الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الولد بالذي صارت له القرعة، وجعل [لصاحبيه](1) عليه ثُلثي الدِّية (2)، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه (3). وقد أُعلَّ هذا الحديث بأنه روي عن عبد خير بإسقاط زيد بن أرقم فيكون مرسلًا، قال النسائي: وهذا أصوب (4)، قلت: وهذا ليس بعلة، ولا يوجب إرسالًا في الحديث؛ فإن عبد خير سمع من عليٍّ وهو صاحب القصة، فهب أن زيد بن أرقم لا ذِكْر له في المتن، فمن أين يجيءُ الإرسال؟
[حكم الفقهاء في الحديث]
وبعد، فقد اختلف الفقهاء في حكم هذا الحديث، فذهب إلى القول به (5) إسحاق بن راهويه، وقال: هو السنة في دعوى الولد. وكان الشافعي يقول به في القديم، وأما الإِمام أحمد فسُئل عنه فرجّح عليه حديث القَافَة (6) وقال: حديث القافة أحبُّ إليَّ (7).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ك): "وجعل ثلثا الدية على الآخرين". وفي (ق): "الدية، قال فذكر".
(3)
أخرجه عبد الرزاق (2348)، والنسائي (6/ 182)، وأبو داود (2270)، وابن ماجه (2348)، والطبراني في "الكبير"(4987)، والبيهقي (10/ 266 - 267) من طريق سفيان الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير به.
قال البيهقي: "هذا الحديث مما يعد في أفراد عبد الرزاق عن الثوري" قال: "والمشهور في هذا الباب. . " وذكر طريق الأجلح.
قلت: ويتأيد ذلك، بما أخرجه أحمد (4/ 373) عن عبد الرزاق عن الثوري عن الأجلح به، وكذا رواه أحمد بن الفرات أبو مسعود عن عبد الرزاق، عند الطبراني (4988).
(4)
في (ن) و (ق): "وهذا الصواب" وفي (ك): "وهذا صواب". وقال في "الكبرى"(3/ 380): "هذه الأحاديث كلها مضطربة الأسانيد".
(5)
في (ن): "فذهب إليه".
(6)
رواه البخاري (3555) في (المناقب): باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، و (3731) في "فضائل الصحابة): باب مناقب زيد بن حارثة، و (6770 و 6771) في (الفرائض): باب القائف. ومسلم (1459) في (الرضاع): باب العمل بإلحاق القافة بالولد، من حديث عائشة.
وقال (ط) -تعريفًا للقافة-: "نسبة الولد إلى أبيه بعلامات تثبت بنوته له" اهـ.
(7)
قال أحمد -في رواية ابن منصور-: وحديث عمر في القافة أعجب إلى، نقله ابن رجب في "تقرير القواعد" (3/ 233) قلت: وكلام أحمد دقيق، فالذي قضى به عمر، إنما وقع له في حادثة كالمنقولة عن علي في الحالة السابقة.
أخرج مالك في "الموطأ"(461 - رواية يحيى، ورقم 2889 - رواية أبي مصعب) - =
وههنا أمران: أولهما دخول الولد (1) في النسب.
والثاني: تغريم من خَرَجت له القرعة ثُلثُي دية ولده لصاحبيه، وكُلٌّ منهما بعيدٌ عن القياس؛ فلذلك قالوا: هذا [من](2) أبعد شيء عن القياس.
فيُقال: القرعة قد تستعمل عند فقدان مُرَجِّح سواها من بيّنة أو إقرار أو قافة (3)، وليس ببعيد تعيين المستحق بالقرعة في هذا (4) الحال؛ إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدعوى (5)، ولهذا دخول في دعوى الأَمْلاك المرسلة التي لا تثبُتُ بمّرينة ولا أمارة (6)، فدخولها في النَّسب الذي يثبُتُ بمجرد
= وعنه: الشافعي في "المسند"(330)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 263) - عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإِسلام. قال سليمان: فأتى رجلان، كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفًا، فنظر إليهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة، قال: ما يدريك؟! ثم دعا المرأة؛ فقال: أخبريني خبرك. فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها وهي في الإبل لأهلها؛ فلا يفارقها حتى يظن وتظن أن قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها، فهرقت الدماء، ثم خلف هذا (تعني: الآخر)، ولا أدري من أيهما هو؟ قال: فكبر القائف؛ فقال عمر للغلام: والِ أيهما شئت".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 263)؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في رجلين ادَّعيا رجلًا لا يدري أيهما أبوه؛ فقال عمر رضي الله عنه للرجل: "أَتبع أيهما شئت".
