الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرف العالمون فَضْلَكَ
…
بالعلم وقال الجهَّالُ بالتَّقليدِ
وأرى الناس مجمعين على
…
فضلك من بين سيدٍ ومَسُودِ
[التقليد والاتباع]
وقال أبو عبد اللَّه بن خواز منداد (1) البصري المالكي: "التقليدُ معناه في الشرع الرجوع إلى قولٍ لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوعٌ منه في الشريعة، والاتِّباع: ما ثبت عليه حجة".
وقال في موضع آخر من كتابه: "كُلُّ مَنْ اتبعتَ قَوْلَه من غير أن يجب عليك قبوله بدليل (2) يوجب ذلك فأنت مقلِّده، والتقليد في دين اللَّه غير صحيح، وكل مَنْ أوجبَ الدليلُ عليك اتِّباعَ قَوْلِه فأنت متبعه، والاتِّباع في الدين مَسوغ، والتقليد ممنوع".
قال (3): "وذكر محمد بن حارث في "أخبار سحنون بن سعيد" عنه قال: "كان مالك وعبد العزيز بن أبي سَلَمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هُرمز، فكان إذا سألة مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذَوُوه لا يجيبهم، فتعرض له ابنُ دينار يومًا فقال له: يا أبا بكر لم تَستحلُّ مني ما لا يَحلُّ لك؟ فقال له: يا ابن أخي وما ذاك؟ قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما وأسألك أنا وذوي (4) فلا تجيبنا؟ فقال: أوقع ذلك في قلبك يا ابن أخي؟ قال: نعم، قال: إني [قد](5) كَبِرَتْ سنِّي ورق عظمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني، ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان، إذا سمعا مني حقًا قبِلاه، وإن سمعا مني خطأ تركاه، وأنت وذووك ما أجبتكم به (6) قبلتموه".
قال ابن حارث: هذا واللَّه الدين الكامل، والعقل الراجح، لا كمن يأتي
(1) في (ق): "خويز منذاد"، والنقل ما زال عن ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 993) حيث أورد قول ابن خويز منداد هذا.
(2)
في مطبوع "الجامع": الدليل".
(3)
أي: ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 994) وفي المطبوع: "وقال" بزيادة واو.
(4)
في المطبوع: "وذووي".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك)، وفي (ق):"لأني قد".
(6)
في (ق) و (ك): "ما جئتكم به".
بالهَذَيان (1)، ويريد أن ينزل [قوله](2) من القلوب بمنزلة القرآن!.
قال أبو عمر (3): يقال لمن قال بالتقليد: لِم قلت به وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا؟ فإن قال: قلدتُ لأن كتاب اللَّه لا علم لي بتأويله، وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم أُحْصِها، والذي قَلدتُه قد علم ذلك، فقلدت من هو أعلم مني. قيل له: أمَّا العلماء إذا أجمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو اجتمع (4) رأيهم على شيء فهو الحَقُّ لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قَلَّدت فيه بَعْضَهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعضهم دون بعض وكُلُّهم عالم؟ ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه، [فإن] (5) قال:"قلدته لأني أعلم أنه على صواب"(6) قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب (7) أو سنة أو إجماع؟ فإن قال: "نعم" أبطل التقليد، وطولب بما ادعاه من الدليل، وإن قال:"قَلَّدته لأنه أعلم مني" قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خَلْقًا كثيرًا، ولا تخص من قَلَّدتَه إذ علتك فيه أنه أعلم منك (8)، فإن قال:"قلدته لأنه أعلم الناس" قيل له: فهو (9) إذن أعلم من الصحابة!! وكفى يقول مثل هذا قبحًا! فإن قال: "أنا أقلد بعض الصحابة" قيل له: فما حُجتك في ترك من لم تقلِّد منهم؟ ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله، على أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وقد ذكر ابن مزين، عن عيسى بن دينار، قال عن ابن القاسم (10): عن مالك قال: ليس كما قال رجلٌ قولًا وإن كان له فَضلٌ يتَبع عليه (11)؛ لقول اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]. فإن قال: قِصَري
(1) في (ن): "الهذيان".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
في "جامع بيان العلم"(2/ 994).
(4)
في (ق): "واجتمع".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(6)
في مطبوع "الجامع": "لأني علمت أنه صواب".
(7)
في المطبوع: "كتاب اللَّه".
