الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عبد اللَّه بن المعتز (1): لا فرق بين بهيمةٍ تنقادُ وإنسان يقلِّد (2).
ثم ساق من "جامع (3) ابن وهب": أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن بكر بن عمرو (4)، عن عَمرو بن أبي نَعيمة (5)، عن مسلم بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مَقْعده من النار، ومَنْ استشار أخاه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه، ومن أُفتي بفُتيا بغير ثبت فإنما إثمه (6) على من أفتاه"(7) وقد تقدم هذا الحديث من رواية أبي داود (8).
وفيه دليل على تحريم الإفتاء بالتقليد، فإنه إفتاء بغير ثبت؛ فإن الثبتَ الحجةُ التي يثبتُ بها الحكم باتفاق الناس كما قال أبو عمر (9):
[الاحتجاج على من أجاز التقليد بحجج نظرية]
" وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية بعد ما تقدم، فأحْسن ما رأيت من ذلك قول المزني (10)، وأنا أورده، قال: يُقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حَكمتَ به؟ فإن قال: "نعم" بطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: "حكمت به (11) بغير حجة" قيل له: فلم أرَقْت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حَرَّم اللَّه ذلك إلا بحجة؟ قال اللَّه عز وجل: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: 68]
(1) في جميع النسخ: "ابن المعتمر"!، والتصويب من "الجامع" لابن عبد البر.
(2)
ذكره ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 989).
(3)
في المطبوع: "من حديث جامع".
(4)
في (ك) و (ق): "عمر".
(5)
في (ك) و (ق): "نعمة".
(6)
في المطبوع: "إثمها" وكذا في "الجامع".
(7)
رواه ابن عبد البر في "الجامع"(1889) من طريق ابن وهب به.
ورواه ابن أبي شيبة (8/ 762)، وأحمد (2/ 321)، والطحاوي في "المشكل"(411)، والطبراني في "طرق حديث من كذب علي. . . "(82)، وابن الجوزي في "مقدمة الموضوعات"(1/ 74)، من طريق سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة به وإسناده حسن.
وقد مضى تخريجه بأطول مما هنا.
(8)
في (ن) و (ك): "ابن داود"! وانظر ما مضى (ص 439).
(9)
في "لجامع"(2/ 992 - 993 - ط دار ابن الجوزي).
(10)
في (ق) و (ك): "قول المبرك"، وأسند الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 69 - 70) قول المزني عنه.
(11)
في مطبوع "الجامع": "فيه".
أي: من حجة بهذا فإن قال: "أنا أعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة لأني قَلَّدتُ كبيرًا من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خَفِيت عليّ" قيل له: إذا جاز تقليد مُعلِّمك لأنه لا يقول إلا بحجة خَفِيت عليك فتقليدُ معلِّم مُعلِّمك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلِّمك كما لم يقل إلا بحجة خفيت عليك، فإن قال:"نعم" ترك تقليد [معلمه إلى تقليد](1) معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي [الأمر](1) إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإن أبي ذلك نَقَضَ قَوْلَه، وقيل له: كيف تُجوِّز تقليدَ مَنْ هو أصغر وأقل علمًا ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علمًا وهذا تناقض؟ فإن قال: "لأن معلمي -وإن كان أصغر- فقد جَمَعَ عِلْم مَنْ هو فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك" قيل له: وكذلك من تَعَلمَ من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه، فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى عِلْمك، فإن قلّد قوله (2) جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع، والتابعٍ من دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى أبدًا، وكفى يقول يؤول إلى هذا تناقضًا وفسادًا" (3).
قال أبو عمر: قال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو به (4)، فمن بأن له الشيء فقد علمه، قالوا: والمُقلِّد لا علم له، ولم يختلفوا [في ذلك](5)، ومن هاهنا واللَّه [أعلم] (5) قال البحتري (6):
(1) ما بين المعقوفتين سقط من مطبوع "الجامع"، والصواب إثباته.
(2)
في مطبوع "الجامع": "فإن فاد قوله"، وأشار (ق) أنه في نسخة:"فإن قلت قوله".
(3)
في مطبوع "الجامع": "قبحًا وفسادًا".
(4)
انظر: حد العلم في "الحدود"(14) للباجي، و"رسائل ابن حزم"(4/ 413)، و"الكليات" للكفوي (3/ 205 - 213)، و"المحصول"(1/ 83 - 86)، و"محصل أفكار المتقدمين للمتأخرين"(144)، و"التفسير الكبير"(2/ 201 - 203) جميعها للرازي، و"التعريفات" للجرجاني (199)، و"المواقف"(9 - 11) للإيجي، و"التوقيف على مهمات التعريف"(ص 523 - 524)، و"البحر المحيط"(1/ 52 - 55)، و"الإرشاد"(33) للجويني، و"إرشاد الفحول"(3 - 4) للشوكاني.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
نسبهما له ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 993) وأفاد أنه قالهما في محمد بن عبد الملك الزيات.