الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منفردة عن قرابة العمومة، بخلاف قرابة الأم في مسألتنا فإنها متحدة بقرابة الأب.
ومما يبين أن عدم التشريك هو الصحيح أنه لو كان فيها أخوات لأب لفرض لهنَّ الثلثان وعالَت الفريضة، فلو كان معهن أخوهن سَقَطْنَ به، ويُسمَّى الأخ المشئوم، فلما كنَّ بوجوده يَصِرْن عصبة صار تارة ينفعهن، وتارة يضرهن ولم يجعل وجوده كعدمه في حال الضرار فكذلك قرابة الأب لما صار الإخوة بها عَصَبة صار ينفعهم تارة ويضرهم أخرى، وهذا شأن العَصَبة فإن العَصَبة تارة تحُوزُ (1) المالَ وتارة تحوز (1) أكثره وتارة تحوز أقله وتارة تَخيبُ (2)؛ فمن أعطى العصبة مع استغراق الفروض المال (3) خرج عن قياس الأصول وعن موجب النص.
فإن قيل: فهذا (4) استحسان.
قيل: لكنه استحسان يخالف الكتاب والميزان، فإنه ظلمٌ للإخوة من الأم حيث يؤخذ ضهم ويُعطاه غيرهم، وإن كانوا يَعقِلُون عن الميت ويُنفِقون عليه لم يلزم من ذلك أن يشاركوا مَنْ لا يعقل ولا يُنفق في ميراثه، فعاقلة المرأة -من أعمامها وبني عمها وإخوتها- يعقلون عنها، وميراثها لزوجها وولدها كما قضى بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (5)، فلا يمتنع أن يعقل ولدُ الأبوين ويكون الميراثُ لولد الأم.
[المسألة العمرية]
المسألة الثانية: العمريتان (6)، والقرآن يدل على قول جمهور الصحابة فيها كعمر وعثمان وعبد اللَّه بن مسعود وزيد بن ثابت: إن للأم ثُلثَ ما بقي بعد فَرْضِ [أحد] الزوجين (7)، وههنا طريقان:
(1) في (ق): "يحوز".
(2)
في (ق): "يخيب".
(3)
في (ق): "للمال".
(4)
في (ق): "هذا".
(5)
أخرج البخاري (6745)(كتاب الفرائض): باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره عن أبي هريرة قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميِّتًا بغُرَّة: عبد أو أمة ثم إنّ المرأة التي قضى عليها بالغرة توفِّيت، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها.
(6)
العمريتان: هما: (زوج وأب وأم) و (زوجة وأم وأب)، انظر:"المغني"(6/ 279)، "الميراث في الشريعة الإسلامية"(ص 344).
(7)
أخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 228)، وابن حزم في "المحلى" (9/ 261 - =
أحدهما: بيان عدم دلالته على إعطائِها الثلث كاملًا مع الزوجين، وهذا أظهر الطريقين.
والثاني: دلالته على إعطائها ثُلثَ الباقي، وهو أدقُّ وأخفى من الأول، أما الأول فإن اللَّه سبحانه إنَّما أعطاها الثلث كاملًا إذا انفرد الأبوان بالميراث، فإن قوله سبحانه:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] شرطان (1) في استحقاق الثلث: عدمُ الولد، وتفردُهما بميراثه، فإن قيل: ليس في قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] ما يدل على أنهما تفردا بميراثه، قيل: لو لم يكن [تفردُهما](2) شرطًا لم يكن في قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] فائدة، وكان تطويلًا يغني عنه قوله:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فلما قال: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] علم أن استحقاق الأم الثلث موقوف على الأمرين، وهو سبحانه ذكر أحوالَ الأم كُلِّها نصًا وإيماء، فذكر أن لها السدس مع الإخوة، وأن لها الثلث كاملًا مع عدمِ الولد وتفرُّدِ الأبوين بالميراث، بقي لها
= 262)؛ عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين، فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال. فقال ابن عباس: للأم الثلث كاملًا. وفي لفظ له: فأرسل إليه ابن عباس: "أفي كتاب اللَّه تجد هذا؟ قال: لا، ولكن أكره أن أفضّل أمًا على أب، قال: وكان ابن عباس يعطي الأم الثلث من جميع المال".
وأخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 19018)، والدارمي (2/ 250)، والبيهقي (6/ 228) في "سننيهما"، وسفيان الثوري في "الفرائض" (رقم 14)؛ عن إبراهيم قال: خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين، فجعل النصف للزوج، وللأم الثلث من رأس المال، وللأب ما بقي" لفظ عبد الرزاق، ولفظ الدارمي: "وجعل للأم الثلث من جميع المال".
وعلقه عنه ابن حزم في "المحلى"(9/ 260).
وأسند عبد الرزاق (19017، 19019)، وابن أبي شيبة (11/ 238)، وسفيان (12، 15)، وسعيد بن منصور (9)، والدارمي (2/ 249)، والبيهقي (6/ 228)؛ بإسناد صحيح عن عثمان، وابن أبي شيبة (11/ 239، 240، 241)، وسعيد (6 - 8)، وسفيان (13 - 15)، وعبد الرزاق (19019)، والدارمي (2/ 2500)، والبيهقي (6/ 228)، وابن حزم (9/ 260)؛ عن عمر وابن مسعود (ثلاثتهم) قالوا بما قال به زيد بن ثابت في الأثر السابق.
وانظر: "حلية العلماء"(6/ 281)، "التهذيب في الفرائض"(ص 199)، "موسوعة فقه ابن عباس"(1/ 132 - 136).
وما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(1)
في المطبوع و (ن): "شرط أنَّ".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
حالة ثالثة -وهي مع عدم الولد وعدم تفرد الأبوين بالميراث- وذلك لا يكون إلا مع الزوج والزوجة، فإما أن تُعطى في هذه الحال الثلث كاملًا وهو خلاف مفهوم القرآن، وإما أن تُعطى السُّدس فإنَّ اللَّه سبحانه لم يجعله فرضها إلا في موضعين مع الولد ومع الإخوة، وإذا امتنع هذا وهذا كان الباقي بعد فرضِ الزوجة (1) هو المال الذي يستحقه الأَبوان، ولا يشاركُهُما فيه مُشارِك، فهو (2) بمنزلة المال كله إذا لم يكن زوج ولا زوجة، فإذا تقاسماه أثلاثًا كان الواجب أن يتقاسما الباقي بعد فرض الزوجين كذلك.
فإن قيل: فمن أين تأخذون حكمها إذا ورثته الأم [مع](3) مَنْ دون الأب كالجد والعم والأخ وابنه.
قيل: إذا كانت تأخذ الثلث مع الأب فأخذُها له مع مَنْ دُونه من العصبات أولى، وهذا من باب التنبيه.
فإن قيل: فمن أين أعطيتموها الثلثَ كاملًا إذا كان معها ومع هذه العَصَبة الذي هو دون الأب زوج أو زوجة، واللَّه سبحانه إنما جعل لها الثلث كاملًا إذا انفرد الأبوان بميراثِه على ما قرَّرتموه، فإذا كان جد وأم أو عم وأم أو أخ وأم أو ابن عم أو ابن أخ مع أحد الزوجين (4)، فمن أين أعُطيت الثلث كاملًا، ولم ينفرد الأبوان بالميراث؟
قيل: بالتنبيه ودلالة الأولى، فإنها إذا أخذت الثلث كاملًا مع الأب فلأن تاخذه مع [ابن](5) العم أولى وأما إذا كان أحَدُ الزوجين مع هذه (6) العصبة فإنه ليس له إلا ما بقي بعد الفروض، ولو استوعبت الفروضُ المالَ سقط كأم وزوج وأخ لأم، بخلاف الأب.
فإن قيل: فمن أين تأخذون حكمها إذا كان مع العَصَبَة ذو فرض غير البنات والزوجة؟
(1) في المطبوع و (ك): "الزوجبن"، وفي (ق):"الزوجة و"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
في (ق): "وهو".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، وبدله في المطبوع:"و" وفي (ق): "الأم من دون الأب" وفي الهامش: "لعله مع".
(4)
في (ق): "أو ابن أخ وأم مع أحد الزوجين".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في (ق): "هذا".
قيل: لا يكون ذلك إلا [مع](1) ولد الأم أو الأخوات لأبوين أو لأب (2) واحدة أو أكثر، واللَّه سبحانه قد أعطاها السدس مع الإخوة، فدلَّ على أنها تأخذ الثلث مع الواحد إذ ليس بإخوة.
