الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطب عمر بن عبد العزيز
أولى خطبه
…
خطب عمر بن عبد العزيز "توفي سنة 101هـ":
178-
أولى خطبه:
قال العتبي: أول خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله:
"أيها الناس، أصلحوا سرائركم، تصلح لكم علانيتكم، وأصلحوا آخرتكم تصلح دنياك، وإن امرأ ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرِق في الموت".
"العقد الفريد 2: 143، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص217".
179-
خطبة له بالمدينة:
وفي سنة 87هـ ولَّى الوليد عمر بن عبد العزيز المدينة، فلما قدمها صلى الظهر ودعا عشرة من فقهائها، فدخلوا عليه، فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
"إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة فأُحَرِّج1 اللهَ على من بلغه ذلك إلا بلَّغني".
فخرجوا يجزونه خيرًا.
"تاريخ الطبري 8: 61".
1 التحريج. التضييق، أي فأشدِّد عليه بالله.
180-
خطبة أخرى:
وروى المسعودي في مروج الذهب، أنه لما أفضى إليه الأمر، كان أول خطبة خطب الناس بها أن قال:
"أيها الناس، إنما نحن من أصول قد مضت فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله؟ وإنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتضل1 فيهم المنايا، وهم فيها نصب المصائب، مع كل جرعة شرق2، وفي كل أكلة غصص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر منكم يومًا من عمره إلا بهدم آخر من أجله".
وأورد القالي في الأمالي هذه الخطبة بصورة أطول، وهي:
"ما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول؟ وإنما الشيء من أصله، فقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله؟ إنما الناس في الدنيا أغراض تنتضل فيهم المنايا، وهم فيها نهب للمصائب، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، ولا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، فأين المهرب مما هو كائن؟، وإنما نتقلب في قدرة الطالب، ما أصغر المصيبة اليوم، مع عظيم الفائدة غدا، وأكبر خيبة الخائب فيه، والسلام".
"مروج الذهب 2: 168، والأمالي 2: 102، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص213".
1 جمع غرض: وهو الهدف، وانتضلت: تناضلت وتبارت في الرمي.
2 شرق بريقه: غص.
181-
خطبة أخرى:
وروي أنه لما دفن سليمان بن عبد الملك، وخرج من قبره، سمع للأرض رجة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين، قربت إليك لتركبها، فقال: ما لي ولها؟ نحوُّها عني، قربوا إلي بغلتي، فقربت إليه، فركبها. وجاءه صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنحَّ عني، ما لي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين، فسار، وسار معه الناس، حتى دخل المسجد، فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس، فقال:
"أيها الناس: إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم".
فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليمن والبركة، فلما رأى الأصوات قد هدأت، ورضي به الناس جميعًا، حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
"أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خَلَفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله عز وجل خَلَفٌ، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكرَ الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات، وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم عليه السلام أبًا حيًّا لمعرق في الموت، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدنيار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدًا باطلا، ولا أمنع أحدًا حقًّا، إني لست
بخازن، ولكني أضع حيث أمرت، أيها الناس: إنه قد كان قبلي ولاة تجترون1 مودتهم، بأن تدفعوا بذلك ظلمهم عنكم، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. أقول قولي هذا، وأسغفر الله العظيم لي ولكم".
"سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص53-201، ولابن عبد الحكم ص39".
1 تجتذبون.
182-
خطبة أخرى:
وروي أنه لما ولي الخلافة صعد المنبر، وكان أول خطبة خطبها: حمد الله وأثنى عليه ثم قال:
"يأيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغابن عندنا الرعية، ولا يعترض فيما لا يعنيه".
فانقشع عنه الشعراء والخطباء، وثبت الفقهاء والزهاد، وقالوا: ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل، حتى يخالف قوله فعله.
"سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص196".
183-
خطبة أخرى:
وصعد المنبر: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، أيها الناس، إنه ليس بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي، وليس بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، فما أحل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة
وما حرم الله على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة، ألا إني لستُ بقاضٍ، لكني منفذ لله، ولست بمبتدع، ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله عز وجل، ألا إني لست بخيركم، وإنما أنا رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملا، يأيها الناس: إن أفضل العبادة أداء الفرائض، واجتناب المحارم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم".
"سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص56، وص198، ولابن عبد الحكم ص38، ومروج الذهب 2: 168".
184-
خطبة أخرى:
وخطب فقال:
"أيها الناس، إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم محاسبون، فلعمري لئن كنتم صادقين لقد قصرتم، ولئن كنتم كاذبين لقد هلكتم. يأيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل، أو بحضيض أرض يأته، فأجملوا في الطلب":
"إعجاز القرآن ص124، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص198".
185-
خطبة أخرى:
وخطب فقال:
"إن الدنيا ليست بدار قرار، دارٌ كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم عامر موثق عما قليل يخرب، وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة، بأحسن ما يحضركم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
إنما الدنيا كفيء ظلال قَلَصَ1 فذهب، بينا ابن آدم في الدنيا منافس، وبها قرير عين،
1 الفيء: ما كان شمسًا، فينسخه الظل، وقلص الظل كضرب: انقبض.