الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: مِن قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال (1).
وقال بشر بن الوليد: قال أبو يوسف: لا يحلُّ لأحدٍ أن يقولَ مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا (2).
وقد صرَّح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النَّخَعي أنه يُستتاب، فكيف من (3) ترك قول اللَّه ورسوله لقول مَنْ هو دون إبراهيم أو مثله (4)؟
وقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ: حدثني الهيثم بن جميل، قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد اللَّه إن عندنا قومًا وضعوا كتبًا يقول أحدهم: ثنا فُلان، عن فلان، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكذا وكذا، و [حدثنا] فلان عن إبراهيم بكذا، ونأخذ (5) يقول إبراهيم. قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال: هؤلاء يُستتابون (6)، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
فصل [مناظرة بين مقلِّد وصاحب حُجَّة]
في عقد مجلس مناظرة بين مقلد (7) وصاحب حجة منقاد للحق حيث كان.
قال المقلد: نحن معاشر المقلدين ممتثلون قول اللَّه تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فأمر اللَّه سبحانه من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه، وهذا نص قولنا؛ وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعلم إلى سؤال من يعلم، فقال في حديث صاحب الشَّجَّة: "ألا سألوا [إذ](8) لم يعلموا، إنما شفاءُ
= المؤمَّل في الرد إلى الأمر الأوَّل" (ص 61) لأبي شامة المقدسي.
(1)
انظر: "إيقاظ همم أولي الأبصار"(ص 113).
(2)
أخرجه البيهقي في "المدخل"(262).
(3)
في المطبوع: "بمن".
(4)
انظر: القصة الآتية. و"النخعي" سقطت من (ك).
(5)
في جميع الأصول: "يأخذ".
(6)
رواه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 120 - 121) بسنده إلى الفريابي. ووقع في (ك): "العرماني" به، وما بين المعقوفتين منه، وسقط من جميع الأصول.
(7)
في (ن): "مجلس بين مناظرة وبين مقلد".
(8)
في نسخة (ط) و (ك) و (ق): "إذا".
العِيِّ السؤال" (1) وقال أبو العَسيف الذي زنى بامرأة مستأجِرِه: "وإني سألت أهل
(1) رواه الأوزاعي، وقد اختلف عنه: فرواه ابن ماجه (572) في (الطهارة): باب المجروح تصيبه الجنابة، والدارقطني (1/ 190 - 191)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 317 - 318)، وأبو يعلى (2420)، والحاكم (1/ 178)، والبيهقي في "الخلافيات"(2/ 493 رقم 836) والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 68) من طرق عنه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعًا، وفيه قصة.
ورواه الدارمي (1/ 192)، وأحمد (1/ 330)، والبخاري في "التاريخ"(8/ 288)، وأبو داود (337) في (الطهارة): باب في الجروح، والدارقطني (1/ 191 - 192)، والبيهقي (1/ 227)، وفي "الخلافيات" (2/ 493 رقم 837) من طرق عنه بلغني أن عطاء بن أبي رباح قال: أنه سمع ابن عباس به.
ووقع تصريح عطاء بسماعه من ابن عباس من رواية الوليد بن عبيد اللَّه بن أبي رباح -وهو ضعيف- عنه، رواه: ابن خزيمة (273) وابن حبان (1314)، وابن الجارود (128)، والحاكم (1/ 165)، والبيهقي (1/ 226)، وفي "الخلافيات"(2/ 506 رقم 847)، وانظر:"التلخيص الحبير"(1/ 147 - 148).
ورواه عبد الرزاق (867)، ومن طريقه الدارقطني (1/ 191) والبيهقي في "الخلافيات"(2/ 495 رقم 838) عن رجل عن عطاء به.
لكن رواه الطبراني في "الكبير"(11472) من طريق عبد الرزاق فقال: عن الأوزاعي سمعتُه مِنْ أو أُخْبِرتُه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، على الشك، ولعل هذا من عبد الرزاق.
وقال أبو حاتم وأبو زرعة -كما رواه عنهما ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 37) -: روى هذا الحديث ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس، وأفسد الحديث.
أقول: إذا كان إسماعيل هو المجهول في السند السابق، فهو ضعيف.
ورواه الحاكم (1/ 178) من طريق بشر بن بكر حدثني الأوزاعي حدثنا عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد اللَّه بن عباس (فذكره) هكذا موصولًا.
وقال الحاكم: وقد رواه الهِقْل -وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي-، ولم يذكر سماع الأوزاعي من عطاء.
أقول: وبشر هذا قال عنه مسلمة بن قاسم: يروي عن الأوزاعي أشياء انفرد بها، وقال الحافظ في "التقريب":"ثقة يغرب". ورواية هِقْل عند: الحاكم (1/ 178)، والدارقطني (1/ 190، 191)، وأبو يعلى (2420) وتابعه، ابن أبي العشرين:
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(526) من طريق هشام بن عمار عنه عن الأوزاعي حدثنا عطاء به.
