الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعبي يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1): "الشَّفيع أَولى من الجار، والجار أولى من الجَنْبِ"(2) وإسناده إلى الشعبي صحيح، قالوا: ولأن حق الأصيل وهو الجار أسْبق من حَقِّ الدَّخيل، وكل معنى اقتضى ثبوت الشفعة للشريك فمثله في حق الجار؛ فإن الناس يتفاوتون في الجوار تفاوتًا فاحشًا، ويتأذى بعضهم من بعض (3)، ويقع بينهم من العداوة ما هو معهود [بينهم](4) بذلك دائمًا متأبدًا، ولا يندفع ذلك إلا برضاء الجار؛ إن شاء أقرَّ الدخيل (5) على جواره [له]، وإن شاء انتزع الملك بثمنه واستراح من مُؤنة المجاورة ومفسدتها.
وإذا كان الجار يخاف التأذي بالمجاورة على وجه اللزوم، كان كالشريك يخاف التأذي بشريكه على وجه اللزوم. قالوا: ولا يَرِدُ علينا المستأجر مع المالك؛ فإن منفعة الإجارة لا تتأَبَّد عادة، وأيضًا فالملك بالإجارة ملك منفعة، ولا لزوم بين ملك الجار وبين منفعة دار جاره، بخلاف مسألتنا؛ فإن الضرر بسبب اتصال الملك بالملك كما أنه في الشركة حاصلٌ بسبب اتصال الملك بالملك؛ فوجب بحكم عناية (6) الشارع ورعايته لمصالح العباد إزالة الضررين جميعًا على وجه لا يضر البائع، وقد أمكن هاهنا، فيبعد القول به، فهذا تقريرُ قولِ هؤلاء نصًا وقياسًا.
[رد المبطلين لشفعة الجوار]
قال المبطلون لشفعة الجوار (7): لا تُضرب سُنَّة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعضها
(1) بعدها في (ق): "يقول"!!
(2)
رواه ابن أبي شيبة (5/ 326) عن وكيع به، ورواه عبد الرزاق (14390) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(9/ 102) - عن أبي سفيان عن هشام بن المغيرة به.
وأبو سفيان هذا قال عنه محقق "المُصنف" الشيخ الأعظمي رحمه الله "إن كان محفوظا فهو المعمري محمد بن حميد"، وضعفه ابن حزم بهشام بن المغيرة!! وعنده "عن سفيان" دون "أبي" وهشام وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه، انظر:"الجرح والتعديل"(4/ 2/ 68).
وروى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق عمر بن راشد عن الشعبي أنه قال: قضى صلى الله عليه وسلم بالجوار، وعمر هذا ضعيف.
(3)
في المطبوع: "ببعض".
(4)
في (ن) و (ك):، "بينهما"، وفي المطبوع:"والضرر".
(5)
في (ن): "إن شاء اللَّه أتم للدخيل" وما بين المعقوفتين بعدها سقط من (ك) و (ق).
(6)
في (ن): "رعاية".
(7)
انظر: "تهذيب السنن"(2/ 194، 5/ 167).
ببعض؛ فقد ثبت في "صحيح البخاري" من حديث الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: "إنما جَعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الشُّفعةَ في كل ما لم يُقْسم، فإذا وقَعتِ الحدودُ وصُرفِت الطُّرقُ فلا شفعة"(1)، وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي الزبير عن جابر قال:"قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم رَبْعة أو حائطٍ، ولا يحل له أن يبيع حتى يُؤذنَ شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باع ولم يُؤْذنه فهو أحق [به] "(2)، قال الشافعي: ثنا سعيد بن سالم (3): ثنا ابن جُرَيْج، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الشفعة فيما لم يُقسم، فإذا وَقعتِ الحدودُ فلا شُفعةَ"(4)، [وفي "سنن أبي داود" بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قسمت الأرض وحُدَّت فلا شفعة فيها"] (5) وفي "الموطأ" من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي
= وهذا قول المالكية والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. انظر: "الإشراف"(3/ 131 - مسألة 988 - بتحقيقي) وانظر تعليقي عليه، "المعونة"(2/ 1267) كلاهما للقاضي عبد الوهاب، "الرسالة"(227)، "الكافي"(436)، "المقدمات الممهدات"(3/ 61)، "الأم"(4/ 5)، "مغني المحتاج"(2/ 297)، "حلية العلماء"(5/ 266)، "مختصر الخلافيات"(3/ 431 رقم 141)، "المحلى"(9/ 100)، "المحرر"(1/ 365)، "الفروع"(4/ 529 - 530)، "شرح منتهى الإرادات"(2/ 434)، "فتح الباري"(4/ 438)، "نيل الأوطار"(5/ 355).
