الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
217-
خالد بن يزيد وعبد الملك بن مروان:
روى أن عبد الله بن يزيد بن معاوية جاء إلى أخيه خالد بن يزيد في أيام عبد الملك فقال: لقد هممت اليوم يا أخي أن أفتك بالوليد بن عبد الملك، فقال له خالد: بئس والله ما هممت به في ابن أمير المؤمنين، وولي عهد المسلمين، فما ذاك؟ قال: إن خيلي مرت به، فعبث بها، وأصغرني، فقال له خالد: أنا أكفيك، فدخل على عبد الملك، والوليد عنده، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الوليد ابن أمير المؤمنين، وولي عهد المسلمين، مرت به خيل ابن عمه عبد الله بن يزيد فعبث بها وأصغره، وكان عبد الملك مطرقًا، فرفع رأسه، وقال:
{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} فقال خالد: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} . فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلمني؟ والله لقد دخل أمس علي، فما أقام لسانه لحنا، فقال خالد: أفعلى الوليد تعول يا أمير المؤمنين؟ قال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن، فإن أخاه سليمان، فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن، فإن أخاه خالد، فالتفت الوليد إلى خالد، وقال له: اسكت ويحك يا خالد! فوالله ما تعد في العير ولا في النفير، فقال خالد: اسمع يا أمير المؤمنين: ثم التفت إلى الوليد فقال له: ويحك: فمن صاحب العير والنفير غير جدي أبي سفيان صاحب العير، وجدي عتبة صاحب النفير1؟ ولكن لو قلت: غنيمات وحبيلات والطائف، ورحم الله عثمان لقلنا: صدقت2".
"شرح ابن أبي الحديد م1: ص11، وتهذيب الكامل 1: 302 ومجمع الأمثال 2: 115".
1 انظر ص147
2 وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طرد الحكم بن أبي العاص "جد عبد الملك" إلى الطائف -انظر ص104- أقام بها، فكان يرعى غنيمات اتخذها يشرب من لبنها، ويأوى إلى حبيلة "مصغر حبلة كفرصة: وهي الكرمة" وقوله: رحم الله عثمان: أي لرده إياه، وقد أبى أبو بكر وعمر أن يرداه.
218-
خالد بن عبد الله بن أسيد 1 وعبد الملك بن مروان:
جلس يومًا عبد الملك بن مروان، وعند رأسه خالد بن عبد الله بن أسيد، وعند رجليه أمية بن عبد الله بن أسيد، وأدخلت عليه الأموال التي جاءت من قبل الحجاج حتى وضعت بين يديه فقال:
"هذا والله التوفير، وهذه الأمانة، لا ما فعل هذا، "وأشار إلى خالد" استعملته على العراق، فاستعمل كل مُلِطٍّ2 فاسق، فأدوا إليه العشرة واحدًا، وأدى إلي من العشرة واحدًا، واستعملت هذا على خراسان "وأشار إلى أمية3" فأهدى إلي بِرْذَوْنَيْنِ حَطِمَيْنِ4، فإن استعملتكم ضيعتم، وإن عزلتكم قلتم: استخف بنا، وقطع أرحامنا".
فقال خالد بن عبد الله: "استعملتني على العراق، وأهله رجلان: سامع مطيع مناصح، وعدو مبغض مكاشح5، فأما السامع المطيع المناصح فإنا جزيناه، ليزداد ودا إلى وده؛ وأما المبغض المكاشح، فإنا داريناه ضغنه، وسللنا حقده، وكثرنا لك المودة في صدور رعيتك، وإن هذا جبى الأموال، وزرع لك البغضاء في قلوب الرجال، فيوشك أن تنبت البغضاء فلا أموال ولا رجال".
فلما خرج ابن الأشعث قال عبد الملك: "هذا والله ما قال خالد".
"العقد الفريد 2: 117".
1 هو خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وقد ولاه عبد الملك بن مروان بعد قتل مصعب بن الزبير على البصرة وأعمالها سنة 71هـ، وعزله عنها سنة 74، وولاها أخاه بشر بن مروان، وكان على ولاية الكوفة، فصارت ولايتها وولاية الكوفة إليه.
2 لط حقه وألطه: جحده.
3 هو أمية بن عبد الله أخو خالد هذا، ولاه عبد الملك على خراسان، حتى كانت سنة 78 فعزله، وجمع سلطانه الحجاج، فبعث المهلب بن أبي صفرة إليها.
4 فرس حطم ككتف: إذا هزل وأسن، فضعف، وتهدم.
5 الكاشح: الذي يضمر لك العدواة، كشح له بالعداوة وكاشحه بمعنى.
خطبة الأحنف بن قيس
…
في رحالكم، لإطفاء حشيشتكم1، وسل سخيمتكم2، ولكم الحكم مرسلًا3، فقولوا، على أحلامنا وأموالنا؛ فإنه لا يتعاظمنا4 ذهاب شيء من أموالنا كان فيه صلاح بيننا"، فقالوا: أتدون صاحبنا عشر ديات؟ قال: هي لكم، فانصرف الناس واصطلحوا5"
وروى الجاحظ وابن عبد ربه هذه الخطبة بصورة أخرى، وها هي ذي:
قال بعد حمد الله والثناء عليه: "يا معشر الأزد وربيعة، أنتم إخواننا في الدين وشركاؤنا في الصِّهر، وأشقاؤنا في النسب، وجيراننا في الدار، ويدنا على العدو، واللهِ لأزدُ البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشأم، فإن استشرف شنآنُكم6، وأبى حسدُ صدوركم، ففي أموالنا، وسعة أحلامنا، لنا ولكم سعة".
"تاريخ الطبري 8: 31، والبيان والتبيين 2: 68، والعقد الفريد 2: 157"
1 أي ناركم الموقدة. من حش النار: أوقدها، فهي فعيلة بمعنى مفعولة "وإن كانت لم ترد في كتب اللغة بهذا المعنى، لكن القياس لا يمنعها، والوارد: الحشيشة طاقة الكلأ".
2 السخيمة: الحقد.
3 أي مطلقًا كما تشاءون.
4 تعاظمه: عظم عليه.
5 واجتمع أهل البصرة على أن يجعلوا عليهم منهم أميرًا يصلي بهم حتى يجتمع الناس على إمام، فجعلوا عبد الملك بن عبد الله بن عامر شهرًا ثم جعلوا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب -وهو ببة- فصلى بهم شهرين، ثم قدم عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر من قبل ابن الزبير، فمكث شهرًا، ثم قدم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المعروف بالقياع، ثم مصعب بن الزبير، أما أهل الكوفة؛ فإنهم لما ردوا وفد البصرة ولوا عليهم عامر بن مسعود القرشي، ثم قدم عليهم عبد الله بن يزيد الأنصاري من قبل ابن الزبير كما تقدم.
6 استشرف: انتصب، أي زاد واستحكم، والشنآن: البغض والكراهية.