وعبد الحميد هذا روايته المتقدمة عند ابن ماجه (572)، وليس فيها تصريح!! وهو عنده أخطاء، والراوي عنه هشام له أخطاء أيضًا. =
العلم فأخبروني أنما على ابني جلدُ مئة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم" (1) فلم يُنكر عليه تقليد من هو أعلم منه، وهذا عالم الأرض عمر قد قلَّد أبا بكر؟ فروى شعبةُ، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، أن أبا بكر قال في الكَلَالة: أقضي فيها، فإن يكن صوابًا فمن اللَّه، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان واللَّه منه برئ، هو ما دون الولد والوالد، فقال عمر بن الخطاب: إني لأستحيي من اللَّه أن أخالف أبا بكر (2). وصحَّ عنه أنه قال له: رأيُنا لرأيك تبعٌ (3).
= والحديث رواه أبو داود (336)، والدارقطني (1/ 190)، والبيهقي (1/ 227 - 228) وفي "الخلافيات"(2/ 489 - 490 رقم 834، 835 - بتحقيقي)، و"المعرفة"(1/ 301 - 302 رقم 347)، والبغوي (313)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 191 رقم 1163) من طريق الزبير بن خُريق عن عطاء بن أبي رباح عن جابر به.
ورجح الدارقطني والبيهقي رواية الأوزاعي وقال الدارقطني: "لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خُربق وليس بالقوي" وضعفه أبو داود والبيهقي والذهبي بابن خريق في "المهذب"(1/ 138 رقم 841) وقبله ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 22).
فرجع الحديث إلى الإسناد الأول، وهو منقطع، ولذلك ضعفه ابن حجر في "بلوغ المرام"(رقم 134)، والغساني في "تخريج الأحاديث الضعاف من "سنن الدارقطني""(رقم 114)، وشيخنا الألباني رحمه الله في "الإرواء" (1/ 142) وهو الظاهر. وانظر:"تحفة المحتاج"(1/ 226) لابن الملقن، و"التلخيص الحبير"(1/ 147).
وفي الباب عن أبي سعيد. رواه: ابن عدي (5/ 1780)، والبيهقي في "الخلافيات"(رقم 848 - بتحقيقي)، وإسناده ضعيف جدًا، فيه عمرو بن شمر، وهو متروك. وله علل أخرى، وانظر:"التلخيص الحبير"(1/ 148).
(1)
أخرجه البخاري (6827، 6828)(الحدود): باب الاعتراف بالزنا، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما.
(2)
رواه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 127) من طريق شعبة به. ورواه عبد الرزاق (10/ 304 رقم 19191)، وابن أبي شيبة (11/ 415 - 416)، وسعيد بن منصور (3/ 1185 رقم 591)، والدارمي (2/ 365)، وابن جرير (6/ 283 - 284)، والبيهقي (6/ 224) من طرق عن عاصم الأحول به.
وتابع عاصمًا: جابر الجعفي. رواه عبد الرزاق (19190)، وابن جرير (6/ 284).
وإسناده منقطع، الشعبي لم يدرك أبا بكر.
وأورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 911/ رقم 1712) عن ابن مسعود ولم بسنده.
(3)
ذكر المؤلف رحمه الله (ص 533) أن هذا القول لعمر في بعض طرق الحديث الذي رواه طارق بن شهاب عن أبي بكر.
وحديث طارق هذا رواه البخاري في "صحيحه"(7221) مختصرًا وذكر الحافظ في =
وصح عن ابن مسعود أنه كان يأخذ يقول عمر (1).
وقال الشعبي، عن مسروق: كان ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُفتون الناس: ابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعلي، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وأبو موسى، وكان ثلاثة منهم يَدَعون قَوْلَهم لقول ثلاثة: كان عبد اللَّه يدع قوله لقول عمر، وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي، وكان زيد يدع قوله لقول أُبيّ بن كَعْب (2).
وقال جُنْدب: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس (3). وقد
= "الفتح"(13/ 210) أن الحافظ البرقاني في "مستخرجه" ساقها ثم نقلها عن الحميدي في "الجمع بين الصحيحين".
ثم وجدت القصة في "سنن البيهقي"(8/ 335) و"جامع بيان العلم"(1829) فلم أجد هذه العبارة عندهما واللَّه أعلم.
(1)
كان ابن مسعود مجلًا لعلم عمر بن الخطاب وقد أثنى عليه كثيرًا، سبق وأن ذكر طائفة من أقواله المؤلفُ في بداية كتابه هذا، وقد عقد الطبراني فصلًا في "معجمه الكبير" في ترجمة ابن مسعود في ثنائه على عمر بن الخطاب (9/ 176 وما بعدها) فلينظر فإنه هام.