(1)
رواه البخاري: (2213)(كتاب البيوع): باب بيع الشريك من شريكه، و (2495) (كتاب الشركة): باب الشركة في الأراضي وغيرها، ومسلم (1608) (كتب المساقاة): باب الشفعة، وخرجته بتفصيل في تعليقي على "الحنائيات"(رقم 91) وذكرت الاختلاف فيه على الزهري.
(2)
رواه مسلم في "صحيحه"(1608)(134) في (المساقاة): باب الشفعة. وخرجته في تعليقي على "تقرير القواعد"(1/ 423) لابن رجب.
وما بين المعقوفتين سقط من (ك) والمطبوع.
(3)
في (ق): "شعبة بن سالم".
(4)
رواه الشافعي في "مسنده"(2/ 165 - ترتيب السندي) -ومن طريقه البيهقي (6/ 104 - 105) -، ورواته ثقات، عدا سعيد بن سالم، صدوق يهم، وفيه عنعنة ابن جريج.
(5)
رواه أبو داود (3515) في (البيوع): باب في الشفعة، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 104) من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد أو عنهما جميعا عن أبي هريرة.
ورواه البيهقي (6/ 104) من طريق ابن إسحاق عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو سعيد عن أبي هريرة. =
هريرة قال: "قَضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يُقسم، فإذا صُرِفَت الطرق ووَقَعتِ الحدودُ فلا شفعةَ"(1)، وقال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن زكريا،
= وابن جريج وابن إسحاق كلاهما مدلس. وانظر ما بعده.
وما بين المعقوفتين مذكور في (ق) و (ك) بعد الحديث الآتي.
(1)
الذي في "الموطأ"(2/ 713 رواية يحيى و 2/ 269 - رواية أبي مصعب) عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (فذكره) هكذا مرسلًا.
ورواه هكذا من طريق مالك مرسلا: الشافعي (2/ 164 - 165)، وابن أبي شيبة (4/ 520)، والحنائي في "فوائده"(رقم 56 - بتحقيقنا)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 121)، والبيهقي (6/ 103)، وفي "معرفة السنن الآثار"(8/ 308 رقم 11986).
ورواه النسائي (7/ 321) في (البيوع): باب ذكر الشفعة، وفي "الكبرى"(4/ 62 رقم 3/ 6303) من طريق معمر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلا.
وهكذا رواه محمد بن الحسن في "الموطأ"(ص 305 رقم 855) عن مالك عن الزهري به. وروي عن الزهري عن سعيد وحده مرسلا، أخرجه الطحاوي (4/ 121، 123) والبيهقي (6/ 103)، وعلقه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 112)، وابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 41، 42، 44).
وروي الحديث عن ابن شهاب على ضروب وألوان أخرى، وجاء ذلك من طرق موصولة، يعنينا منها:
طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن حبان في "صحيحه"(7/ 310 - مع "الإحسان"): "رفع هذا الخبر عن مالك أربعة أنفس: الماجشون، وأبو عاصم، ويحيى بن أبي قتيلة، وأشهب بن عبد العزيز" قلت: ورواه موصولًا غيرهم، كما سيأتي، وقال:"وهذه كانت عادة لمالك، يرفع في الأحايين الأخبار، ويوقفها مرارًا، ويرسلها مرة، ويسندها أخرى على حسب نشاطه، والحكم أبدا لمن رفع عنه وأسند، بعد أن يكون ثقة متقنا".