بقي (3) الأختان والأخوان؛ فهذا مما تنازع فيه الصحابة فجمهورُهم أدخلوا الاثنين في لفظ الإخوة، وأبى ذلك ابنُ عباس (4)، ونَظَرُه أقرب إلى ظاهر اللفظ (5)، ونظر الصحابة أقربُ إلى المعنى وأولى به؛ فإن الإخوة إنما حجبوها
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
في المطبوع و (ن): "للأبوين أو للأب".
(3)
في (ن): "أما".
(4)
يريد ما رواه ابن جرير (8/ 40 رقم 8732 - ط شاكر) والحاكم (4/ 335)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 227) وابن حزم (9/ 258) من طريق ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه دخل على عثمان بن عفان فقال: إن الأخوين لا يردان الأم إلى الثلث؛ قال اللَّه عز وجل: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} فالأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة، فقال عثمان بن عفان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"! قلت: بل إسناده ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(3/ 85): "وفيه نظر، فإن فيه شعبة مولى ابن عباس وقد ضعَّفه النسائي". قلت: وضعفه أيضًا مالك ويحيى القطان، وأبو زرعة، وقال ابن حبان:"روى عن ابن عباس ما لا أصل له، حتى كأنه ابن عباس آخر".
وانظر: "حلية العلماء": (6/ 281)، "الإشراف"(5/ 201 مسألة رقم 1953) وتعليقي عليه، "تفسير ابن جرير"(8/ 40 - ط شاكر)، "موسوعة فقه ابن عباس"(1/ 135 - 136).
(5)
الراجح ما قال به جماهير أهل العلم سلفًا وخلفًا، قال ابن جرير في "تفسيره" (8/ 41 - 43 - ط شاكر):"والصواب من القول في ذلك عندي أن المعنى بقوله: "فإن كان له إخوة" اثنان من إخوة الميت فصاعدًا، على ما قاله أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لنقل الأمة وراثة صحة ما قالوه من ذلك عن الحجة وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك.
فإن قال قائل: وكيف قيل في الأخوين: "إخوة"، وقد علمت أن "الأخوين" في منطق العرب مثالًا لا يشبه مثال "الإخوة" في منطقها؟
قيل: إن ذلك وإن كان كذلك؛ فإن من شأنها التأليف بين الكلامين يتقارب معنياهما، وإن اختلفا في بعض وجوههما، فلما كان ذلك كذلك وكان مستفيضًا في منطقها منتشرًا مستعملًا في كلامها:"ضربت من عبد اللَّه وعمرو رؤوسهما، وأوجعت منهما ظهورهما"، وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال: أوجعت منهما ظهريهما"، وإن كان مقولإً: "أوجبت ظهريهما"، كما قال الفرزدق [في "ديوانه" (554)]:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى
…
فيبرأ منهاض الفوائد المشعف =
إلى السدس لزيادة ميراثِهِم على ميراثِ الواحد، ولهذا لو كانت واحدةً أو أخًا واحدًا لكان لها الثلث معه، فإذا كان الإخوةُ ولدَ أمِ كان فرضُهم الثُّلثَ اثنين كانا (1) أو مئة، فالاثنان والجماعة في ذلك سواء، وكذلك لو كُنَّ أَخواتٍ لأب أو لأب وأم ففرضُ الثنتين (2) وما زاد واحد، فحجبُها عن الثلث إلى السدس باثنين كحَجْبها بثلاثة سواء، لا فرق بينهما ألبتة.
وهذا الفهم في غاية اللطف، وهو من أدق فهم القرآن، ثم طرد ذلك في الذكور من ولد الأب والأبوين لمعنى يقتضيه (3)، وهو توفير السدس الذي حُجبت عنه لهم لزيادتهم على الواحد (4) نظرًا لهم ورعايةً لجانبهم، وأيضًا فإن قاعدة الفرائض أن كُلَّ حكم اختصَّ به الجماعة عن الواحد اشتركَ فيه الاثنان وما فوقهما كولدِ الأُمِّ والبناتِ وبناتِ الابنِ والأَخواتِ للأبوين أو للأب، والحَجْبُ ههنا قد اختص به الجماعة، فيستوي فيه الاثنان وما زاد عليهما، وهذا هو القياس
= غير أن ذلك وان كان مقولًا فأصح منه: "بما في أفئدتنا"، كما قال جل ثناؤه:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4].