(8)
بعدها في مطبوع "الجامع": "وتجدهم في أكثر ما ينزل بهم من السؤال مختلفين، فلم قلدت أحدهم".
(9)
في المطبوع: "فإنه".
(10)
في جميع النسخ الخطية والمطبوعة: "القاسم" دون (ابن) وقال في هامش (ق): "لعله: قال ابن القاسم"، وكذا في "الجامع" لابن عبد البر (2/ 995).
(11)
أخرجه البيهقي في "المدخل"(238) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 324) بنحوه.
وقلَّة علمي يحملني على التقليد؛ قيل له: أما من قلَّد فيما يَنزلُ به من أحكام شريعته عالمًا يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يُخبرُ به (1) فمعذور؛ لأنه قد أتى (2) ما عليه، وأدَّى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم (3) فيما جهله؛ لإجماع المسلمين أن المكفوف يُقلِّد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك، ولكن مَنْ كانت هذه حاله هل تجوزُ له الفُتْيا في شرائع دين اللَّه فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك ويُصيِّرها (4) إلى غير مَنْ كانت في يديه (5) بقولٍ لا يعرفُ صحته ولا قام له الدليل عليه، وهو مقر أن قائله يخطئ ويصيب، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما يخالفه فيه؟ فإن أجاز الفتوى لمن جَهِلَ الأصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه أن يُجيزَه للعامة، وكفى بهذا جهلًا وردًا للقرآن، قال (6) اللَّه تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 68] وقد أجمع العلماء على أن ما لم يُتبيَّن ولم يُستيقَن (7) فليس بعلم، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا. ثم ذكر حديث ابن عباس:"من أفتى بفُتيا وهو يَعمى عنها كان إثمها عليه" موقوفًا ومرفوعًا (8)، قال: وثبت (9) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إيّاكم والظن فإن الظن أكذبُ الحديث"(10).
(1) في المطبوع: "يخبره".
(2)
وفي المطبوع: "قد أدى"!.
(3)
في (ن): "عالمه"، وكذا في مطبوع "الجامع".
(4)
في مطبوع "الجامع": "وتصييرها".
(5)
في مطبوع "الجامع": "يده".
(6)
في المطبوع: "وقال".
(7)
في المطبوع: "ولم يتيقن".
(8)
مضى تخريج المرفوع من حديث أبي هريرة لا ابن عباس (ص 439، 462).
وأما الموقوف: فرواه الدارمي (1/ 58)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(مسند أبي هريرة)(335)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 155)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 186) وابن حزم في "الإحكام"(6/ 45)، وابن بطة في "إبطال الحيل"(66)، وابن عبد البر في "الجامع"(1626 و 1627 و 1892) من طرق عن أبي سنان الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وأبو سنان هو ضرار بن مرة، وإسناده صحيح.
وعبارة ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 996) بعد قوله: "والظن لا يغني من الحق شيئًا" هكذا، وقد مضى هذا في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن أفتى بفتيا وهو يعمى عنها أن إثمها عليه".
(9)
تحرفت في الأصول إلى: "وهب" والتصويب من "الجامع" لابن عبد البر (2/ رقم 1899).
(10)
رواه البخاري (5143) في (النكاح): باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح =
قال: ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد (1)، ثم ذكر من طريق ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو عثمان بن سنَّة (2) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن العلم بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء"(3)، ومن طريق كثير بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الإِسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء" قيل له: يا رسول اللَّه، وما الغرباء؟ قال:"الذين يُحيون سنتي ويعلِّمونها عبادَ اللَّه"(4) وكان
= أو يدع، و (6064) في (الأدب): باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، و (6066) باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} ، و (6724) في (الفرائض): باب تعليم الفرائض، ومسلم (2563) (28) في (البر والصلة): باب تحريم الظن والتجسس والتنافس. . .، من حديث أبي هريرة وفيه زيادة.
(1)
في (ن) و (ك) و (ق): "إفساد التقليد".
(2)
في (ق) و (ك): "عثمان بن مسند".
(3)
رواه ابن عبد البر في "الجامع"(1900)، ورواه أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان"(2/ 82 - 83) من طريق آخر عن يونس بن يزيد به.
وهو مرسل أبو عثمان بن سَنَّة قال فيه الحافظ: "مقبول، ووهم من زعم أن له صحبة، فإن حديثه مرسل"، وذكره في "الإصابة" في القسم الرابع (4/ 149) وهم الذين لا صحبة لهم.