وأما أن ابن مسعود كان يأخذ يقول عمر فقد روى الطبراني في "معجمه"(8802) و (8806)، وابن حزم في "الإحكام" (6/ 61) بأسانيد صحيحة عن زيد بن وهب (وهو ثقة مخضرم) قال: تمارى رجلان في آية من القرآن فأتيا عبد اللَّه بن مسعود، فقال أحدهما: أقرأنيها أبو عمرة وقال الآخر: أقرأنيها عمر. فلما ذكر عمر بكى عبد اللَّه وهو قائم ومسح عينيه ونفض يده في الحصا، ثم قال: اقرأها كما أقرأكها عمر. . .، عمر كان أتقانا وأقرأنا لكتاب اللَّه.
وروى الطبراني (8834) من طريق معاوية بن عمرو عن زائدة عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود قال: إن عمر كره الصلاة بعد العصر وأنا أكره ما كره عمر. بإسناده على شرط الصحيح. وانظر -لزامًا- "الإحكام"(6/ 62) فقد ذكر أشياء اختلف فيها ابن مسعود مع عمر، ثم قال:"والعجب كله ممن يحتج بالكذب من أن ابن مسعود كان يقلد عمر، وهم لا يرون تقليد عمر ولا ابن مسعود في كل أقوالهما".
(2)
رواه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 67) من طريق جابر الجعفي عن الشعبي به. وروى نحوه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 444 - 445)، وابن سعد (2/ 351)، والبيهقي في المدخل (145) و (146) و (147) و (148) من طرق عن الشعبي عن مسروق.
ورواه الطبراني في "الكبير"(8513) من طريق القاسم عن مسروق.
قال الهيثمي (9/ 160): ورجاله رجال الصحيح غير القاسم وهو ثقة.
وروى ابن سعد (2/ 351)، وأبو خيثمة في "العلم"(رقم 94)، والبيهقي (149) نحوه من قول الشعبي.
ووقع في (ك): "يدعون قولهم لثلاثة".
(3)
روى ابن حزم في "الإحكام"(6/ 67) عن جابر الجعفي -وهو ضعيف- عن الشعبي: أن جندبًا ذكر له قول في مسألة في الصلاة لابن مسعود. فقال جندب:. . . وذكره.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن معاذًا قد سن لكم سنة، فكذلك فافعلوا"(1) في شأن الصلاة حيث تأخَّر فصلى ما فاته [من الصلاة](2) مع الإِمام بعد الفراغ، وكانوا يصلون ما فاتهم أولًا ثم يدخلون مع الإِمام.
قال المقلد: وقد أمر اللَّه تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر -وهم العلماء، أو العلماء والأمراء (3) - وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، فإنه لولا التقليد لم يكن هناك طاعة تختص بهم.
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] وتقليدهم اتباع لهم، ففاعله ممن رضي الله عنهم، ويكفي في ذلك الحديث المشهور:"أصحابي كالنجوم بأيِّهِمُ اقتديتم اهتديتم"(4).
(1) هو جزء من حديث طويل رواه أحمد (5/ 246)، وأبو داود (507) في الصلاة: باب كيف الأذان، والحاكم (2/ 274)، والبيهقي (2/ 296)، و (3/ 93) من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل به مرفوعًا.
وهذا إسناد منقطع؛ عبد الرحمن لم يسمع من معاذ؛ كما قال الحافظ في "التلخيص"(2/ 42).
ورواه أبو داود (506)، والبيهقي من طريقه (3/ 93)، وابن حزم في "الإحكام" (6/ 70 - 71) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة، ثم قال: حدثنا أصحابنا. . . وفيه: "فقال معاذ".
وقال البيهقي (2/ 296): وهذا أصح لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذًا. ففيه جهالة الأصحاب، وضعفه ابن حزم، خلافًا لما نقله ابن التركماني عنه!!
(2)
ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ك) و (ق).
(3)
انظر ما تقدم عند المصنف، وهناك التفصيل والتخريج.
(4)
ورد بألفاظ متقاربة عن جماعة من الصحابة رضوان اللَّه عليهم، هم:
• ابن عباس، أخرجه أبو العباس الأصم في "حديثه"(رقم 142) -ومن طريقه البيهقي في "المدخل"(رقم 152) - والخطيب في "الكفاية"(48)، والديلمي في "الفردوس"(4/ 75) من طريق سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك به.
وإسناده ضعيف جدًا، آفته ابن أبي كريمة ضعيف، وجويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس، ولذا قال الزركشي في "المعتبر" (ص: 83): "وهذا الإسناد فيه ضعفاء".
