الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطب الخوارج وما يتصل بها:
412-
خطبة حيان بن ظبيان السلمي:
روى ابن جرير الطبري في تاريخه قال:
كان حيان بن ظبيان السلمي يرى رأي الخوارج -وكان ممن ارتُثّ1 يوم النهروان؛ فعفا عنه علي عليه السلام، في الأربعمائة الذين كان عفا عنهم، من المرتثين يوم النهر- فكان في أهله وعشيرته: لبث شهرا أو نحوه، ثم إنه خرج إلى الري، في رجال كانوا يرون ذلك الرأي؛ فلم يزالوا مقيمين بالري حتى بلغهم قتل علي كرم الله وجهه، دعا أصحابه أولئك، وكانوا بضعة عشر رجلًا، فأتوه، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الإخوان من المسلمين: إنه قد بلغني أن أخاكم ابن ملجم أخا مراد قعد لقتل علي بن أبي طالب عند أغباش2 الصبح، مقابل السدة3 التي في المسجد مسجد الجماعة؛ فلم يبرح راكدًا ينتظر خروجه، حتى خرج عليه حين أقام المقيم الصلاة: صلاة الصبح، فشد عليه، فضرب رأسه بالسيف، فلم يبق إلا ليلتين حتى مات".
فقال سالم بن ربيعة العبسي: لا يقطع الله يمينًا علت قَذَالَه4 بالسيف؛ فأخذ القوم يحمدون الله على قتله عليه السلام، ورضي الله عنه ولا رضي عنهم ولا رحمهم، ثم إن حيان بن ظبيان قال لأصحابه:
1 ارتث: حمل من المعركة رثيثا، أي جريحا وبه رمق.
2 أغباش جمع غبش بالتحريك: وهو ظلمة آخر الليل.
3 السدة: باب الدار، وهي هنا ما يبقى من الطاق المسدود.
4 القذال: جماع مؤخر الرأس.
"إنه والله ما يبقى على الدهر باق، وما يلبث الليالي والأيام، والسنون والشهور على ابن آدم، حتى تذيقه الموت، فيفارق الأخوان الصالحين، ويدع الدنيا التي لا يبكي عليها إلا العجزة، ولم تزل ضارة لمن كانت له هما وشجنًا1، فانصرفوا بنا رحمكم الله إلى مصرنا، فلنأت إخواننا، فلندعهم إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإلى جهاد الأحزاب؛ فإنه لا عذر لنا في القعود، وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، وثأرنا2 الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون، فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي أهدى وأرضى وأقوم، ويشفى الله بذلك صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فإن في مفارقة الظالمين راحة لنا، ولنا بأسلافنا أسوة".
فقالوا له: كلنا قائل ما ذكرت، وحامد رأيك الذي رأيت، فرد بنا المصر، فإنا معك راضون بهداك وأمرك، فخرج وخرجوا معه مقبلين إلى الكوفة، حتى نزلها، فلم يزل بها حتى قدم معاوية، وبعث المغيرة بن شعبة واليا على الكوفة.
"تاريخ الطبري 6: 99"
1 الشجن: الهم والحزن.
2 الثأر: قاتل حميمك.