فلما كان ما وصفت من إخراج كل ما كان في الإنسان واحدًا إذا ضم إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر فصارا اثنين من اثنين، بلفظ الجميع، أفصح في منطقها وأشهر في كلامها، وكان "الإخوان" شخصين كل واحد منهما غير صاحبه، من نفسين مختلفين، أشبه معنياهما معنى ما كان في الإنسان من أعضائه واحدًا لا ثاني له، فأخرج اثناهما بلفظ اثني العضوين اللذين وصفت، فقيل:"إخوة" في معنى "الأخوين"، كما قيل:"ظهور" في معنى "الظهرين"، و"أفواه" في معنى "فموين"، و"قلوب" في معنى "قلبين".
وقد قال بعض النحويين: إنما قيل: "إخوة"؛ لأن أقل الجمع اثنان، وذلك أن ضم شيء إلى شيء صارا جميعًا بعد أن كانا فردين، فجمعا ليعلم أن الاثنين جمع".
وانظر: "المبسوط"(29/ 145)، "الاختيار"(4/ 163)، "الفتاوى الهندية"(6/ 449)، "شرح السراجية"(129 - 131)، "شرح الرحبية"(60 - 61)، "حاشية البقري على المارديني"(ص 19، 65)، "نهاية الهداية"(1/ 188 - 191)، "التهذيب في الفرائض"(ص 199)، "مغني المحتاج"(3/ 10)، "روضة الطالبين"(5/ 11)، "الإقناع"(3/ 85)، "المغني"(6/ 176)، "الإفصاح"(2/ 85)، "زاد المسير"(2/ 27)، "معاني القرآن" للزجاج (2/ 22)، "أنوار التنزيل" للبيضاوي (2/ 71)، "الحقوق المتعلقة بالتركة"(322 - 324).
(1)
في (ق) و (ك): "كانوا".
(2)
في (ك): "البنتين".
(3)
في (ق): "وهو لمعنىً يقتضيه".
(4)
في (ق) و (ن): "لزيادتهم لهم عن الواحد"! وانظر: "الأشراف" للقاضي عبد الوهاب (5/ 201) وتعليقي عليه.
الصحيح والميزان الموافق لدلالة الكتاب وفهم أكابر الصحابة؛ وأيضًا فإن الأمة مُجْمِعة على أن قوله [تعالى](1): {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] يدخل في حكمه الثنتان (2)، وإن اختلفوا في كيفية دخولهما في الحكم كما سيأتي، فهكذا دخول الأَخَويْن في الإخوة؛ وأيضًا فإن لفظ الإخوة كلفظ الذكور والإناث والبنات والبنين، وهذا كله قد يُطلق ويراد به الجنس الذي جاوَزَ الواحد وإن لم يزد على اثنين، فكلُّ حكمٍ عُلِّق بالجمع من ذلك دخل فيه الاثنان كالإقرار والوصية [والوقف](1) وغير ذلك؛ فلفظ الجمع قد يُرَاد به الجنس المتكثِّر أعم من تكثيره بواحد أو اثنين (3)، كما أن لفظ المثنَّى قد يراد به المتعدّد أعم من أن يكون تعدده بواحد أو أكثر، نحو:{ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] ودلالتهما [حينئذ](4) على الجنس المتكثر (5)، وأيضًا فاستعمال [الاثنين في الجمع بقرينة واستعمال](4) الجمع في الاثنين بقرينة (6) جائز بل واقع، وأيضًا فإنه سبحانه قال:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وهذا يتناول الأخَ الواحدَ والأخت الواحدة كما يتناول مَنْ فوقهما (7)، ولفظُ الإخوةِ وسائرُ ألفاظ الجمع [قد](8) يُعْنَى به الجنسُ من غير قصد التعدد، كقوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173] وقد يُعْنَى به العددُ من غير قصد [لعدد معين بل لجنس التعدد، وقد يُعنى به العددُ مع قصدِ معدودٍ معيَّن](9)، فالأول يتناول الواحدَ وما (10) زاد، والثاني يتناول الاثنين وما (10) زاد، والثالث يتناول الثلاثة فما زاد عند إطلاقه، وإذا قُيِّد اختص بما قيد به. ومما يدل على أن قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] أن المراد به الاثنان فصاعدًا أنه سبحانه قال: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "البنتان".
(3)
في (ق) و (ك): "الجنس المنكر أعم من تنكيره بواحد واثنين".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
في (ق): "المنكر".
(6)
في (ق): "فاستعمال الجمع بقرينة في الاثنين".