وأخرجه البيهقي من حديث أبي زرعة ثنا إبراهيم بن موسى ثنا يزيد بن هارون عن جويبر عن جواب بن عبيد اللَّه رفعه.
ثم قال البيهقي: "هذا حديث مشهور، وأسانيده كلها ضعيفة، لم يثبت منها شيء".
وأخرجه أبو ذر الهروي في كتاب "السنة" من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مزاحم منقطعًا، وهو في غاية الضعف، قاله ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 191).
ورواه ابن بطة في "الإبانة"(رقم 702) من طريق آخر عن ابن عباس، وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو كذاب.
• جابر، أخرجه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف"(4/ 1778)، -ومن طريقه ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 925/ رقم 1760) -، وابن حزم في "الإحكام"(6/ 82) من طريق سلام بن سليم عن الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان به.
قال ابن عبد البر عقبه: "هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول".
وقال ابن حزم: "هذه رواية ساقطة، أبو سفيان ضعيف، والحارث بن غصين هذا هو أبو وهب الثقفي، وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة، وهذا منها بلا شك".
قلت: أبو سفيان أخرج له مسلم في "صحيحه"، وهو صدوق.
وقال ابن طاهر: "هذه الرواية معلولة بسلام المدائني، فإنه ضعيف"، نقله عنه الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(2/ 230)، وبه أعله شيخنا الألباني في "السلسلة الضعيفة"(رقم 58).
وأخرجه الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق آخر عن جابر، ثم قال:"هذا لا يثبت عن مالك، ورواته عن مالك مجهولون"، أفاده الزيلعي وابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 190).
• أبو هريرة، أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 275/ رقم 1346)، وهو معلول بجعفر بن عبد الواحد، وقد كذبوه.
• حديث ابن عمر، أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" رقم (783)، والدارقطني في "فضائل الصحابة" -كما قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(2/ 231)، وابن الملقن في "تذكرة المحتاج" (ص: 68)، وليس له وجود في القطعة المطبوعة من "فضائل الصحابة"- وابن بطة في "الإبانة"(رقم 701)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 785، 785 - 786)، وأبو ذر في "السنة" -كما في "المعتبر"(ص 81) - من طريق حمزة الجزري عن نافع به، لكنه قال بدل "اقتديتم":"بأيهم أخذتم بقوله اهتديتم"، وهو هو.
وذكره ابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1759) عن ابن عمر معلقًا من طريق حمزة، وقال:"هذا إسناد لا يصح، ولا يرويه عن نافع من يحتج به لا، وعنه ابن حزم في "الإحكام" (6/ 83) وقال: "فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلًا، بل لا شك أنها مكذوبة، وأسهب في بيان بطلان هذا الحديث دراية بكلام متين حسن، وكان قد بيَّن قبل (5/ 64) تحت باب (ذم الاختلاف) بطلان هذا الحديث، وقال عنه:"وهذا الحديث باطل مكذوب، من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية" وساق ثلاثة منها.
وقال ابن عدي في ترجمة (حمزة) وساق له أحاديث: "وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه"، وقال ابن حجر في "المطالب العالية"(4/ 146)، وعزاه لعبد: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= "فيه ضعيف جدًا"، وقال ابن طاهر:"حمزة النصيبي كذاب"، قال:"ورواه بشر بن الحسين الأصبهاني عن الزبير بن عدي عن أنس، وبشر هذا يروي عن الزبير الموضوعات"، أفاده الزيلعي.
• حديث أنس، وعزاه ابن حجر في "المطالب العالية"(4/ 146/ رقم 4193) لابن أبي عمر في "مسنده" عن أنس، وقال:"إسناده ضعيف" وأسنده -أي: ابن حجر- في "موافقة الخبر الخبر"(1/ 147) من طريق ابن أبي عمر، وقال:"وفي إسناده ثلاثة ضعفاء في نسق سلام وزيد ويزيد، وأشدهم ضعفًا سلام" وكان قد ذكر أن سلامًا خالف عبد الرحيم بن زيد، فقال:"عن أنس"، وقال عبد الرحيم:"عن عمر"، وروايته هي الآتية.
• حديث عمر بن الخطاب (1)، أخرجه ابن بطة في "الإبانة"(رقم 700)، والخطيب في "الكفاية"(48) و"الفقيه والمتفقه"(1/ 177)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 151)، ونظام الملك في "الأمالي"(رقم 21 - بتحقيقي)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1057)، والديلمي في "مسنده"(2/ 190)، والضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو"(2/ 116)، وكذا ابن عساكر (6/ 303/ 1)، وابن حجر في "موافقة الخبر الخبر"(1/ 146 - 147) من طريق نعيم بن حماد ثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب به.