قال البيهقي: "هذا إسناد صحيح موصول"، وقال (10/ 264):"ورواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر رضي الله عنه موصولة، ورواية سليمان بن يسار لها شاهدة، وكلاهما يثبت قول عمر رضي الله عنه: "والِ أيَّهما شئت".
وللأثر طرق أخرى عند البيهقي وغيره. وانظر بعضًا منها عند عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 360 - 361).
(1)
في المطبوع: "دخول القرعة". وفي (ق): "أحدهما دخول الولد".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
"القائف": الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة" (و).
(4)
في (ق): "هذه".
(5)
في (ن): "من الباب بترجيح الدعوى"، وفي (ق):"من الباب ترجيح الدعوى"، وقال في الهامش:"لعله: المقدور عليه في الباب من ترجيح الدعوى" وفي (ك): "وعليه من أسباب" وفي (ق): "ولها دخول".
(6)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 121)، و"البدائع"(3/ 266)، و"الطرق الحكمية"(269، 351) للمصنف، و"قواعد ابن رجب"(3/ 231 - بتحقيقي).
الشَّبه الخفي المستند إلى قولِ القائفِ أوْلى وأحْرى.
وأما أمر الدية فمشكلٌ جدًا؛ فإن هذا ليس بقتل يُوجب الدية، وإنما هو تفويتُ نسبه بخروج القُرعة له؛ فيمكن أن يُقال: وطءُ كل واحد صالحٌ لجعْل الولد له، فقد فوّته كل واحد [منهم](1) على صاحبه بوطئه، ولكن لم يتحقق مَنْ كان له الولد منهم، فلما أخرجته القرعةُ لأحدهم صار مُفوِّتًا لنسبه على صاحبيه، فأجرى ذلك مجرى إتلاف الولد، ونزل الثلاثةُ منزلة أبٍ واحد، فحَصّةُ المُتْلف منه (2)، ثلثُ الدية؛ إذ قد عاد الولد له؛ فيغرَّم لكل [وَاحد](3) من صاحبيه ما يخصُّه، وهو ثلثُ الدية (4).
ووجه آخر أحسن من هذا: [وهو](5) أنه لما أتلفه عليهما بوطئه ولحوق الولد به وَجَب عليه ضمانُ قيمته، وقيمة الولد شرعًا [هي](1) ديتُه، فلزمه (6) لهما ثُلُثا قيمته وهي ثلثا الدية، وصار هذا كمن أتلف عبدًا بينه وبين شريكين له فإنه يجب عليه ثُلُثا القيمة لشريكيه؛ فإتلاف الولدِ [الحُرِّ](1) عليهما بحكم القرعة كإتلاف الرقيق الذي بينهم، ونظير هذا تضمين الصحابة (7) المغرور بحرية الأمة لما فات رِقُّهم على السيد (8) بحريَّتهم، وكانوا بصدد أن يكونوا أرقاء له، وهذا من ألْطف ما يكون من القياس وأدقِّه، ولا يهتدي إليه إلا أفهام الراسخين في العلم؛ وقد ظن طائفةٌ -أيضًا- أن هذا على (9) خلاف القياس، وليس كما ظَنُّوا، بل هو محضُ الفقه، فإن الولد تابع للأم في الحرية والرق، ولهذا ولد الحر من أمةِ الغيرِ رقيقٌ، وولدُ العبد من الحرة حُرٌّ.
