الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيامها بالمصالح؛ فإن ما جعل اللَّه سبحانه في طِباعِ الخلقِ النفرة عنه ومجانبته اكتفى بذلك عن الوازع (1) عنه بالحدِّ؛ لأنَّ الوازع الطبيعي كاف في المنع منه، وأما ما يشتد (2) تقاضي الطباع له فإنَّه غلّظ العقوبةَ عليه بحسب شدة تقاضي الطبع له، وسد الذريعة إليه من قرب وبعد، وجعل ما حوله حمًى، ومنع من قربانه، ولهذا عاقب في الزنا بأشنع القتلات، وفي السّرقة بإبانة اليد، وفي الخمر بتوسيع الجلد ضربًا بالسوط، ومنع [من](3) قليل الخمر وإن كان لا يُسكر إذ قليله داع إلى كثيره؛ ولهذا كان مَنْ أباح من نبيذِ التَّمر المُسْكر القدْر الذي لا يُسكر خارجًا عن محض القياس والحكمة وموجب النصوص، وأيضًا فالمفسدة التي في شرب الخمر والضرر المختص والمتعدي أضعاف الضرر والمفسدة التي في شرب البول وأكل القاذورات، فإن ضررها مختصٌ بمتناولها (4).
فصل [الحكمة في قصر الزوجات على أربع دون السريات]
وأما قوله: "وقصر عدد المنكوحات على أربع، وأباح ملك اليمين بغير حصر" فهذا من تمام نعمته وكمال شريعته، وموافقتها للحكمة والرحمة (5) والمصلحة، فإن النكاح يُراد للوطء وقضاء الوطر، ثم من الناس من يغلب عليه سلطان هذه الشهوة فلا تندفع حاجته بواحدة، فأطلق له ثانيةً وثالثةً ورابعة، وكان هذا العدد موافقًا لعدد طباعه وأركانه، وعدد فُصول سَنَته، ولرجوعه (6) إلى [الواحدة بعد](7) صبرِ ثلاث عنها، والثلاثُ أوَّلُ مراتب الجمع وقد عَلَّق الشارع بها عدة أحكام، ورخص للمهاجر أن يقيم بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثًا (8)، وأباح
(1)"وزعته كوضع كففته، فاتزع هو أي كف، والوازع: الكلب، والزاجر والوزعة جمع وازع، وهم الولاة المانعون من محارم اللَّه تعالى". اهـ القاموس (ح).
(2)
في (ن): "يستدعي".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (د) و (ك).
(4)
انظر كلام المصنف في "تهذيب السنن"(1/ 162، 361، 362، 376)، و"زاد المعاد"(3/ 30، 141)، و"بدائع الفوائد"(3/ 140)، وانظر:"الحدود والتعزيرات"(ص 272 - 291) للشيخ بكر أبو زيد -حفظه اللَّه-.
(5)
في (ك): "وللرحمة".
(6)
في (ن) و (ق) و (ك): "والرجوع".
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "الوحدة بغير".
(8)
رواه البخاري (3933) في (مناقب الأنصار)، ومسلم (1353) في (الحج)، من حديث العلاء الحضرمي، وسقطت "بمكة" من (ق).
للمسافر أن يمسَحَ على خُفَيْه ثلاثًا (1)، وجعل حد الضيافة المُستحبَّة أو الواجبة (2) ثلاثًا (3)، وأباح للمرأة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثًا (4)، فرَحِمَ الضّرّة بأن جعل غاية انقطاع زوجها عنها ثلاثًا ثم يعود؛ فهذا محض الرحمة والحكمة والمصلحة، وأما الإماء فلما كُنَّ بمنزلة سائر الأموال من الخيل والعبيد وغيرهما لم يكن لقصر المالك على أربعة منهن أو غيرها من العدد معنًى؛ فكما ليس في حكمة اللَّه ورحمته أن يقصرَ السَّيِّد على أربعة عبيدٍ أو أربع دواب وثياب ونحوها، فليس في حكمته أن يقصره على أربع إماء، وأيضًا فللزوجة حَقٌّ على الزوج اقتضاه عقد النكاحِ يجب على الزوج القيام به، فإن شاركها غيرها وجبَ عليه العدل بينهما؛ فقَصرَ الأزواج على عدد يكون العدل فيه أقرب مما زاد عليه، ومع هذا فلا
(1) أخرجه ابن ماجه في "السنن" كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر، 1/ 184 رقم (556)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 179)، والشافعي في "المسند"(ص 17 و 1/ 32 - مع "بدائع المنن")، وفي "الأم"(1/ 34)، ومن طريقه البيهقي في "المعرفة"(2/ 1994)، وفي "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"(ص 136، ط دعيس)، والأثرم في "سننه" -كما في "التعليق المغني"(1/ 204)، و"تنقيح التحقيق"(1/ 526) -، وابن خزيمة في "الصحيح"(1/ 96 رقم 192)، ومن طريقه الدارقطني في "السنن"(1/ 204)، والبيهقي في "الخلافيات (3/ 244 رقم 995 بتحقيقي)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 281)، وفي "المعرفة" (2/ 109 رقم 1997)، وابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 211 رقم 242)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 87)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 82)، والدارقطني في "السنن" (1/ 194)، وابن حبان في "الصحيح" (4/ 153، 154/ رقم 1324، الإحسان)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 281)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 460 رقم 237)؛ من حديث أبي بكرة.
وإسناده حسن من أجل المهاجر بن مخلد، قال ابن معين:"صالح"، وقال الساجي:"صدوق". وليَّنه أبو حاتم.
انظر: "الجرح والتعديل"(4/ 1/ 262)، و"التهذيب"(10/ 323).
وقال الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 175 - 176): "وسألت محمدًا -أي: البخاري- فقلت: أي الحديث عندك أصحّ في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال: صفوان بن عسال، وحديث أبي بَكْرَةَ حسن".
وصححه الخطابي والشافعي، انظر:"التلخيص الحبير"(1/ 157)، و"نصب الراية"(1/ 168)، و"المنتقى"(1/ 111) للمجد ابن تيمية، و"تنقيح التحقيق"(1/ 525 - 526).
(2)
في المطبوع: "أو الموجبة".
(3)
رواه البخاري (6019) في (الأدب)، ومسلم (48) في (الإيمان).
(4)
رواه البخاري (1281) في (الجنائز).