الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم ينفض ترابًا إلا كنت منه بمرأى ومسمع، فإن نكثه أرمت1 قواه، وإن أرمه فصمت2 عراه، بغرب3 مِقْوَلٍ لا يُفَلُّ حده، وأصالة رأي كمتاح4 الأجل لا وزر منه، أصدع5 به أديمه، وأفل به شبا حده، وأشحذ به عزائم المعتنز6، وأزيح به شُبَه الشاكِّين".
1 أرم الحبل: فتله شديدًا.
2 حللت.
3 الغرب: حد كل شيء، والمقول: اللسان.
4 من إضافة الصفة للموصوف أي كالأجل المتاح: أي المقدر. والوزر: الملجأ.
5 أشق، والأديم: الجلد، وهو كناية عن غلبته إياه وانتصاره عليه.
6 في الأصل "المتقيز" وقد بحثت في كتب اللغة عن مادة "قيز" فلم أجد هذه المادة، فقلبت الكلمة على الأوجه التي يظن أنها محرفة عنها، ورجح لدى أنها محرفة من "المعتنز" من اعتنز: أي تنحى وانفرد، يريد الذين تنحوا عن الفتنة والنزاع بين علي ومعاوية وكانوا محايدين:
95-
مقال عمرو بن العاص:
فقال عمرو بن العاص: "هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم1 أول الشر، وأُفُول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادته، فبادره بالجملة، وانتهز منه الفرصة، واردع بالتنكيل به غيره، وشرد به من خلفه".
1 ظهور "مصدر نجم".
96-
جواب ابن عباس:
فقال ابن عباس: "يابن النابغة، ضل والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دُعِيَتْ نَزَالِ1 وتكافَحَ الأبطالُ، وكثرتِ الجراحُ، وتقصفت الرماحُ، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا، فانكفأ نحوك بالسيف حاملا، فلما رأيت الكواثرَ2 من الموت، أعددت حيلة السلامة
1 نزال: اسم فعل بمعنى أنزل، أي حين قال الأبطال بعضهم لبعض: نزال.
2 جمع كوثر، وهو الكثير من كل شيء والنهر.
قبل لقائه، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه، فمنحته رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوءتك، حذرًا أن يصطلمك1 بسطوته، أو يلتهمك بحملته، ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته، وحسنت له التعرض لمكافحته، رجاء أن تكتفي مئونته، وتعدم صورته، فعلم غِلَّ صدرك، وما انْحَنَتْ عليه من النفاق أضلعك، وعرف مقر سهمك في غرضك، فاكفف غرب لسانك، واقمع عوراء2 لفظك، فإنك بين أسد خادر3، وبحر زاخر، إن تبرزت للأسد افترسك، وإن عمت في البحر قَمَسَك4".
1 اصطلمه: استأصله.
2 العوراء: الكلمة أو الفعلة القبيحة.
3 الخدر: أجمة الأسد ومنه قيل أسد خادر.
4 غمسك وأغرقك.
97-
مقال مروان بن الحك م: 1
فقال مروان بن الحكم: "يابن عباس إنك لتصرف2 بنابك، وتُورِي نارك، كأنك ترجو الغلبة، وتؤمل العاقبة، ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم، لتناولكم بأقصر أنامله، فأوردكم منهلا بعيدا صدره3، ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم، ولئن عفا عن جرائركم لقديمًا ما نسب إلى ذلك".
1هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ولد بمكة سنة اثنتين للهجرة، واستعمله معاوية على المدينة ومكة والطائف، وولي الخلافة بعد موت معاوية الثاني سنة 64هـ ومات بالشام في 3 رمضان سنة 65، وكانت ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا.
2 صرفتِ البكرة تصرف كضرب صريفًا: صوت عند الاستقاء، وهو أيضًا صرير الباب وناب البعير.
3 الصدر: الرجوع.
98-
جواب ابن عباس:
فقال ابن عباس: "وإنك لتقول ذلك يا عدو الله، وطريد رسول الله1 صلى الله عليه وسلم، والمباح دمه2، والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه3، وركوب أثباجه4، أما والله لو طلب معاوية ثأره لأخذك به، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله وآخره، وأما قولك لي: إنك لتصرف بنابك، وتوري نارك، فسل معاوية
1 يريد "ويا طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبيك" أو "ويا بن طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فإن المحقَّق أن طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبوه الحكم بن أبي العاص، وذلك أنه قدم المدينة بعد الفتح -وكان قد أسلم يوم الفتح- فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وقال:"لا تساكني في بلد أبدا" لوقيعته فيه، قيل: كان يتسمع سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلع عليه من باب بيته، وإنه هو الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقأ عينه بمدرى في يده لما اطلع عليه من الباب، وقيل: كان يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيته وبعض حركاته -وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيته- فالتفت يومًا فرآه، وهو يتخلج في مشيته، فقال "كن كذلك" فلم يزل يرتعش في مشيته من يومئذ، وطرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنه وأبعده حتى صار مشهورًا بأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل منفيا حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولي أبو بكر الخلافة قيل له في الحكم ليرده إلى المدينة، فقال:"ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكذلك عمر، فلما ولي عثمان الخلافة -والحكم عمه- رده، وقال:"كنت قد شفعت فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعدني برده" وقد توفي في خلافة عثمان، أما مروان فلم ير النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي أباه -وقد ولد بمكة سنة اثنتين للهجرة- وقيل إنه ولد بالطائف إبان نفي أبيه بها.
2 أي في فتنة عثمان، وذلك أن الثوار بعد أن هدأ الإمام عليٌّ ثائرتهم خرجوا عن المدينة، ولكنهم في أثناء رجوعهم ضبطوا غلام عثمان، ومعه كتاب إلى عامل مصر يأمره فيه بقتلهم، فعادوا إلى المدينة ثانية، وكانوا يعتقدون أن مروان هو الذي كتب ذلك الكتاب، وقد سألوا عثمان أن يسلم إليهم مروان، فأبى أن يسلمه وخشي عليه القتل.
3 جمع ودج "محركة" وهو عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح، فلا يبقى معه حياة.
4 جمع ثبج "محركة" وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.