قلت: وهذا تخريج للطرق التي أشار إليها:
الأولى: عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، رواه من طرق عديدة عنه: الطحاوي (4/ 121)، والبزار (384 - رسالة اللحياني)، والدارقطني في "العلل"(9/ 342)، وابن حبان (5262)، والبيهقي (6/ 103)، وابن عبد البر (7/ 37).
الثانية: أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، رواه من طرق عديدة عنه: ابن ماجه (2497)، والبزار (385)، والحنائي في "فوائده"(رقم 78 - بتحقيقي) -وعنه الخطيب في "الفصل للوصل"(2/ 912 - ط دار الهجرة) - والدارقطني في "العلل"(9/ 342)، والطحاوي (4/ 121)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(381)، والبيهقي (6/ 103، 104)، وابن عبد البر (7/ 40، 41). =
عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عون (1) بن عبد اللَّه، عن عبيد اللَّه [بن عبد اللَّه] عن (2) عمر بن الخطاب قال:"إذا صُرفت الحدود وعرف الناس حُدودَهم فلا شفعة بينهم"(3).
= الثالثة: يحيى بن أبي قتيلة، رواه من طرق عنه: الطحاوي (4/ 121)، وتمّام في "فوائده"(1632) والدارقطني في "العلل"(2/ 342)، والبيهقي (6/ 103)، وابن عبد البر (7/ 43)، وابن حزم (9/ 104).
ورواه موصولًا عن مالك أيضًا: أشهب بن عبد العزبز، وأبو يوسف القاضي ومطرف بن عبد اللَّه المدني، وسعيد بن أبي داود الزّنبري، ولم أظفر بروايتهم، أفاد ذلك الدارقطني.
أما البيهقي فقد جعل الخلاف من الزهري حيث قال: "ما كان يشك في روايته عن أبي سلمة عن جابر كما رواه عنه معمر وصالح بن أبي الأخضر وعبد الرحمن بن إسحاق ولا في روايته عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كما رواه عنه يونس بن يزيد الأيلي وكأنه كان يشك في روايتها عن أبي هريرة، فمرة أرسله عنهما ومرة وصله عنهما ومرة ذكره بالشك في ذلك واللَّه أعلم. ورواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر تؤكد رواية من رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وكذلك رواية أبي الزبير عن جابر ولابن عبد البر كلام رائع فلينظر (7/ 45) وانظر أيضًا تعليقي على "الحنائيات" (رقم 92).
قلت: ورواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر في "صحيح البخاري"(2213) وأطرافه هناك.
ورواية أبي الزبير عن جابر في "صحيح مسلم"(1608). وكأنه للخلاف الذي وقع في رواية مالك أعرض صاحبا "الصحيحين" عن إخراجه، واللَّه أعلم.
(1)
في المطبوع "عوف"!
(2)
كذا الصواب كما في (ن) وفي المطبوع و (ق) و (ك): "بن"، وقال في هامش (ق):"لعله: أن"، وما بين المعقوفتين سقط منها.
وفي (ك) و (ق): "عبد اللَّه" بدل "عبيد اللَّه".
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 105) من طريق سعيد بن منصور به.
وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 328) من طريق يزيد بن هارون وعبد اللَّه بن إدريس فقالا: عن يحيى بن سعيد عن عون بن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه به.
وهذا إسناد فيه انقطاع؛ عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر لم يدرك جده عمر، مات بعد المئة.
ورواه عبد الرزاق (14392) -ومن طريقه ابن حزم (9/ 99) - عن الثوري وابن جريج عن يحيى بن سعيد أن عمر قال: إذا قسمت الأرض، وحُدِّدت الحدود، فلا شفعة فيها، وسنده منقطع.