الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخاصمة ومهاجاة
مدخل
…
مخاصمة ومهاجاة:
بين الحسن بن علي، وبين عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، بحضرة معاوية:
قال ابن أبي الحديد: روى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات قال:
"اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليه السلام قوارص1، وبلغه عنهم مثل ذلك، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن الحسن قد أحيا أباه وذكره، وقال فصدق، وأمر فأطيع، وخفقت2 له النعال، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا. قال معاوية: فما تريدون؟ قالوا: ابعث إليه فليحضر لنسبَّه ونسبَّ أباه ونعيره ونوبخه، ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك، ولا يستطيع أن يغير علينا شيئًا من ذلك. قال معاوية: إني لا أرى ذلك ولا أفعله، قالوا: عزمنا عليك يا أمير المؤمنين لتفعلن، فقال: ويحكم لا تفعلوا، فوالله ما رأيته قط جالسًا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي قالوا: ابعث إليه على كل حال. قال: إن بعثت إليه لأنصفنه منكم، فقال عمرو بن العاص: أتخشى أن يأتي باطله على حقنا، أو يُرْبَى قوله على قولنا؟ قال معاوية: أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أن يتكلم بلسانه كله. قالوا: مره بذلك، قال: أما إذا عصيتموني وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك، فلا تمرضوا3 له
1 القوارص من الكلام: التي تنغصك وتؤلمك.
2 الخفق: صوت النعل.
3 تمرض: ضعف في أمره.
في القول، واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار، ولكن اقذفوه بحجره؛ تقولون له: إن أباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء من قبله؛ فبعث إليه معاوية، فجاءه رسوله. فقال: إن أمير المؤمنين يدعوك، قال: من عنده؟ فسماهم، فقال الحسن عليه السلام: ما لهم؟ خَرَّ عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، ثم قال: يا جارية ابغيني ثيابي، اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأدرأ1 بك في نحورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم كيف شئت، وأنى شئت، بحول منك وقوة، يا أرحم الراحمين، ثم قام، فلما دخل على معاوية أعظمه وأكرمه، وأجلسه إلى جانبه، وقد ارتاد2 القوم، وخَطَرُوا3 خَطَران الفحول، بَغْيًا في أنفسهم وعلوًّا، ثم قال: يا أبا محمد، إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني. فقال الحسن عليه السلام: سبحان الله! الدار دارك، والإذن فيها إليك؛ والله إن كنت أجبتهم إلى ما أرادوا وما في أنفسهم إني لأستحيي لك من الفحش، وإن كانوا غلبوك على رأيك إني لأستحيي لك من الضعف، فأيهما تقر وأيهما تنكر؟ أما إني لو علمت بمكانهم جئت معي بمثلهم من بني عبد المطلب، وما لي أن أكون مستوحشًا منك أو منهم؟ إن وليي الله وهو يتولى الصالحين؛ فقال معاوية: يا هذا إني كرهت أن أدعوك، ولكن هؤلاء حملوني على ذلك مع كراهتي له، وإن لك منهم النَّصَفَ4 ومني، وإنما دعوناك لنقررك أن عثمان قتل مظلومًا، وأن أباك قتله، فاستمع منهم ثم أجبهم، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلم بكل لسانك، فتكلم عمرو بن العاص:
1 أدفع.
2 الارتياد: الذهاب والمجيء.
3 خطر الرجل في مشيته: رفع يديه ووضعها واهتز وتبختر، وخطر بسيفه ورمحه: رفعه مرة ووضعه أخرى خطرانا "بالتحريك"، وخطر الفحل بذنبه: ضرب به يمينا وشمالا.
4 الإنصاف والعدل.