الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم، وأدخلنا وإياكم جنات النعيم.
"مفتاح الأفكار ص270".
476-
وصية عبد الملك بن مروان لبني أمية:
وقال عبد الملك بن مروان: "يا بني أمية: ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، فإن خير المال ما أفاد حمدًا، أو نفى ذمًّا، ولا يقولن أحدكم: ابدأ بمن تعول، فإنما الناس عيال الله، قد تكفل الله بأرزاقهم، فمن وسع أخلف الله عليه، ومن ضيق ضيق الله عليه".
"الأمالي 2: 32".
477-
وصية عبد الله بن شداد لابنه:
1
لما حضرت عبد الله بن شداد الوفاة، دعا ابنا له يقال له محمد، فقال:
"يا بني، إني أرى داعي الموت لا يقلع، وأرى من مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع2، وإني موصيك بوصية فاحفظها، عليك بتقوى الله العظيم، وليكن أولى الأمور بك شكر الله، وحسن النية في السر والعلانية، فإن الشكور يزداد، والتقوى خير زاد، وكن كما قال الحطيئة:
ولست أرى السعادة جمع مال
…
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا
…
وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب
…
ولكن الذي يمضي بعيد
1 هو عبد الله بن شداد بن الهادي، واسمه أسامة الليثي، خرج مع القراء في فتنة ابن الأشعث على الحجاج، قيل: إنه غرق بدجيل، وقيل: هلك هو وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الجماجم، اقتحم بهما فرساهما الماء فذهبا.
2 يشتاق.
ثم قال: أي بني، لا تزهدن في معروف، فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب، على الشاهد والغائب، فكم من راغب أصبح مطلوبا ما لديه، واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان ير الهوان، وكن أي بني كما قال أبو الأسود الدؤلي:
وعد من الرحمن فضلا ونعمة
…
عليك، إذا ما جاء للعرف طالب1
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده
…
يكن هينا ثقلا على من يصاحب
فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالبا
…
فإنك لا تدري متى أنت راغب
رأيت التِوا هذا الزمان بأهله
…
وبينهم فيه تكون النوائب2
ثم قال: أي بني، كن جوادا بالمال في موضع الحق، بخيلا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، وإن أحمد بخل الحرّ الضنّ3 بمكتوم السر، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:
أجود بمكنون التلاد وإنني
…
بسرك عمن سالني لضنين4
إذا جاوز الاثنين سر فإنه
…
بنث، وتكثير الحديث قمين5
وعندي له يوما إذا ما ائتمنتني
…
مكان بسوداء الفؤاد مكين6
ثم قال: أي بني، وإن غلبت يوما على المال، فلا تدع الحيلة على حال، فإن الكريم يحتال، والدني عيال7، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا، أقل
1 العرف: المعروف.
2 التوا أصله التواء؛ قصره؛ لضرورة الشعر، التوى به الزمان: اعوج.
3 الضن بالكسر والضنانة بالفتح: البخل.
4 سال يسال من باب خاف لغة في سأل المهموز، وليس مسهلا للوزن كما ظن بعضهم.
5 نث الحديث: أفشاه، وقين: جدير، وقطع همزة الإثنين؛ للضرورة.
6 سوداء الفؤاد؛ وسويداؤه، وسواده، وأسوده: حيته.
7 العيال جمع عيل كجيد: وهو ما يلزم الإنفاق عليه، ويكون اسما للواحد "كما استعمله هنا".
ما تكون في الباطن مالا، فإن الكريم من كرمت طبيعته، وظهرت عند الإنفاد1 نعمته، وكن كما قال ابن خذاق العبدي2:
وجدت أبي قد اورثه أبوه
…
خلالا قد تعد من المعالي3
فأكرم ما تكون علي نفسي
…
إذا ما قل في الأزمات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي
…
ويجمل عند أهل الرأي حالي
وإن نلت الغنى لم أغلُ فيه
…
ولم أخصص بجفوتي الموالي4
ثم قال: أي بني، وإن سمعت كلمة من حاسد، فكن كأنك لست بالشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها5، رجع العيب على من قالها، وكان يقال: الأريب العاقل، هو الفطن المتغافل، وكن كما قال حاتم الطائي:
وما من شيمتي شتم ابن عمي
…
وما أنا مخلف من يرتجيني
وكلمة حاسد في غير جرم
…
سمعت فقلت مري فانفذيني6
فعابوها علي ولم تسؤني
…
ولم يعرق لها يوما جبيني
وذو اللونين يلقاني طليقا
…
وليس إذا تغيب يأتليني7
سمعت بعيبه فصفحت عنه
…
محافظة على حسبي وديني
ثم قال: أي بني، لا تؤاخ امرأ حتى تعاشره، وتتفقد موارده ومصادره، فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة8، فواخه على إقالة العثرة؛ والمواساة في العسرة، وكن كما قال المقنع الكندي:
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم
…
وتوسمن فعالهم وتفقد
1 الفقر.
2 هو يزيد بن خذاق شاعر قديم.
3 ينقل حركة الهمزة من أورثه إلى الدال من قد.
4 الموالي جمع مولى: هو هنا القريب.
5 قعد حياله وبحياله: بإزائه، أي إن تركتها تجري في مجراها.
6 نفذهم: جازهم.
7 ائتلى: قصر، أي لا يقصر في نهشي عرضي.
8 الخبر والخبرة بكسر الحاء فيهما، ويضمان: العلم بالشيء كالاختيار.
فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى
…
فبه اليدين "قرير عين" فاشدد1
وإذا رأيت "ولا محالة" زلة
…
فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد
ثم قال: أي بني، إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تشطط2، فإنه قد كان يقال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما، وكن كما قال هدبة بن الخشرم العذري:
وكن مغفلا للحلم واصفح عن الخنا
…
فإنك راءٍ ما حييت وسامع3
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا
…
فإنك لا تدري متى أنت نازع4
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا
…
فإنك لا تدري متى أنت راجع
وعليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار، فإنه عار، وكن كما قال الشاعر:
اصحب الأخيار وارغب فيهم
…
رب من صاحبته مثل الجرب
ودع الناس فلا تشتمهم
…
وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب
إن من شاتم وغدا كالذي
…
يشتري الصفر بأعيان الذهب5
واصدق الناس إذا حدثتهم
…
ودع الناس فمن شاء كذب
"الأمالي 2: 204، والبيان والتبيين 2: 57، 138"
1 لب من باب تعب، وفي لغة كقرب مع الفتح في المضارع لبابة: أي صار ذا لب بالضم وهو العقل.
2 شط في حكمه، وأشط: جار.
3 المعقل: الملجأ، والخنا: الفحش.
4 نزع عن الشيء: انتهى عنه.
5 الصفر كقفل، وكسر الصاد لغة: النحاس.