وإسناده هالك، قال ابن كثير في "مسند الفاروق" (2/ 700 - 701):"هذا حديث ضعيف من هذا الوجه؛ فإن عبد الرحيم بن زيد هذا كذبه ابن معين، وضعفه غير واحد من الأئمة". ثم قال: "إلا أن هذا الحديث مشهور في ألسنة الأصوليين وغيرهم من الفقهاء، يلهجون به كثيرًا محتجين به وليس بحجة، واللَّه أعلم".
وأعله الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(2/ 232)، وابن عبد البر في "الجامع"(2/ 294) بالعمي، وقال الأول:"وفيه أيضًا شائبة الانقطاع بين سعيد وعمر"، وقال الثاني:"والكلام أيضًا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وعزاه الزركشي في "المعتبر"(ص 80) للدارمي في "مسنده"، ولم أظفر به في "سننه" المطبوعة، وضعفه بالعمي والانقطاع، ورده بقوله:"لكن ذكرت في باب الوتر من "الذهب الابريز" ما يصحح سماعه منه" وحكم عليه شيخنا في "الضعيفة"(رقم 60) بالوضع، وعلى كل حال الحديث ليس بصحيح، ومتنه منكر، ولا يجوز الاحتجاج به.
ولا التفات إلى تصحيح الشعراني له في "الميزان الكبرى"(1/ 30) بالكشف، فهي دعوى فارغة أدخلت شرورا وآفات وبلايا ورزايا لا تحصى.
وبهذا حكم عليه الحفاظ، وهذا بعض منهم:
• قال البزار -وقد سئل عن هذا الحديث-: "منكر، ولا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"، نقله ابن عبد البر وابن الملقن في " تذكرة المحتاج"(ص 68)، وابن حجر في "موافقة =
_________
(1)
ووود من حديث معاذ عند النسفي "القند"(ص 537) وإسناده واهٍ جدًا.
وقال عبد اللَّه بن مسعود: من كان منكم مُستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم اللَّه لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم (1).
= الخبر الخبر" (1/ 147)، والزركشي في "المعتبر" (83)، والمصنف فيما يأتي.
• قال ابن الجوزي في "العلل المنناهية"(1/ 283): "هذا لا يصح".
• قال ابن حزم في رسالته الكبرى "في الكلام على إبطال القياس والتقليد وغيرهما": "هذا حديث مكذوب موضوع باطل، لم يصح قط"، وبنحوه قال في "الإحكام"(5/ 64).
• وأشار ابن الملقن في "تحفة المحتاج"(ص 67 - 68) إلى بعض طرقه، وقال:"وكلها معلولة".
• وقال البيهقي في "الاعتقاد"(ص 319) بعد أن ذكر حديث أبي موسى المرفوع: "النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهب أصحابي أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون": "رواه مسلم [في "صحيحه"، رقم (2531)] بمعناه، وروي عنه في حديث بإسناد غير قوي، وفي حديث منقطع، أنه قال: "مثل أصحابي كمثل النجوم في السماء، من أخذ بنجم منهم اهتدى"، قال: "والذي روينا هاهنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه".
وتعقبه الزركشي في "المعتبر"(ص 84) بقوله: "ولا يخلو عن نظر"، وبين ابن حجر في "التلخيص الحبير" (4/ 191) وجهه؛ فقال:"هو -أي: حديث أبي موسى- يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة، أما في الإقتداء، فلا يظهر من حديث أبي موسى".
• وقال العلائي في "إجمال الإصابة"(ص 58): "روي من طرق في كلها مقال".
بقي بيان وجه من قال بنكارته، وهو أنه لو كان صحيحًا ما خطأ بعضهم بعضًا ولا أنكر بعضهم على بعض، ولا رجع أحد إلى قول صاحبه، وإنما لقال كل لصاحبه: بأينا اقتدى الآخر في قوله؛ فقد اهتدى، ولكن كل منهم طلب البينة والبرهان على قوله: فثبت نكارته، أفاده المزني. ونقله عنه ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 110 - ط القديمة) وغيره وسيأتي تضعيف المصنف له.
(1)
أخرجه ابن عبد البر في "الجامع"(1810)، والهروي في "ذم الكلام"(ص 188) ورزين -كما في "المشكاة"(1/ 67 - 68) - عن قتادة به، فهو منقطع وعزاه المصنف فيما يأتي لأحمد.
وفي "الحلية"(1/ 305 - 306): من طريق عمر بن نبهان عن الحسن عن ابن عمر قاله: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك. . . ". وهذا إسناد ضعيف، لضعف عمر بن نبهان.
وقد صحَّ (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"(2) وقال: "اقتدوا باللّذيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا
(1) في المطبوع: "وقد روي".!!
