الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالحنطة، وبيع الخل بالزبيب، ونحو ذلك، وحَرَّموا بيع مد حنطة ودرهم بمد ودرهم، وجاءوا إلى ربا النسيئة (1) ففتحوا للتحيل (2) عليه كل باب، فتارة بالعِينَة (3)، وتارة بالمُحلِّل، وتارة بالشرط المتقدم المتواطأ عليه ثم يطلقون العقد من غير اشتراط، وقد علم اللَّهُ والكرامُ الكاتبون والمتعاقدان ومَنْ حَضَر أنه عقد ربا (4) مقصوده وروحه بيع خمسة عشر مؤجلة بعشرة نقدًا ليس إلا! ودخول السلعة كخروجها (5) حرف جاء لمعنى في غيره، فهلا فعلوا هاهنا كما فعلوا في مسألة مُدِّ عجوة ودرهم بمد ودرهم (6)، وقالوا: قد يُجعل (7) وسيلة إلى ربا الفضل بأن يكون المد في أحد الجانبين يساوي بعض المد في الجانب الآخر فيقع التفاضل؟ فياللَّه العجب! كيف حرمت هذه الذريعة إلى (8) ربا الفضل وأُبيحت تلك الذَّرائع القريبة الموصلة إلى ربا النسيئة بحتًا خالصًا؟ وأين مفسدة بيع الحلية بجنسها ومقابلة الصياغة بحظِّها من الثمن إلى مفسدة الحيل الربوية التي هي أساس كل مفسدة وأصل كل بلية؟ وإذا حَصْحَص الحق فليقل المتعصب الجاهل ما شاء، وباللَّه التوفيق.
[السر في أنه ليس للصفات في البيوع مقابل]
فإن قيل: الصفات لا تُقابَل بالزيادة، ولو قوبلت بها لجاز بيع الفضة الجيدة بأكثر منها من الرديئة، وبيع التمر الجيد بأزيد منه من الرديء، ولما أبطل الشارع ذلك عُلم أَنه منع من مقابلة الصفات بالزيادة.
قيل: الفرق بين الصَّنعة التي هي أثر فعل الآدمي وتُقابل بالأثمان ويُستحقُّ عليها الأجرة وبين الصفة التي هي مخلوقة للَّه لا أثر للعبد فيها ولا هي من صنعته، فالشارع بحكمته وعدله منع [من مقابلة](9) هذه الصفة بزيادة؛ إذ ذلك
(1) في المطبوع: "ربا الفضل النسيئة".
(2)
في (ن): "للحيل"، وما بعدها سقطت من (ق) و (ك).
(3)
انظر تقرير ابن القيم رحمه الله أن العينة هي عين الربا في: "إغاثة اللهفان"(1/ 340 - 353، 363)، و"تهذيب السنن"(5/ 99 - 109، 148 - 149)، و"بدائع الفوائد"(4/ 84)، و"الوابل الصيب"(ص 14)، و"الفروسية"(ص 102).
(4)
في (ك) و (ق): "زيادة" وصحت في (ق).
(5)
في (ق) و (ك): "وخروجها".
(6)
في (ق) و (ك): "بمدين ودرهم".
(7)
في (ق) و (ك): "قد جعل".
(8)
في (ك) و (ق): "في".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
يُفضي إلى نقضِ ما شرعه [اللَّه](1) من المنع من التفاضل؛ فإن التفاوت في هذه الأجناس ظاهرٌ، والعاقل لا يبيع جنسًا بجنسه إلا لما هو بينهما من التفاوت، فإن كانا متساويين من كل وجه لم يفعل ذلك، فلو جَوَّز لهم مقابلة الصفات بالزيادة لم يحرم عليهم ربا الفَضْل، وهذا بخلاف الصناعة (2) التي جَوَّز لهم المعاوضة عليها معه.
يوضحه أن المعاوضة إذا جازت على هذه الصناعة (2) مفردة جازت عليها مضمومة إلى غير أصلها وجوهرها؛ إذ لا فرق بينهما في ذلك.
يوضحه أن الشارع لا يقول لصاحب هذه الصناعة (2): بعْ هذا المصوغ بوزنه واخسر صياغتك (3)، ولا يقول له: لا تعمل هذه الصياغة واتركها، ولا يقول له: تحيَّل على بيع المصوغ بأكثر من وزنه بأنواع الحيل، ولم يقل قط: لا تبعه إلا بغير جنسه، ولم يحرم على أحد أن يبيع شيئًا من الأشياء بجنسه.
فإن قيل: فهب أن هذا قد سَلِمَ لكم في المصوغ، فكيف يسلم لكم في الدراهم والدنانير المضروبة إذا بِيعت بالسَّبائك مفاضلةً (4) وتكون الزيادة في مقابلة [صناعة](5) الضَّرْب؟
قيل: هذا سؤال قويٌّ وارد، وجوابه أن السكة لا تتقوَّم فيها (6) الصناعة للمصلحة العامة المقصودة منها؛ فإن السلطان يضربُها لمصلحة الناس العامة، وإن كان الضاربُ يضربها بأجرة فإن القصد بها أن تكون معيارًا للناس [لا](7) يتَّجرون فيها كما تقدم، والسكة فيها غير مقابلة بالزيادة في الصرف (8)، ولو قوبلت بالزيادة [في الصرف](9) فسدت المعاملة، وانتقضت المصلحة التي ضُربت لأجلها، واتخذها الناس سلعة واحتاجت إلى التقويم بغيرها، ولهذا قام الدرهم مقام الدرهم من كل وجه، وإذا أخذ الرجل الدرهم رد نظيره (10)، وليس المصوغ كذلك، ألا ترى أن الرجل يأخذ مئةً خفافًا ويرد خمسين ثقالًا بوزنها ولا يأبى
(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(2)
في المطبوع: "الصياغة".
(3)
في (ق) و (ك): "واحظر صياغتك".
(4)
في (د) و (ك): "مفاضلًا"، وفي (ق):"متفاضلة".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(6)
في المطبوع: "فيه"!
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(8)
في المطبوع: "في العرف".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(10)
في المطبوع: "وإذا أخذ الرجل الدراهم رد نظيرها"، وفي (ك):"نظيرها".