(7)
في (ن) و (ق): "ما فوقهما".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، وفي (ق):"قصد تعدد" بدل "قصد التعدد".
(9)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "العدد المعين"، وبعده فراغ يسع كلمتين.
(10)
في (ق): "فما".
شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فقوله: {كَانُوا} [النساء: 12] ضمير جمع، ثم قال:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فذكَرهم بصيغة الجَمْعِ المُضْمَر وهو قولُه: {فَهُمْ} [النساء: 12] والمْظْهَر وهو قوله: {شُرَكَاءُ} [النساء: 12] ولم يذكر قبل ذلك إلا قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] فذكر حكم الواحد وحكم اجتماعه (1) مع غيره، وهو يتناول الاثنين قطعًا؛ فإن قولَه:{أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] أي أكثر من أخ أو أخت، ولم يرد أكثر من مجموع الأخ والأخت، بل أكثر من الواحد، فدل على أن صيغةَ الجَمْعِ في الفرائض تتناول العدَدَ الزائد على الواحد مطلقًا، ثلاثةً كان أو أكثرَ منه؛ وهذا نظير قوله:{وَإِنْ (2) كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ومما يوضح ذلك أن لفظ الجمع قد يختص بالاثنين مع البيان وعدم اللبس، كالجمع المضاف إلى اثنين مما يكون المضاف فيه جزءًا من المضاف إليه أو كجزئه، نحو "قلوبهما" و"أيديهما"، فكذلك يتناول الاثنين فما فوقهما مع البيان (3) بطريق الأَوْلَى، وله ثلاثةُ أحوالٍ: أحدها: اختصاصُه بالاثنين، الثانية: صلاحيتُه لهما، الثالثة: اختصاصُه بما زاد عليهما، وهذه الحالُ له عند إطلاقه، وأما عند تقييده فبحسب ما قُيِّد به، وهو حقيقةٌ في الموضعين، فإن اللفظ تختلف دلالته بالإطلاق والتقييد، وهو حقيقةٌ في الاستعمالين؛ فظهر أن فهم جمهور الصحابة أحسن من فهم ابن عباس في حَجْب الأم بالاثنين، كما أن فهمهم في العمريتين أتمُّ من فهمه؛ وقواعد الفرائض تشهد لقولهم؛ فإنه إذا اجتمع ذكرٌ وأنثى في طبقة واحدة كالابنِ والبنتِ والجدِّ والجدّةِ والأَبِ والأمِّ والأخِ والأختِ فإما أن يأخذ الذكر ضعفَ ما تأخذه (4) الأنثى أو يساويها؛ وأَمَّا أن تأخذ الأنثى ضعفَ الذَّكرِ فهذا خلاف قاعدة الفرائض التي أوجبها شرعُ اللَّه وحكمته؛ وقد عهدنا اللَّه سبحانه أعطى الأب ضعفَ ما أعطى الأم إذا انفرد الأبوان بميراث الولد، وساوى بينهما في وجود الولد، ولم يفضِّلها عليه في موضع واحد، فكان جعل الباقي بينهما بعد نصيبِ أحدِ الزوجين أثلاثًا هو الذي يقتضيه الكتاب والميزان؛ فإن ما يأخذه الزوج أو الزوجة من المال كأنه مأخوذٌ بدَيْنٍ أو وصية إذ لا قرابةَ بينهما، وما يأخذه الأبوان يأخذانه بالقرابة، فصارا هما المستقلين بميراث الولد بعد فرض الزوجين، وهما في طبقة واحدة، فقسم الباقي بينهما أثلاثًا.
(1) في (ق): "وحكمه في اجتماعه".
(2)
في (ق): "فإن".
(3)
في (ك): "البنات".
(4)
في (ق): "تأخذ".
فإن قيل: فههنا (1) سؤالان: أحدهما: أنكم هلَّا أعطيتموها ثلثَ جميع المال في مسألة زوجة وأبوين؛ فإن الزوجة إذا أخذتِ الرُّبعَ وأخذت هي الثلث كان الباقي للأب وهو أكثر من الذي أخذته، فوفيّتُم حينئذ بالقاعدة، وأعطيتموها الثلثَ كاملًا، والثاني: أنكم هلَّا جعلتم لها ثلثَ الباقي إذا كان بدل الأب في المسألتين جَدٌّ.