(2)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 126، 127)، وأبو داود في "السنن"(كتاب السنة، باب في لزوم السنة، 4/ 200 - 201/ رقم 4607)، والترمذي في "الجامع"(أبواب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، 5/ 44/ رقم 2676)، وابن ماجه في "السنن"(المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، 1/ 15 - 16، 16، 17/ رقم 42 - 44)، وابن جرير في "جامع البيان"(10/ 212)، والدارمي في "السنن"(1/ 44)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 205/ رقم 102)، وابن أبي عاصم في "السنة"(1/ 17، 18، 19، 20، 29، 30)، ومحمد بن نصر في "السنة"(ص 21، 22)، والحارث بن أبي أسامة في "المسند"(ق 19 - مع بغية الباحث)، والآجري في "الشريعة"(ص 46، 47)، وابن حبان في "الصحيح"(1/ 104/ رقم 45 - مع الإحسان)، والطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 245، 246، 247، 248، 249، 257)، و"المعجم"الأوسط" (رقم 66)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 222 - 224)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 95 - 96، 96، 97)، و"المدخل إلى الصحيح" (1/ 1)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/ 423)، و"الفقيه والمتفقه" (1/ 176 - 177)، والبيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 10 - 11)، و"الاعتقاد" (ص 113)، و"دلائل النبوة" (6/ 541، 541 - 542)، و"المدخل إلى السنن الكبرى" (ص 115، 155 - 116/ رقم 50 و 51)، و"السنن الكبرى" (10/ 114)، وابن وضاح في "البدع" (ص 23، 24)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 220، 221 و 10/ 114، 115)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 69)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/ 74، 75)، والهروي في "ذم الكلام" (69/ 1 - 2)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 265/ 1)، وأحمد بن منيع في "المسند" -كما في "المطالب العالية" (89/ 3) - من طرق كثيرة عن العرباض بن سارية رضي الله عنه.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وقال الهروي:"وهذا من أجود حديث في أهل الشام"، وقال البزار:"حديث ثابت صحيح"، وقال البغوي:"حديث حسن"، وقال ابن عبد البر:"حديث ثابت"، وقال الحاكم:"صحيح ليس له علة"، ووافقه الذهبي، وقال أبو نعيم:"هذا حديث جيد من صحيح حديث الشاميين"، وصححه الضياء المقدسي في "جزء في اتباع السنن واجتناب البدع"(رقم 2)، وقال ابن كثير في "تحفة الطالب لمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" (رقم 36):"صححه الحاكم وقال: ولا أعلم له علة، وصححه أيضًا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني والدغولي، وقال شيخ الإِسلام الأنصاري: هو أجود حديث في أهل الشام وأحسنه".
قلت: وقد احتج بهذا الحديث الإِمام أحمد لما سئل عن فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أكان سنة؟. "قال: نعم"، قال أبو داود؛ "وقال مرة: لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، فسماها سنة،. . . " انظر:"مسائل أبي داود"(ص 277). =
بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبْد" (1) وقد كتب عمر إلى شريح: أن أقْضِ بما في كتاب اللَّه، فإن لم يكن في كتاب اللَّه فبسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاقْضِ بما قضى به الصالحون (2).
وقد منع عمر من بيع أمهات الأولاد (3) وتبعه الصحابة، وألزم بالطلاق الثلاث (4) فتبعوه أيضًا، واحتلم [أيضًا] مرة فقال له عمرو بن العاص: خُذ ثوبًا غير ثوبك، فقال: لو فعلتها لصارت سنة (5)، وقال أبيُّ بن كعب وغيره من
= وانظر: "إرواء الغليل"(8/ 107/ رقم 2455)، و"جامع العلوم والحكم"(ص 187) و"المعتبر" للزركشي (1/ 187) مخطوط.
(1)
الحديث صحيح بشواهده وقد خرجته مطولًا في تعليقي على "المجالسة"(رقم 3528) من حديث ابن مسعود، وفي تعليقي على "الاعتصام"(3/ 285 - 286) من حديث حذيفة، فراجعهما، واللَّه الموفق.
(2)
أخرجه النسائي في "المجتبى"(كتاب آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم، 8/ 231)، ومن طريقه الضياء في "المختارة"(رقم 133)، والدارمي في "سننه"(1/ 60)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 241 - ط دار الفكر) ومن طريقه ابن أبي عاصم -كما في "مسند الفاروق"(2/ 548) -، ومن طريقه الضياء في "المختارة"(رقم 134)، وسعيد بن منصور -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(10/ 110) -، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 99)، وابن عبد البر -المذكور لفظه- في "الجامع"(2/ 846/ رقم 1595)، وابن حزم في "الإحكام"، (6/ 29 - 30)، والبيهقي (10/ 115) من طرق عن الشعبي عن شريح أنه كتب إلى عمر رضي الله عنه، يسأله: فكتب إليه، وذكروه بألفاظه، منها المذكور هنا، وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر"(1/ 120)، وعزاه ابن كثير في "مسند الفاروق"(2/ 548) لأبي يعلى، وفي آخره قصة رؤيا عامل عمر على حمص اقتتال الشمس والقمر، وإسنادها ضعيف.
