مقصود، وحابوا في المساقاة أعظم محاباة، وذلك حرامٌ باطل في الوقف وبستان المولّى عليه من يتيم أو سفيهٍ أو مجنون، ومحاباتهم إياه في إجارة الأرض لا تُسَوِّغ لهم محاباة المستأجر في المساقاة، ولا يسوِّغ اشتراط أحد العقدين في الآخر، بل كل عقد مستقل بحكمه، فأين هذا من فعل أمير المؤمنين وفقهه؟ وأين القياس من القياس والفقه من الفقه؟ فبينهما في الصحة بُعْدُ ما بين المشرقين (3)!
فصل [إجارة الظئر على وفق القياس الصحيح]
فهذا الكلام على المقام الأول، وهو كون الإجارة على خلاف القياس، وقد تبين بطلانه.
وأما المقام الثاني -وهو أن الإجارة التي أذن اللَّه فيها في كتابه وهي إجارة الظِّئْر على خلاف القياس- فبناءٌ منهم على هذا الأصل الفاسد (4)، وهو أن المُستحَق بعقد الإجارة إنما هو المنافع لا الأعيان، وهذا الأصل لم يدل عليه كتابٌ ولا سنة ولا إجماعٌ ولا قياسٌ صحيح، بل الذي دلّت عليه الأصول أن الأعيانَ التي تَحدُث شيئًا فشيئًا مع بقاء أصلها حكمُها حكم المنافع كالثمر في
(1) في (ن): "وليست مقصودًا له".
(2)
ما بين المعقوفتين في (ق) قبل: "وحابوا في المساقاة" في السطر الذي بعده.
(3)
في (ق): "وبينها في الصحة أبعد ما بين المشرقين".
(4)
انظر إجارة الظئر ونحوه وبيان أنها على وفق القياس: "زاد المعاد"(2/ 15 - 16)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(20/ 550. 30/ 230)، و"الإنصاف"(6/ 3)، و"المعدول به عن القياس حقيقته وحكمه وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية منه"(ص 154 - 156).
الشجر واللَّبن في الحيوان والماء في البئر؛ ولهذا سوَّى بين النوعين في الوقف، فإن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الفائدة، فكما يجوز أن تكون فائدة الوقف منفعةً كالسكنى وأن تكون ثمرة وأن تكون لبنًا كوقف الماشية للانتفاع بلبنها، وكذلك في باب التبرعات كالعارية لمن ينتفعُ بالمتاع ثم يردّه، والعريّة لمن يأكل ثمرَ (1) الشجرة ثم يردها، والمنيحة لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها، والقرض لمن ينتفع بالدراهم ثم يرد بدلها القائم مقام عينها؛ فكذلك في الإجارة تارة يكريه العين للمنفعة التي ليست أعيانًا، وتارة للعين التي تحدث شيئًا من بعد شيءٍ مع بقاء الأصل كلبن الظئر ونقع البئر؛ فإن هذه الأعيان لما كانت تحدث شيئًا بعد شيء [مع بقاء الأصل](2) كانت المنفعة (3)، والمسوِّغ للإجارة هو ما بينهما من القدر المشترك، وهو حدوث المقصود بالعقد شيئًا فشيئًا، سواء كان الحادث عينًا أو منفعة، وكونه جسمًا أو معنًى قائمًا بالجسم لا أثر له في الجواز والمنع مع اشتراكهما في المُقتضي للجواز، بل هذا النوع من الأعيان الحادثة شيئًا فشيئًا أحقُّ بالجواز؛ فإن الأجسام أكْملُ من صفاتها، وطردُ هذا القياس جواز إجارة الحيوان غير الآدمي لرضاعه، [فإن الحاجة تدعو إليه كما تدعو إليه في](4) الظئر من الآدميين بطعامها وكسوتها، ويجوز (5) استئجار الظئر من البهائِمِ بعلَفِها، والماشية إذا عاوض على لبنها فهو نوعان:
أحدهما: أن يشتريَ اللَّبنَ مدة، ويكون العلف والخدمة على البائع، فهذا بيْع محضٌ.
والثاني: أن يتسلَّمها (6) ويكون علفُها وخدمتُها عليه، ولبنها [له](7) مدة الإجارة؛ فهذا إجارة وهو كضمان البساتين (8) سواء وكالظئر؛ فإن اللبن يُستوفى شيئًا فشيئًا مع بقاء الأصل؛ فهو كاستئجار العين ليسقيَ بها أرضَه، وقد نص مالك على جواز إجارة الحيوان مدةً للبنه ثم مِنْ أصحابه من جوَّز ذلك تبعًا لنصه،
(1) في (ق): "ثمرة".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ق): "كالمنفعة".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "وجواز إجارة".
(5)
في (ن): "وجواز"، وفي (ق) و (ك):"و".
(6)
في المطبوع: "ويسلمها".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق) وقال في هامش (ق): "لعله بلبنها".
(8)
في (د): "البستان".