قال الإِمام أحمد: إذا تزوج الحُرُّ بالأمة رقَّ نصفُه، وإذا تزوج العبد بالحرة عَتقَ نصفه؛ فولدُ الأمة المزوجة بهذا المغرور كانوا بصدد أن يكونوا أرقاء لسيدها، ولكنْ لما دخل الزوجُ على حرية المرأة دخل على أن يكونَ أولاده أحرارًا، والولدُ يتبع اعتقاد الواطئ فانعقد أولاده (10) أحرارًا، وقد فَوَّتهم على السيد، وليس مراعاة أحدهما بأولى من مراعاة الآخر، ولا تفويت حق أحدهما بأولى من حق صاحبه؛ فَحفِظَ الصحابةُ الحَقَّين وراعوا الجانبين، فحكموا بحرية
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(2)
في (ك) و (ق): "منهم".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
انظر "زاد المعاد"(4/ 120 - 121).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ن) و (ك).
(6)
في (ق): "ولزمه".
(7)
انظر ما مضى (216).
(8)
في (ق): "سيدهم".
(9)
في (د): ". . . طائفة أن هذا أيضًا على".
(10)
في المطبوع و (ق): "ولده".
الأولاد وإن كانت أمّهم رقيقة؛ لأن الزوج إنما دخل على حرية أولاده، ولو توهَّم رقهم لم يدخل على ذلك، ولم يضيّعوا حق السيد بل حكموا على الواطيء بفداء أولاده، وأعطوا العَدْل حقه؛ فأوجبوا فدائهم بمثلهم تقريبًا لا بالقيمة، ثم وفوا العدل بأن مَكَّنوا المغرورَ من الرجوع بما غرمه على من غَرَّه؛ لأن غُرْمه كان بسبب غروره (1)، والقياس والعدل يقتضي أن من تسبب إلى إتلاف مال شخص أو تغريمه أنه يضمن ما غرمه، كما يضمن ما أتلفه؛ إذ غايته أنه إتلافٌ بسبب، وإتلاف المُسَبِّب (2) كإتلاف المباشر في أصل الضمان.
فإن قيل: وبعد ذلك كله فهذا خلاف القياس أيضًا؛ فإن الولد كما هو بعضُ الأم وجزء منها فهو بعض الأب، وبعضيَّتُه للأب أعظم من بعضيته للأم، ولهذا إنما يذكرُ اللَّه سبحانه في كتابه تخليقَه من ماءِ الرجل كقوله:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 5 - 7]، وقوله:{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37]، ونظائرها من الآيات التي إن لم تختص بماء الرجل فهي فيه أظهر، وإذا كان جزءًا من الواطئ وجزءًا من الأم فكيف كان مُلكًا لسيِّد الأم دون سيد الأب؟ ويخالف القياس من وجه آخر، وهو أن الماءَ بمنزلة البَذْر، ولو أن رجلًا أخذ بَذْر غيره فزرعه في أرضه كان الزَّرع لصاحب البذر وإن كان عليه أجرةُ الأرض.
قيل: لا ريبَ أن الولد منعقدٌ من ماءِ الأب كما هو منعقد من ماء الأم، ولكن إنما تكوّن (3) وصار مالًا متقوَّمًا في بَطْن الأم؛ فالأجزاءُ التي صار بها كذلك من الأم أضعافُ أضعاف الجزء الذي من الأب، مع مساواتها له في ذلك الجزء؛ فهو إنما تكوَّن في أحشائها من لحمها ودمها، ولمَّا وَضَعَه الأب لم يكن له قيمة أصلًا، بل كان كما سَمَّاه اللَّه ماءً مهينًا لا قيمة له، ولهذا لو نزا فحلُ رجل على رمكة (4) آخر كان الولدُ لمالك الأم باتفاق المسلمين، وهذا بخلاف البذر فإنه مالٌ متقوَّم له قيمة قبل وضعه في الأرض يعاوض عليه بالأثمان، وعسب الفحل لا يعاوض عليه، فقياس أحدهما [على الآخر](5) من أبطل القياس.
(1) في (ن): "لأن غرته بسبب غروره".
(2)
في المطبوع و (ن): "المتسبب".
(3)
في (ق): "يكون".
(4)
"الرَّمَكَة -محركة-: الفرس والبرذونة تُتخذ للنسل، والجمع: رمك، وجمع الجمع: أرماك"(د)، ونفسه في (ح)، ونحوه في (و)، و (ط).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).