(3)
رواه أبو داود (3954)(كتاب العتق): باب بيع أمهات الأولاد، وابن حبان (4324)، والحاكم (2/ 18 - 19)، والبيهقي (10/ 347) من طرق عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
ووقع في المطبوع: "عن بيع أمهات الأولاد".
(4)
رواه مسلم في "الصحيح"(كتاب الطلاق: باب طلاق الثلاث/ رقم: 1472)، من حديث ابن عباس.
(5)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 50 - رواية يحيى و 1/ 56/ رقم: 137 - رواية أبي مصعب) عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في رَكْب فيهم عمرو بن العاص وذكر القصة وظاهر الإسناد أن يحيى هذا لقي عمر ولكن الثابت في ترجمته أنه مات بعد المئة فهو لم يدرك عمر قطعًا وأظنه =
الصحابة: ما استبان لك فأعمل به، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه (1).
وقد كان الصحابة يُفتون ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيٌّ بين أظهرهم، وهذا تقليدٌ لهم قطعًا؛ إذ قولهم لا يكون حجة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، و [قد] (2) قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] فأوْجب عليهم قبول ما أنذروهم به إذا رجعوا إليهم، وهذا تقليدٌ منهم للعلماء.
وصح عن ابن الزبير أنه سئل عن الجد والإخوة، فقال: أما الذي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذته خليلًا"(3) فإنه أنزله أبًا، وهذا ظاهرٌ في تقليده له، وقد أمر اللَّه سبحانه بقبول شهادة الشاهد، وذلك تقليد له، وجاءت الشريعة بقبول قول القائف والخَارِص (4) والقاسم والمُقَوِّم
= سقط من السند -عن أبيه- إذا أن أباه عبد الرحمن له رؤية.
وأخرج القصة البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 170)، وفي "المعرفة"(1/ 265)، والخطيب في "التالي" (رقم: 203 - بتحقيقي) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن زبيد بن الصلت قال: صلى عمر. . فذكره لكن ليس فيها موطن الاحتجاج: لو فعلتها لصارت سنة. وانظر "الاستذكار"(3/ 116).
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(1)
رواه ابن أبي شيبة (10/ 489)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 39 - 40) -ومن طريقه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 93) - من طريق أسلم المنقري عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب به.
أقول: رجاله ثقات، أما عبد اللَّه بن عبد الرحمن، فقد قال الأثرم: قلت لأحمد: سعيد وعبد اللَّه أخوان؟ قال: نعم، قلت؟ فأيهما أحب إليك؟ قال: كلاهما عندي حسن الحديث.
وذكره ابن حبان وابن خلفون في "الثقات" وقال الحافظ في "التقريب": صدوق.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(3)
رواه أحمد في "مسنده"(4/ 4 و 5) والبخاري (3658) في "فضائل "الصحابة" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا".
وقريبًا منه رواه البخاري (6738) في الفرائض: باب ميراث الأب والإخوة من حديث ابن عباس ومتن الحديث ثابت عن عدد من الصحابة في "الصحيحين" وغيرهما.
وقال الفيروزآبادي في "البصائر"(2/ 558) عقبه وعقب حديث آخر نصه: "إن اللَّه تعالى اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلا". قال: "والحديثان في "الصحيحين"، وهما يبطلان قول من قال: الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فإبراهيم خليله ومحمد حبيبه".
(4)
"خرص النخلة والكرمة: حرز ما عليها من الرطب تمرًا، ومن العنب زبيبا، وفاعل ذلك: الخارص. والقائف: الذي يتتبع الآثار، ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه"(و).
للمتلفات وغيرها والحاكمين بالمثل في جزاء الصيد، وذلك تقليد محض.
وأجمعت الأمة على قبول قول المترجم والرسول والمعرِّف والمعدِّل وإن اختلفوا في جواز الاكتفاء بواحد، وذلك تقليد محض لهؤلاء (1).
وأجمعوا على جواز شراء اللُّحمان والثياب والأطعمة وغيرها من غير سؤال عن أسباب حلها وتحريمها اكتفاءً بتقليد أربابها، ولو كُلِّف الناس كلهم الاجتهاد وأن يكونوا علماء [فضلاء](2) لضاعت مصالح العباد، وتعطلت الصنائع والمتاجر، وكان الناس كلهم علماء مجتهدين، وهذا مما لا سبيل إليه شرعًا، والقدر قد منع من وقوعه.