قيل: قد ذهب إلى كل واحد من هذين المذهبين ذاهبون من السلف الطيب، فذهب إلى الأول محمد ابن سيرين (2) ومَنْ وافقه، وإلى الثاني عبد اللَّه بن مسعود (3)، ولكن أبى ذلك جمهورُ الصحابة والأئمة بعدهم، وقولُهم أصحُّ في الميزان وأقرب إلى دلالة الكتاب؛ فإنا لو أعطيناها (4) الثلث كاملًا بعد فرض الزوجة (5) كنّا قد خَرَجْنَا عن قاعدة الفرائض وقياسها (6) وعن دلالة الكتاب، فإن الأب حينئذٍ يأخذ [رُبُعًا وسُدُسًا](7)، والأم لا تساويه ولا تأخذ شطره، وهي في طبقته، وهذا لم يشرعه اللَّه قط، ودلالة الكتاب لا تقتضيه؛ وأما في مسألة الجد فإن الجد أبعد منها، وهو يُحجَب بالأب، وليس في طبقتها فلا يُحجبُها عن شيء من حَقِّها، فلا يمكن أن تُعطى ثُلثَ الباقي ويُفضل الجد عليها بمثل ما تأخذ، فإنها أقرب منه، وليس في درجتها، ولا يمكن أن تُعطى السُّدس؛ فكان فرضها الثلث كاملًا.
وهذا مما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من النصوص بالاعتبار الذي هو في معنى
(1) في (ق): "ههنا".
(2)
انظر: "المحلى"(9/ 269 - 270)، و"معجم فقه السلف"(6/ 257 - 258).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 270 رقم 19072)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (9/ 295) ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" (6/ 250) من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن سفيان الثوري -وهو في "الفرائض" (رقم 27) وسقط منه ذكر (ابن مسعود)!! - عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال في جد وابنة وأخت: هي من أربعة، للبنت سهمان، وللجد سهم، وللأخت سهم، فإن كانتا أختين فمن ثمانية، للبنت أربعة وللجد سهمان، وللأخت بينهما سهمان، فإن كن ثلاث أخوات فمن عشرة، للبنت خمسة أسهم، وللجد سهمان، وللأخوات ثلاثة أسهم بينهن. وإسناده على شرط الشيخين وانظر:"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (5/ 214) وتعليقي عليه.
(4)
في المطبوع: "لو أعيناها".
(5)
في (ن): "الزوج".
(6)
في (ق) و (ك): "عن قاعدة الفرائض وقاعدتها".
(7)
في (ن): "السدس".
الأصل، أو بالاعتبار الأولى، أو بالاعتبار الذي فيه إلحاقُ الفرع بأشبه الأَصْلين به، أو تنبيه اللفظ، أو إشارته وفَحْواه، أو بدلالة التركيب، وهي ضَمُّ نص إلى نص آخر، وهي غير دلالة الاقتران، بل هي ألطف منها وأدق وأصح كما تقدم.
فالقياس المحض والميزان الصحيح أنَّ الأم مع الأب كالبنت مع الابن والأخت مع الأخ؛ لأنهما ذكرٌ وأُنثى من جنس واحد، وقد أعطى اللَّه [سبحانه](1) الزوجَ ضِعْفَ ما أعطى الزوجة تفضيلًا لجانب الذُكورية، وإنما عدل عن هذا في ولد الأم لأنهم يُدْلُون بالرحم المجرَّدِ ويُدْلُون بغيرهم وهو الأم، وليس لهم تعصيبٌ [بحال](2)، بخلاف الزوجين والأبوين والأولاد، فإنهم يُدْلُون بأنفسهم، وسائر العصبة يُدْلون بذكرٍ كولدِ البنين وكالإخوةِ للأبوين أو للأب، فإعطاءُ الذَّكرِ مثلُ حَظِّ الأنثيين معتبرٌ فيمن يُدْلي بنفسه أو بعصبة؛ وأما مَنْ يُدلي بالأمومة كولد الأم فإنه لا يُفضَّلُ ذكرُهم على أنثاهم، وكان الذكر كالأنثى في الأخذ، وليس الذكر كالأنثى في باب الزوجية ولا في باب الأبوة ولا البنوة ولا الأخوة؛ فهذا هو الاعتبارُ الصحيحُ، والكتاب يدل عليه كما تقدم بيانه.