وروي بلفظ: "إن الإِسلام بدأ غريبًا. . . "، ويرويه عبد الرحمن بن سنة.
أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في "زوائده على المسند"(4/ 73 - 74)، وعنه ابن قانع في معجم الصحابة رقم (651)، والطبراني كما في "المجمع"(7/ 278)، وابن عدي (4/ 1615)، وابن وضاح في "البدع"(ص 6)، والخطابي في "غريب الحديث"(10/ 176)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(4/ 1854 رقم 4671)، والهروي في "ذم الكلام"(5/ 166 رقم 1478) وابن الأثير في "أسد الغابة"(3/ 457).
وفيه إسحاق بن أبي فروة، وهو متروك.
وذكره الحافظ في "الإصابة"(2/ 394)، والحديث ذكره أيضًا: البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 252)، وقال:"وحديثه ليس بالقائم" في ترجمة عبد الرحمن بن سنة.
وذكره أيضًا ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2820) دون إسناد.
وقال ابن عدي: ولا أعرف لعبد الرحمن بن سنة غير هذا الحديث ولا يعرف إلا من هذه الرواية التي ذكرتها.
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 238) في ترجمة (ابن سنة): "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا ليس إسناده بالقائم؛ لأن راويه إسحاق بن أبي فروة"، وقال ابن السكن -كما في "الإصابة" (2/ 394) -:"مخرج حديثه عن إسحاق وهو لا يعتمد عليه" وضعفه جدًا "أي إسحاق" في "الإصابة"، وفي "تعجيل المنفعة"(ص 251)، وضعفه أيضًا ابن عبد البر في "الاستيعاب".
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل"(6/ 2080)، والبزار (3287 - زوائده)، والبيهقي في =
يقال: "العلماءُ غرباءُ لكثرة الجهال"، ثم ذكر عن مالك عن زيد بن أسلم في قوله سبحانه:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] قال: بالعلم (1)، وقال ابن عباس في قول اللَّه تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] قال: يرفع اللَّه الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يوتَوُا العلم درجات (2).
= "الزهد"(207)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1052، 1053)، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(23)، والهروي في "ذم الكلام"(ص 5/ 167 - 168 رقم 1479)، والقاضي عياض في "الإلماع"(18 - 19)، وابن عبد البر في "الجامع"(1902)، وفيه زيادة ومغايرة في اللفظ.
وكثير هذا تقدم حاله، وهو ضعيف جدًا.
والحديث دون ذكر "من هم الغرباء": أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب الإيمان): باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب (1/ 130/ رقم 415) من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم.
وأخرجه مع تفسيرهم بـ "النزاع من القبائل": الترمذي في "العلل الكبير"(2/ 854)، وابن ماجه في "السنن"(2/ 1320/ رقم 3988)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(13/ 236) -ومن طريقه أحمد، وابنه عبد اللَّه في "المسند"(1/ 398)، وأبو يعلى في "المسند"(رقم 4975)، والآجري في "الغرباء"(رقم 2)، وابن وضاح في "البدع"(ص 65)، والخطابي في "غريب الحديث"(1/ 174 - 175)، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(ص 23)، والبغوي في "شرح السنة"(رقم 64)، وابن حزم في "الإحكام"(8/ 37)، والطحاوي في "المشكل"(1/ 298)، والبيهقي في "الزهد"(رقم 208).
وقال البخاري -كما نقل عنه الترمذي في "العلل"-: "وهو حديث حسن"، وصححه البغوي.
وأخرجه مع تفسيرهم بـ "الذين يصلحون عند فساد الناس": أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(ق 25/ أو رقم 288 - المطبوع)، والآجري (رقم 1) من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح.
وأخرجه أحمد وابنه عبد اللَّه في "المسند"(1/ 184)، وأبو يعلى في "المسند"(2/ 99/ رقم 756)، والبزار في "لمسند"(رقم 56 - مسند سعد) -دون زيادة- والدورقي في "مسند سعد"(رقم 87)، وابن منده في "الإيمان"(رقم 424) بإسناد صحيح.
وانظر: "السلسلة الصحيحة"(رقم 1273) لشيخنا الألباني رحمه اللَّه تعالى.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1335 رقم 7550).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(10/ 3344 رقم 18847)، وعزاه في "الدر المنثور"(83/ 8) لسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في "تفاسيرهم".