الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقول والفعل وأباحها لهم في الحرب لما [لهم](1) فيها من المصلحة الراجحة الموافقة لمقصود الجهاد، وحَرَّم عليهم كل ذي نابٍ من السباع ومخلب من الطير (2) وعوضهم عن ذلك بسائر أنواع الوحوش والطير على اختلاف أجناسها وأنواعها، وبالجملة فما حرم عليهم خبيثًا ولا ضارًا إلا وأباح (3) لهم طَيِّبًا بإزائه أنفع لهم منه، ولا أمرهم بأمر إلا وأعانهم عليه فوسعتهم رحمته ووسعهم تكليفه (4).
والمقصود أنه أباح للنساء -لضعف عقولهن وقلة صبرهن- الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام أما الإحداد على الأزواج (5) فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومُكمِّلاتها، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزيُّن والتَّجمُّل والتعطر، لتتحبب إلى زوجها وترد لها نفسَه (6)، ويحسن ما بينهما من العشرة، فإذا مات الزوج واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول [وتأكيد المنع من الثاني](7) قبل بلوغ الكتاب أجله أن تُمنعَ مما تصنعه النساء لإزواجهن، مع ما في ذلك من سَدِّ الذريعة إلى طمعها في الرجال وطمعهم فيها بالزينة والخِضَاب والتطيُّب، فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجةً إلى ما يُرغِّب في نكاحها، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج (8)، فلا شيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئًا أحسن منه.
فصل [الحكمة في مساواة المرأة للرجل في بعض الأحكام دون بعض]
وأما قوله: "وسوى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والحدود، وجعلها على النصف منه في الدية والشهادة والميراث والعقيقة"(9) وهذا أيضًا من
= وقد ورد موقوفًا عن عمر: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(908)، وابن أبي شيبة (8/ 723)، وهناد في "الزهد"(1377)، والبيهقي في "سننه"(10/ 199)، وإسناده صحيح.
(1)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(2)
مضى تخريجه.
(3)
في (ق) و (ك) والمطبوع و (ك): "أباح".
(4)
في (ق): "تكليفهم".
(5)
في المطبوع: "على الزوج".
(6)
في المطبوع و (ق): "لتحبب إلى زوجها، وتردها نفسه".
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "وتأكيدًا لمنع الثاني".
(8)
في (ق): "لذوات الأزواج".
(9)
للشيخ سعد الحربي "الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل" ولمحمد بن عبد اللَّه الكيكي (ت 1185 هـ) في مطلع كتابه "مواهب ذي الجلال في نوازل البلاد السائبة =
كمال الشريعة (1) وحكمتها ولطفها؛ فإن مصلحةَ العباداتِ البدنية ومصلحة العقوبات النساءُ والرجال مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر؛ فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما، في أليق المواضع بالتفريق وهو الجمعة والجماعة، فخُصَّ وجوبهما بالرجال دون النساء لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال (2)؛ وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوّت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة؛ وأما الشهادة فإنما (3) جُعلت المرأة فيها على النصف من الرجل؛ لحكمة أشار إليها العزيز الحكيم في كتابه، وهي أن المرأة ضَعيفةُ العقل قليلةُ الضبط لما تحفظه. وقد فضّل اللَّه الرجال على النساء في العقول والحفظ والفهم والتمييز؛ فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل، وفي منع قبول شهادتها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق وتعطيل لها، فكان من أحسن الأمور وألصقها بالعقول، أن ضمَّ إليها في قبول الشهادة نظيرها لتذكِّرها إذا نسيت، فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل، ويقع من العلم أو الظَنَّ الغالب بشهادتهما ما يقع بشهادة الرجل الواحد، وأما الدية فلما كانت المرأة أنْقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية وهي الدية؛ فإن دِية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما.
فإن قيل: لكنكم نقضتم هذا فجعلتم ديتهما سواء فيما دون الثلث.
قيل: لا ريب أن السنة وردت بذلك، كما رواه النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عَقْل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغَ الثُّلثَ من ديتها"(4) وقال سعيدُ بن المُسيَّب: إن ذلك
= والجبال" (ص 47 - 50) في (الباب الأول: في ذكر مسائل ونوازل تخالف المرأة فيها الرجل)، وعمل على سردها فقط.
(1)
في (د): "شريعته".
(2)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 136) وبعدها في (ق): "مذلك فرق".
(3)
في (ن) و (ق): "فإنها".
(4)
رواه النسائي (8/ 44 - 45) في (القسامة): باب عقل المرأة، وفي "الكبرى"(7008)، =
[من](1) السنة، وإن خالف فيه أبو حَنيفةَ والشافعيّ والليث والثوري وجماعة، وقالوا: هي [على](1) النَّصف في القليل والكثير، ولكن السنة أولى، والفَرْق بين [ما دون الثلث و](2) ما زاد عليه أن ما دونه قليل، فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل، ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية لقلة ديته، وهي الغُرَّة (3)، فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين.
وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة؛ فإن الذكر أحْوجُ إلى المال من الأنثى؛ لأن الرجال قوَّامون على النساء، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض وفاوت بين مقاديرها:{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج كان أحقَّ بالتفضيل.
فإن قيل: فهذا ينتقض بولد الأم.
قيل: بل طرْد هذه التسوية بين ولد الأم ذكرهم وأنثاهم، فإنهم إنما يرثون
= والدارقطني (3/ 91) من طريق عيسى بن يونس قال حدثنا ضمرة عن إسماعيل بن عياش عن ابن جُريج عن عمرو بن شعيب به.
وهذا فيه علل:
الأولى: عيسى بن يونس وضمرة بن ربيعة فيهما كلام.
الثانية: إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازين وهذه منها، لذلك قال النسائي بعد إخراجه:"إسماعيل بن عياش ضعيف كثير الخطأ".
الثالثة: ابن جريج مدلس وقد عنعن.
الرابعة: خولف إسماعيل بن عياش، فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(17756) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وهذا أصحّ.
وعليه؛ فلا وجه لتصحيح ابن خزيمة إياه، كما في "الروضة الندية"(3/ 378 - مع "التعليقات الرضية").
وأخرج البيهقي (8/ 96) نحوه عن زيد بن ثابت قوله، وسنده صحيح، لولا أن الشعبي لم يسمع من زيد. وانظر: تعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 3088)، و"الإرواء"(رقم 2254).
قال الشافعي رحمه الله: "كان مالك يذكر أنه السنة، وكنتُ أتابعه عليه، وفي نفسي منه شيء، ثم علمت أنه يريد أهل المدينة فرجعت عنه".
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(2)
في المطبوع: "والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه"، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
"الغرة: العبد نفسه أو الأمة، والغرة عند الفقهاء: ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء، وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتًا، فإن سقط حيًا، ثم مات ففيه الدية كاملة"(و).