وقد تناظر ابنُ عباس وزيد بن ثابت في العمريتين، فقال له ابن عباس: أين في كتاب اللَّه ثُلثُ ما بقي؟ فقال زيد: وليس في كتاب اللَّه إعطاؤها الثلث كله مع الزوجين (3)، أو كما قال، بل كتابُ اللَّه يمنعُ إعطاءَها الثلث مع أحد الزوجين؛ فإنه لو أعطاها الثلثَ مع الزوج لقال: فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث، فكانت تستحقه مطلقًا، فلما خَصَّ الثلثَ ببعض الأحوال عُلم أنَّها لا تستحقه مطلقًا، ولو أعطيته مطلقًا لكان قولُه:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] زيادة في اللفظ ونقصًا في المعنى، وكان ذِكْرُه عديمَ الفائدة، ولا يمكن أن تُعطى السدس [لأنه إنما جُعلَ لها مع الولد أو الإخوة، فدل القرآن على أنها لا تُعطى السدس](4) مع أحد
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق).
(3)
رواه عبد الرزاق (19020)(10/ 254)، وابن أبي شببة (7/ 327 - 328 - دار الفكر)، والبيهقي (6/ 228)، وابن حزم (9/ 261 - 262) من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة عن ابن عباس. . . وفيه: في كتاب اللَّه تجد هذا؟! وإسناده صحيح.
ورواه الدارمي (2/ 346) نحوه من طريق شعبة عن الحكم عن عكرمة به ورواته ثقات.
ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبدة عن الأعمش عن ابن عباس.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
الزوجين ولا تعطى الثلث؛ وكان قسمةُ ما بقي بعد فرض الزوجين بين الأبوين مثلَ قسمةِ أَصلِ المال بينهما، وليس بينهما فرقٌ أصلًا لا في القياس ولا في المعنى.
فإن قيل: فهل هذه دلالةٌ خطابيةٌ لفظية أو قياسية محضة؟
قيل: هي ذات وجهين؛ فهي لفظيةٌ من جهةِ دلالةِ الخطاب، وضمِّ بعضه إلى بعض، واعتبارِ بعضِه ببعض؛ وقياسيةٌ من جهة اعتبار المعنى، والجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين، وأكثر دلالات النصوص كذلك كما في قوله:"مَنْ أعتق شِرْكًا [له] في عبد"(1) وقوله: "أيما رجل وَجَدَ مَتَاعَه بعينِه عند رجلٍ قد أفْلَسَ فهو أحقُّ به"(2) وقوله: "من باع شركًا له في أرض أو رَبْعة (3) أو حائط (4) " حيث يتناول الحوانيت؛ وقوله (5): {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 23] فخص الإناث باللفظ، إذ كُنَ سببَ النزول، فنَصَّ عليهن بخصوصهن، وهذا أصح من فَهْم من قال من أهل الظاهر: المرادُ بالمحصناتِ: الفروجُ المحصناتُ، فإن هذا لا يفهمه السامع من هذا اللفظ ولا من قوله:{وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25] ولا من قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
(1) تمام الحديث: "وكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّمَ عليه العَدْل، فأعطى شركاءَهُ حصصهم وعتق عليه العبد، وإلَّا؛ فقد عتق منه ما عتق".
أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب الشركة): باب تقويم الأشياء بين الشركاء (5/ 132/ رقم 2491)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب العتق): باب منه (/ 2/ 1139 رقم 1501)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الأحكام): باب العبد يكون بين الرجلين (3/ 629/ رقم 1346)، وأبو داود في "السنن" (كتاب العتق): باب مَنْ رَوى أنه لا يُستسعى (4/ 256 / رقم 3940)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب البيوع): باب الشركة في الرقيق (7/ 319)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب العتق): باب من أعتق شركًا له في عبد (2/ 844/ رقم 2527)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
رواه البخاري (2402) في (الاستقراض): باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض، ومسلم (1559) في (المساقاة): باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس، من حديث أبي هريرة.
(3)
"الربع: المنزل، والربعة أخص"(و).
(4)
رواه أحمد (3/ 312 و 397)، ومسلم (1608) (133) في (المساقاة): باب الشفعة من حديث جابر، ولفظه:"من كان له شريك في رَبْعة أو نخل. . . "، وفي مسلم بلفظ:"الشفعة في كل شِرك في أرض رَبْع أو حائط. . . ".
(5)
في (ق): "وقوله تعالى".