الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السفيه الجاهل، فكفوا أيها الناس سفهاءكم، قبل أن يشمل البلاء عوامكم، وقد ذكر لي أن رجالًا منكم يريد أن يظهروا في المصر بالشقاق والخلاف، وايم الله لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا المصر إلا أبدتهم، وجعلتهم نكالًا لمن بعدهم؛ فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم، فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة والإعذار".
ثم نزل، وبعث إلى رؤساء الناس فدعاهم، ثم قال لهم:
"إنه قد كان من الأمر ما قد علمتم، وقد قلت ما قد سمعتم؛ فليكفني كل امرئ من الرؤساء قومه؛ وإلا فوالذي لا إله غيره لأتحولن عما كنتم تعرفون، إلى ما تنكرون وعما تحبون إلى ما تكرهون، فلا يلم لائم إلا نفسه، وقد أعذر من أنذر".
فخرجت الرؤساء إلى عشائرهم، فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على من يرون أنه يريد أن يهيج فتنة، أو يفارق جماعة، وجاء صعصعة بن صوحان، فقام في عبد القيس، فقال:
417-
خطبة صعصعة بن صوحان:
"يا معشر عباد الله: إن الله -وله الحمد كثيرًا- لما قسم الفضل بين المسلمين خصكم منه بأحسن القسم؛ فأجبتم إلى دين الله، الذي اختاره الله لنفسه، وارتضاه لملائكته ورسله، ثم أقمتم عليه حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم اختلف الناس بعده، فثبتت طائفة، وارتدت طائفة، وأدهنت طائفة، وتربصت طائفة، فلزمتم دين الله إيمانًا به وبرسوله، وقاتلتم المرتدين، حتى قام الدين، وأهلك الله الظالمين؛ فلم يزل الله يزيدكم بذلك خيرًا في كل شيء، وعلى كل حال، حتى اختلف الأمة بينها، فقالت طائفة: نريد طلحة والزبير وعائشة، وقالت طائفة: نريد أهل المغرب1، وقالت.
1 أي معاوية، وكان واليا على الشأم، وهي بالنسبة للعراق في المغرب.
طائفة: نريد عبد الله بن وهب الراسبي: راسب الأزد، وقلتم أنتم: لا نريد إلا أهل البيت، الذين ابتدأنا الله من قبلهم بالكرامة، تسديدًا من الله لكم وتوفيقًا؛ فلم تزالوا على الحق لازمين له، آخذين به، حتى أهلك الله بكم، وبمن كان على مثل هداكم ورأيكم الناكثين يوم الجمل، والمارقين يوم النهر، "وسكت عن ذكر أهل الشام لأن السلطان كان حينئذ سلطانهم"، ولا قوم أعدى لله ولكم، ولأهل بيت نبيك، ولجماعة المسلمين، من هذه المارقة الخاطئة، الذين فارقوا إمامنا1. واستحلوا دماءنا، وشهدوا علينا بالكفر؛ فإياكم أن تؤووهم في دوركم، أو تكتموا عليهم، فإنه ليس ينبغي لحي من أحياء العرب أن يكون أعدى لهذه المارقة منكم، وقد والله ذكر لي أن بعضهم في جانب من الحي، وأنا باحث عن ذلك وسائل، فإن كان حكي لي ذلك حقًا، تقربت إلى الله تعالى بدمائهم، فإن دماءهم حلال، ثم قال: يا معشر عبد القيس: إن ولاتنا هؤلاء هم أعرف شيء بكم وبرأيكم، فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلًا، إنهم أسرع شيء إليكم وإلى أمثالكم".
وأقبل أصحاب المستورد يأتونه، فليس منهم رجل إلا يخبره بما قام به المغيرة بن شعبة في الناس، وبما جاءهم رؤساؤهم وقاموا فيهم، وقالوا له: اخرج بنا فوالله ما نأمن أن نؤخذ في عشائرنا، فخرج بهم من الكوفة، ووجه المغيرة لقتالهم معقل بن قيس الرياحي؛ فلما علم المستورد بمسير معقل إليه جمع أصحابه.
"تاريخ الطبري 6: 106"
1 أي عليًا عليه السلام.