الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنيسًا، ذهب الناس وبقي النسناس1، لو تكاشفتم ما تدافنتم، تهاديتم الأطباق، ولم تتهادوا النصائح، قال ابن الخطاب:"رحم الله امرأ أهدى إلينا مساوينا" أعدوا الجواب، فإنكم مسئولون، المؤمن من لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكنه أخذه من قبل ربه، إن هذا الحق قد جهد أهله، وحال بينهم وبين شهواتهم، وما يصبر عليه إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته، فمن حمد الدنيا ذم الآخرة، وليس يكره لقاء الله إلا مقيم على سخطه.
يابن آدم: الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب، وصدقه العمل.
"البيان والتبيين 3: 68 وعيون الأخبار م2 ص344، وشرح ابن أبي الحديد م1: ص469".
1 في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ذهب الناس وبقي النسناس" قيل: فما النسناس؟ قال: "الذين يتشبهون بالناس، وليسوا من الناس" ولهم في تفسير النسناس كلام كثير، منه: أنهم خلق على صورة الناس خالفوهم في أشياء، وليسوا منهم.
460-
خطبة أخرى:
وكان إذا قرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ 1} قال:
عم ألهاكم؟ عن دار الخلود، وجنة لا تبيد2، هذا والله فضح القوم، وهتك الستر، وأبدى العوار3، تنفق مثل دينك في شهواتك سرفًا، وتمنع في حق الله درهمًا! ستعلم يا لكع4، الناس ثلاثة: مؤمن، وكافر، ومنافق؛ فأما المؤمن: فقد ألجمه الخوف وقومه ذكر العرض؛ وأما الكافر: فقد قمعه السيف، وشرده الخوف، فأذعن بالجزية، وسمح بالصربية؛ وأما المنافق: ففي الحجرات والطرقات، يسرون غير ما يعلنون، ويضمرون غير ما يظهرون، فاعتبروا إنكارهم ربهم، بأعمالهم الخبيثة، ويلك؟ قتلت وليه، ثم تتمنى عليه جنته؟ ".
"البيان والتبيين 3-69"
1 التباهي بالكثرة.
2 لا تفنى.
3 العوار مثلث العين: العيب.
4 اللكع: اللئيم والأحمق.
461-
خطبة أخرى:
وكان يقول: "رحم الله رجلا خلا بكتاب الله، فعرض عليه نفسه، فإن وافقه حمد ربه، وسأله الزيادة من فضله، وإن خالفه أعتب وأناب، وراجع من قريب، رحم الله رجلا وعظ أخاه وأهله فقال: "يا أهلي: صلاتكم صلاتكم، زكاتكم زكاتكم، جيرانكم جيرانكم، إخوانكم إخوانكم، مساكينكم مساكينكم، لعل الله يرحمكم، فإن الله تبارك وتعالى أثنى على عبد من عباده، فقال:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} . يابن آدم: كيف تكون مسلما ولم يسلم منك جارك، وكيف تكون مؤمنا ولم يأمنك الناس؟ ".
"البيان والتبيين 3: 69".
462-
خطبة أخرى:
وكان يقول: "لا يستحق أحد حقيقة الإيمان، حتى لا يعيب الناس بعيب هو فيه ولا يأمر بإصلاح عيوبهم، حتى يبدأ بإصلاح ذلك من نفسه، فإنه إذا فعل ذلك لم يصلح عيبا إلا وجد في نفسه عيبا آخر ينبغي له أن يصلحه، فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره، وإنك ناظر إلى عملك بوزن خيره وشره، فلا تحقرن شيئا من الخير وإن صغر؛ فإنك إذا رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن شيئًا من الشر وإن صغر؛ فإنك إذا رأيته ساءك مكانه".
"البيان والتبيين 3: 70".
463-
خطبة أخرى:
وكان يقول: "رحم الله عبدا كسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا، وجهوا هذه الفضول1 حيث وجهها الله، وضعوها حيث أمر الله، إن من كان قبلكم كانوا يأخذون من الدنيا بلاغهم، ويؤثرون بالفضل، ألا إن هذا الموت قد أضر بالدنيا ففضحها، فلا والله ما وجد ذو لب فيها فرحا، فإياكم وهذه السبل المتفرقة، التي جماعها الضلالة، وميعادها النار، أدركت من صدر هذه الأمة قوما كانوا إذا جنهم الليل فقيام على أطرافهم، يفترشون خدودهم، تجري دموعهم على خدودهم، يناجون مولاهم في فكاك رقابهم، إذا عملوا الحسنة سرتهم، وسألوا الله أن يتقبلها منهم، وإذا عملوا سيئة ساءتهم، وسألوا الله أن يغفرها لهم، يابن آدم: إن كان لا يغنيك ما يكفيك، يابن آدم: لا تعمل شيئًا من الحق رياء، ولا تتركه حياء".
"البيان والتبيين 3: 70".
1 جمع فضل: وهو الزيادة من المال وغيره.
464-
خطبة أخرى:
وكان يقول: "إن العلماء كانوا قد استغنوا بعلمهم عن أهل الدنيا، وكانوا يقضون بعلمهم على أهل الدنيا، ما لا يقضي أهل الدنيا بدنياهم فيها، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم لأهل العلم رغبة في علمهم، فأصبح اليوم أهل العلم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في دنياهم، فرغب أهل الدنيا بدنياهم عنهم، وزهدوا في علمهم، لما رأوا من سوء موضعه عندهم"، وكان يقول: لا أذهب إلى من يواري.
غنًى غناه، ويبدي لي فقره، ويغلق دوني بابه، ويمنعني ما عنده، وأدع من يفتح لي بابه، ويبدي لي غناه، ويدعوني إلى ما عنده".
"البيان والتبيين 3: 71".
465-
خطبة أخرى:
وكان يقول: "يابن آدم، لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، مؤمن مهتم، وعلج اغتم، وأعرابي لا فقه له، ومنافق مكذب، ودنياوي1 مترف، نعق بهم ناعق فاتبعوه، فراش نار2، وذبان طمع، والذي نفس الحسن بيده، ما أصبح في هذه القرية مؤمن إلا أصبح مهموما حزينا، وليس لمؤمن راحة دون لقاء الله، الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بلاء صاروا إلى حقائقهم، فصار المؤمن إلى إيمانه، والمنافق إلى نفاقه، أي قوم: إن نعمة الله عليكم أفضل من أعمالكم، فسارعوا إلى ربكم، فإنه ليس لمؤمن راحة دون الجنة، ولا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همه".
"البيان والتبيين 3: 70".
1 نسبة إلى دنيا.
2 أي هم كالفراش يتهافت على النار يحسبها نافعة له فتحرقه.
466-
خطبة أخرى:
وقال في يوم فطر -وقد رأى الناس وهيئاتهم-: إن الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاعب، في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، أما والله أن لو كشف الغطاء، لشغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته، عن ترجيل1 شعر، أو تجديد ثوب".
"البيان والتبيين 3: 71، وتهذيب الكامل 1: 29، وزهر الآداب 2: 203".
1 وفي رواية الكامل للمبرد: "ترطيل بالطاء، والترطيل: تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله.