الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهم، إلا أن ما قضى به عليٌّ أفقه؛ فإن الحاضرين ألجأوا الواقفين بمزاحمتِهم لهم فعواقلُهم أولى يحمل الدية من عواقل الهالكين، وأقرب إلى العدل من أن يُجمع عليهم بين هلاكِ أوليائهم وحمل ديَّاتهم، فتتضاعف عليهم المصيبة، ويُكسروا من حيث ينبغي جَبْرهم، ومحاسن الشريعة تأبى ذلك، وقد جعل اللَّه سبحانه لكل مصاب حظًا من الجبر، وهذا أصلُ شرع حملِ العاقلة الدية جبرًا للمصاب وإعانةً له.
وأيضًا فالثاني والثالث كلاهما مجنيٌّ عليهما فهما جانيان على أنفسهما وعلى من جَذَباه، فحصل هلاكهم [كلهم](1) بفعل بعضهم ببعض، فألغَى ما قابل فعل كل واحد بنفسه، واعْتَبر جنايةَ الغير عليه.
وهو أيضًا أحسنُ من تحميلِ ديةِ الرابع لعواقل الثلاثة، وديةِ الثالث لعاقلة الثاني والأول، وديةِ الثاني لعاقلة الأول خاصة، وإنما (2) كان له أيضًا حظٌّ من قياس [تنزيلًا للسَّبب منزلة المُسيِّب، وقد اشترك في هَلاك الرابع](3) الثلاثةُ الذين قبله، وفي هلاك الثالث الاثنان، وانفرد بهلاك الثاني الأول، ولكن قول عليّ [عليه السلام](4) أدق وأفقه.
فصل [الحكم في بصير يقول أعمى فيخرّان معًا وفق القياس]
ومما يُظنَّ أنه يخالف (5) القياس ما رواه عليّ بن رباح اللَّخْميّ أنّ رجلًا كان يقول أعمى، فوَقَعا في بئرٍ، فخرَّ البَصيرُ، ووقع الأعمى فوقه فقتله، فقضى عمرُ بْنُ الخطاب صلى الله عليه وسلم بعقْل (6) البصير على الأعمى، فكان الأعمى يدور في الموسم وينشد:
يا أيها الناسُ لَقِيت مُنْكرا
…
هل يَعْقِلُ الأعمى الصَّحِيحَ المُبْصِرا؟
خرّا معًا كلاهما تكسَّرا (7)
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (د).
(2)
في (ق): "وإن".
(3)
في (ق): "تنزيلا لسبب السببب منزلة السبب وقد اشترك في هذا الرابع".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق) و (ك): "بخلاف".
(6)
"العقل: الدية"(و).
(7)
رواه ابن أبي شيبة، ومن طريقة ابن حزم في "المحلى"(10/ 506)، والدارقطني في =
وقد اختلف الناس في هذه المسألة؛ فذهب إلى قضاء عمر هذا عبدُ اللَّه بْنُ الزبير وشُرَيحٌ وإبراهيم النَّخعيُّ والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق (1)، وقال بعض الفقهاء: القياس أنه ليس على الأعمى ضمانُ البصير؛ لأنه الذي قَادَه إلى المكان الذي وقعا فيه وكان سببَ وقوعه عليه، وكذلك (2) لو فعله قصدًا منه لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمانُ الأعمى، ولو لم يكن سببًا لم يلزمه ضمانُه بقصده، قال أبو محمد المقدسي في "المغني" (3): لو قيل هذا لكان له وجه، إلا أن يكون مُجْمعًا عليه فلا يجوز مخالفة الإجماع.
والقياس حكم عمر رضي الله عنه، لوجوه:
أحدها: أن قوْده له مأذونٌ فيه من جهة الأعمى، وما تولَّد من مأْذونٍ فيه لم يُضمن كنظائره.
الثاني: (4) قد يكون قوْدُه له مستحبًا أو واجبًا، ومن فعل ما وجب عليه أو نُدِب إليه لم يلزمه ضمان ما تولَّد منه.
الثالث: أنه قد اجتمع على ذلك الإذْنان: إذن الشارع وإذن الأعمى، فهو مُحْسن بامتثاله أمر الشارع محسن إلى الأعمى بقوْدِه له، و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وأما الأعمى فإنه سقط على البصير فقتله، فوجب عليه ضمانُه، كما لو سقط إنسان من سطح [على آخر](5) فقتله، فهذا هو القياس.
وقولهم: "هو الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه" فهذا لا يوجب الضمان (6)؛ لأن قوْده ماذون فيه من جهته ومن جهة الشارع، وقولهم:"وكذلك (2) لو فعله قصدًا لم يضمنه" فصحيحٌ لأنه مسيءٌ وغيرُ مأذونٍ له في ذلك، لا من جهة الأعمى ولا من جهة الشارع، فالقياس المحْض قول عمر، وباللَّه التوفيق.
= "سننه"(3/ 98 - 99)، ومن طريقه البيهقي (8/ 112) من طريق عُليّ بن رباح عن عمر.
قال ابن حجر في "التخليص"(3/ 37): فيه انقطاع، وقال ابن حزم: الرواية عن عمر لا تصح في أمر الأعمى، لأنه عن علي بن رباح والليث، وكلاهما لم يدرك عمر أصلًا.
وانظر تعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 3111).
(1)
انظر: "المغني"(8/ 328 - 329)، أو (7/ 819 مع "الشرح الكبير").
(2)
في (ق): "ولذلك".
(3)
(8/ 328 - 329/ 6868).
(4)
زاد هنا في (ك) و (ق): "إنه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(6)
كذا في (ق) واحتمل في الهامش "عدم" قبل "الضمان".