وقد أجمع الناس على تقليد الزوج للنساء اللاتي يُهْدين إليه زوجته وجواز وطئها تقليدًا لهن في كونها هي زوجته.
وأجمعوا على أن الأعمى يُقلَّد في القبلة (3)، وعلى تقليد الأئمة في الطهارة وقراءة الفاتحة، وما يصح به الاقتداء، وعلى تقليد الزوجة مسلمة كانت أو ذمية أن حيضها قد انقطع فيُباح للزوج وطؤها بالتقليد، ويباح للولي تزويجها بالتقليد لهادي انقضاء عدتها، وعلى جواز تقليد الناس للمؤذِّنين في دخول أوقات الصلوات، ولا يجب عليهم الاجتهاد ومعرفة ذلك بالدليل.
وقد قالت الأمة السوداء لعقبة بن الحارث: أرضعتُكَ وأرضعتُ امرأتك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها وتقليدها فيما أخبرته به من ذلك (4).
وقد صرَّح الأئمة بجواز التقليد، فقال حفصُ بن غِياث: سمعت سفيان يقول: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلف فيه وأنت ترى تحريمه فلا تنهه.
(1) انظر تفصيل المسألة في "الإشراف"(5/ 22 - 23 مسألة 1695 بتحقيقي) للقاضي عبد الوهاب.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
انظر: "إجماعات ابن عبد البر"(1/ 484)، "جامع بيان العلم وفضله"(446، 451).
(4)
رواه البخاري (88) في (العلم): باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، و (2052) في البيوع: باب تفسير المشبهات، و (2640) في الشهادات: باب إذا شهد شاهد أو شهود، و (2659) باب شهادة الإماء والعبيد، و (2660) باب شهادة المرضعة، و (5104) في النكاح: باب شهادة المرضعة، من حديث عقبة بن الحارث.
وقال محمد بن الحسن: يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه، ولا يجوز له تقليد من هو مثله (1).
وقد صرح الشافعي بالتقليد فقال: في الضلع (2) بعير، قلته تقليدًا لعمر. وقال في مسألة بيع الحيوان بالبراءة من العيوب: قلته تقليدًا لعثمان. وقال في مسألة الجد مع الإخوة: إنه يقاسمهم، ثم قال: وإنما قلت يقول زيد، وعنه قبلنا أكثر الفرائض. وقد قال في موضع آخر من كتابه الجديد: قلته تقليدًا لعطاء.
وهذا أبو حنيفة رحمه الله في (3) مسائل الآبار (4) ليس معه فيها إلا تقليد من تقدَّمه من التابعين فيها. وهذا مالك لا يخرج عن عمل أهل المدينة، ويصرِّح في "موطئه" بأنه أدرك العمل على هذا، وهذا (5) الذي عليه أهل العلم ببلدنا. ويقول في غير موضع: ما رأيت أحدًا أَقتدي به يفعله. ولو جمعنا ذلك من كلامه لطال.
وقد قال الشافعي في الصحابة: رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا [ونحن نقول ونصدق أن رأي الشافعي والأئمة معه لنا خير من رأينا لأنفسنا](6).
وقد جعل اللَّه سبحانه في فطر العباد تقليد المتعلمين للأستاذين والمعلمين، ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا، وهذا (7) عام في كل علم وصناعة، وقد فاوت اللَّه سبحانه بين قوى الأذهان كما فاوت (8) بين قوى الأبدان، فلا يحسن في حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله والجواب عن معارضه في جميع مسائل الدين دقيقها وجليلها؛ ولو كان كذلك لتساوت أقدام الخلائق في كونهم علماء، بل جعل سبحانه هذا عالمًا، وهذا متعلمًا، وهذا متبعًا للعالم مؤتمًا به، بمنزلة المأموم مع الإِمام والتابع مع المتبوع، وأين حَرَّم اللَّه تعالى على الجاهل أن يكون متبعًا للعالم مؤتمًا به مقلدًا له يسير بسيره وينزل بنزوله؟ وقد علم اللَّه سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟ وهل ذلك في إمكان [أحد](9) فضلًا عن كونه مشروعًا؟ وهؤلاء أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتحوا البلاد، وكان الحديث العهد بالإِسلام يسألهم
(1) نقل مذهبه أبو يعلى في "العدة"(4/ 1231) وصاحب "مسلم الثبوت"(2/ 293).
(2)
في المطبوع: "الضبع"!.
(3)
في المطبوع: "قال في ".
(4)
في (ق) و (ك): "الآثار".
(5)
في المطبوع: "وهو".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في المطبوع: "وذلك".
(8)
في (ك): "فارق".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).