الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا شرعًا ولا عرفاَ ولا عادةً، بل قد جعل اللَّه لكلٍ منهما رتبة، والأمة لا تُراد لما تُراد له الزوجة، ولهذا كان له أن يملكَ من لا يجوز له نكاحها (1)، ولا قسم عليه في ملك يمينه، فأمتُه تَجري في الابتذال والامتهان والاستخدام مَجْرى دابته وغلامه، بخلاف الحرائر، وكان من محاسن الشريعة أن اعتبرت في كمال النّعمة على مَنْ يجب عليه الحَدُّ أن يكون قد عقد على حرة ودخل بها (2)؛ إذ بذلك يَقضي كمال وطره، ويُعطي شهوته حقها، ويضعها مواضعها، هذا هو الأصل ومنشأ الحكمة، ولا يعتبر ذلك في كل فرد فردٍ من (3) أفراد المُحصنين، ولا يضر تخلفه في كثير من المواضع؛ إذ شأن الشرائع الكلية (4) أن تراعي الأمور العامة المنضبطة، ولا ينقُضها تخلُّف الحكمة في أفراد الصور، كما هذا شأن الخلق فهو موجب حكمة اللَّه في خلقه وأمره في قضائه وشرعه، وباللَّه التوفيق (5).
فصل [الحكمة في نقض الوضوء بمس ذكره دون غيره من الأعضاء]
وأما قوله: "ونقضُ (6) الوُضوءِ بمس الذِّكَر دون سائر الأعضاء، ودون مس العَذْرة والبول" فلا ريب أنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر (7)، ورُوي عنه خلافُه، وأنه سُئل عنه فقال للسائل: "هل هو إلا بضعةٌ
(1) في (ك) و (ق): "نكاحه".
(2)
في اشتراط الدخول خلاف، ويبنى على المعنى الغالب على (الزواج): هل هو العقد أم الوطء؟
(3)
في (ق) و (ك): "في كل فرد من".
(4)
في (ن) و (ق) و (ك): "الشرائع الجلية"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5)
انظر في المسألة: "الموطأ"(2/ 819)، "المعونة"(3/ 1373)، "مختصر اختلاف العلماء"(3/ 279)، "الإشراف"(4/ 196 رقم 1552 - بتحقيقي) للقاضي عبد الوهاب، "عقد الجواهر الثمينة"(3/ 304)، "الحدود والتعزيرات"(ص 117 - 118)، "النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود"(2/ 32).
(6)
في (ك) و (ق): "نقض" دون واو.
(7)
رواه مالك في "الموطأ"(1/ 42) في (الطهارة)، والشافعي في "مسنده"(1/ 34)، وأبو داود (181) في (الطهارة): باب الوضوء من مس الذكر -ومن طريقه ابن عبد البر (17/ 386) -، والترمذي (82) و (83) و (84) في (الطهارة): باب الوضوء من مس الذكر، والنسائي (1/ 100) في (الطهارة): باب الوضوء من مس الذكر، و (1/ 216) في (الغسل والتيمم)، و"الكبرى"(157)، وابن ماجه (479)، والحميدي (352)، والطيالسي =
منك" (1) وقد قيل: إن هذا الخبر لم يصح، وقيل: بل هو منسوخ، وقيل: بل هو محكم دال على عدم الوجوب، وحديث الأمر دال على الاستحباب؛ فهذه ثلاثة مسالك للناس في ذلك (2).
= (1657)، وأحمد (6/ 406 و 407)، والدارمي (1/ 185)، وابن الجارود (16)، والطبراني (24/ 487 - 504) وغيرهم كثير من حديث بُسرة بنت صفوان.
وصححه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال: أصح شيء في الباب، وصححه ابن معين وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم وانظر -مفصلًا- "الخلافيات"(2/ 223 - 243) -فقد كاد أن يستوعب طرقه وخرجتها في التعليق عليه وللَّه الحمد-.
(1)
رواه أحمد (4/ 23)، والطيالسي (1596)، وأبو داود (182) في (الطهارة): باب الرخصة في ذلك، والترمذي (85) في (الطهارة): باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر، والنسائي (1/ 101) في (الطهارة): باب ترك الوضوء من ذلك، وابن ماجه (483) في (الطهارة): باب الرخصة في ذلك، وابن المنذر في "الأوسط"(101)، وعنه ابن حبان (1121)، والطبراني (8233) و (8234)، والطحاوي (1/ 75 - 76)، وابن عدي (1/ 344)، وابن شاهين (102)، والحازمي (68) كلاهما في "الناسخ"، والدارقطني (1/ 148 و 149)، والبيهقي (1/ 134) وفي "المعرفة"(207) و"الخلافيات"(562، 563، 564، 567، 568 - بتحقيقي) من حديث طلق بن علي.
وصححه عمرو بن علي الفلاس، وابن المديني والطحاوي والطبراني وابن حبان وابن حزم، وانظر مفصلًا تعليقي على "الخلافيات"(2/ 285 وما بعد)، و"التلخيص الحبير"(1/ 125).
(2)
ترجيح وجوب الوضوء من مسِّ الذّكر، بناءً على تصحيح حديث بُسْرة، وتضعيف حديث طلق، وهذا مسلك البيهقي في "الخلافيات"، وهو على نقيض صنيع الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 71 - 79) ثم أخذ كلٌّ منهما يذكر الآثار التي تدعم قوله، ونحا ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 205) إلى عدم وجوب الوضوء، إلا أنه قال:"إذا لم يثبت حديث بُسْرَة، فالنَّظر يدلُّ على أن الوضوء من مسِّ الذَّكر غير واجب، ولو توضأَ من مسِّ الذَّكر احتياطًا؛ كان ذلك حسنًا، وإِنْ لم يفعل فلا شيء عليه".
بينما ذهب ابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 205) إلى تصحيح الحديثين، وأوجب الوضوء من مسِّ الذَّكر، إِنْ كان بقصد وعمد، فقال:"النَّظر -عندي- في هذا الباب: أَنَّ الوضوء لا يجب إلا على من مسَّ ذكره أو فرجه قاصدًا مفضيًا، وأما غير ذلك -منه أو من غيره- فلا يوجب في الظاهر، والأصل أَنَّ الوضوء المجمع عليه لا ينقض إلا بإجماع أو سُنَّةٍ ثابتةٍ غير محتملة التأويل، فلا عيب على القائل بقول الكوفيين؛ لأن إيجابه عن الصحابة لهم فيه ما تقدّم ذكره، وباللَّه التوفيق".
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين الأحاديث الواردة في هذا الباب بقوله في "مجموع الفتاوى"(21/ 241): "والأَظهر أيضًا أنَّ الوضوء من مسّ الذَّكر =