الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
437-
خطبة صالح بن مسرح:
1
وروى الطبري في تاريخه قال:
كان صالح بن مسرح يرى رأى الصفرية2، وكان رجلًا ناسكًا مخبتًا3، مصفر الوجه، صاحب عبادة، وكان بدارًا4 وأرض الوصل والجزيرة، له أصحاب يقرئهم القرآن، ويفقههم ويقص عليهم، وكان قصصه:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، اللهم إنا لا نعدل بك، ولا نحفد5 إلا إليك، ولا نعبد إلا إياك، لك الخلق والأمر، ومنك النفع والضر، وإليك المصير، ونشهد أن محمدًا عبدك الذي اصطفيته، ورسولك الذي اخترته وارتضيته لتبليغ رسالاتك، ونصيحة عبادك، ونشهد أنه قد بلغ الرسالة، ونصح للأمة، ودعا إلى الحق، وقام بالقسط، ونصر الدين، وجاهد المشركين، حتى توفاه الله صلى الله عليه وسلم.
أوصيكم بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وكثرة ذكر الموت، وفراق الفاسقين، وحب المؤمنين، فإن الزهادة في الدنيا ترغب العبد فيما عند الله،
1 هو صالح بن مسرح أحد بني امرئ القيس، وهو زعيم فرقة من الخوارج الصفرية، تسمى:"الصالحية" نسبة إليه: وقد خرج على بني أمية سنة 76هـ؛ فبعث إليه محمد بن مروان أمير الجزيرة جيشًا بقيادة عدي بن عدي بن عميرة فهزمه صالح ونزل عسكره وحوى ما فيه، وبعث محمد بن مروان إليهم جيشًا آخر فقاتلهم؛ فخرجوا من أرض الجزيرة إلى الموصل، فسرح إليهم الحجاج جيشًا يقوده الحارث بن عميرة فحاربهم وقتل في المعركة صالح.
2 الصفرية: فرقة من الفرق الرئيسية للخوارج، وهم أصحاب زياد بن الأصفر، وقيل نسبوا إلى عبد الله بن صفار، وقيل لأنهم نهكتهم العبادة أو لخلوهم من الدين وليس هذا موضع تفصيل عقائدهم.
3 أخبت لله: خشع وتواضع.
4 دارا: بلد بين نصيبين وماردين من أرض الجزيرة.
5 حفد كضرب: خف وأسرع.
وتفرغ بدنه لطاعة الله، وإن كثرة ذكر الموت تخيف العبد من ربه، حتى يجأر1 إليه ويستكين له، وإن فراق الفاسقين حق على المؤمنين، قال الله في كتابه:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} ، وإن حب المؤمنين للسبب الذي ينال به كرامة الله ورحمته وجنته، جعلنا الله وإياكم من الصادقين الصابرين؛ ألا إن من نعمة الله على المؤمنين أن بعث فيهم رسولًا من أنفسهم؛ فعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم وطهرهم، وفقههم في دينهم، وكان بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، حتى قبضه الله، صلوات الله عليه، ثم ولي الأمر من بعده التقي الصديق، على الرضا من المسلمين، فاقتدى بهديه، واستن بسنته، حتى لحق بالله رحمه الله، واستخلف عمر فولاه الله أمر هذه الرعية؛ فعمل بكتاب الله، وأحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحنق في الحق على جرته2، ولم يخف في الله لومة لائم؛ حتى لحق به رحمة الله عليه، وولي من بعده عثمان، فاستأثر بالفيء، وعطل الحدود، وجار في الحكم، واستذل المؤمن، وعزر المحرم؛ فسار إليه المسلمون فقتلوه، فبرئ الله منه ورسوله وصالح المؤمنين، وولي أمر الناس من بعده علي بن أبي طالب؛ فلم ينشب أن حكم في أمر الله الرجال، وشك في أهل الضلال، وركن3 وأدهن، فنحن من علي وأشياعه براء، فتيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة، وأئمة الضلال الظلمة، وللخروج من دار الفناء إلى دار البقاء، واللحاق بإخواننا المؤمنين الموقنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة، وأنفقوا أموالهم التماس رضوان الله في العاقبة، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإن القتل أيسر من الموت، والموت نازل بكم -غير ما ترجم الظنون- فمفرق بينكم وبين آبائكم وأبناكم وحلائلكم ودنياكم،
1 جأر إليه كمنع: رفع صوته بالدعاء، وتضرع واستغاث.
2 أحنق الصلب: لزق بالبطن. والجرة: ما يخرجه البعير من جوفه ويمضغه، كنى بذلك عن عدم إضماره الحقد والدغل.
3 ركن إليه: مال.