الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فخركم علينا بالإمارة، فإن الله تعالى يقول:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا 1 مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} .
ثم قام الحسن فنفض ثوبه فانصرف؛ فعلق عمرو بن العاص بثوبه وقال: يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وقذفه أمي بالزنا، وأنا مطالب له بحد القذف.
فقال معاوية: خل عنه، لا جزاك الله خيرًا، فتركه، فقال معاوية: قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق عارضته، ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني، والله ما قام حتى أظلم علي البيت، قوموا عني؟ لقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم، وعدولكم عن رأي الناصح المشفق، والله المستعان.
"شرح ابن أبي الحديد م2 ص101"
1 أي كثرنا، أمره: كنصره، وآمره: كثره، "وفي قراءة: آمرنا" أو المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا وعصوا، وقد يكون من الإمارة أي جعلناهم أمراء.
19-
رثاء محمد بن الحنفية لأخيه الحسن
لما مات الحسن بن علي رضي الله عنهما، أدخله قبره الحسين ومحمد بن الحنفية1 وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ثم وَقَفَ محمدٌ على قبره، وقد اغرورقت عيناه، وقال:
"رحمك الله أبا محمد فلئن عزَّتْ حياتُك لقد هَدَّتْ وفاتُك، ولنعم الروحُ روحٌ تضمَّنَهُ بدنُك، ولنعم الجسدُ جسدٌ تضمنه كفنك، ولنعم الكفنُ كفنٌ تضمنه لحدُك، وكيف لا تكون كذلك، وأنت سليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء2؛ وخلف
1هو محمد بن علي بن أبي طالب: والحنفية أمه، وهي امرأة من بني حنيفة بن لجيم وتسمى خولة بنت جعفر، وتوفي سنة 81، وقيل سنة 83، وقيل سنة 72، وقيل سنة 73.
2 الكساء: هو كساء آل محمد صلى الله عليه وسلم الذي يضافون إليه، فيقال:"آل الكساء" وهم النبي عليه الصلاة والسلام، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، قال ديك الجن:
والخمسة الغر أصحاب الكساء معا
…
خير البرية من عجم ومن عرب
أهل التقوى، وجدك النبي المصطفى، وأبوك علي المرتضى، وأمك فاطمة الزهراء،
= وقال أبو عثمان الخالدي:
أعاذل إن كساء التقى
…
كسانيه حبي لأهل الكساء
ومن قصة هذا الكساء ما روت الرواة من أن وفدًا من نصارى نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان مما جرى بينهم وبينه أن قالوا: يا محمد لم تعيب عيسى وتسميه عبدًا؟ فقال: أجل عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، قالوا: فأرنا مثله، يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير، وبايعنا على أنه ابن الله، ونحن نبايعك على أنك رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذَ اللهِ أن يكون لله ولد أو شريك، فما زالوا يحاجونه ويلاحونه حتى أنزل الله:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} أي في عيسى {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فقال لهم: إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم –والمباهلة الملاعنة- فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع، فننظر في أمرنا، ثم نأتيك، فلما رجعوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم "وهو أحد رؤسائهم. قال ياقوت في معجمه: ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران وفيهم السيد واسمه وهب، والعاقب واسمه عبد المسيح، والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباهلتهم، فامتنعوا.. الخ" يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال "والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدًا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم "أي عيسى" والله ما بَاهَلَ قومٌ نبيًّا قطُ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط من شعر أسود "والمرط بالكسر كساء من صوف أو خز" وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ رضي الله عنه خلفها، وهو يقول "إذا دعوتُ فأمنوا" فقال أسقف نجران""يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله لها، فلا تباهلوا، فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة" ثم قالوا. يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك" فقال عليه الصلاة والسلام: "فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين" فأبوا، فقال: فإني أناجزكم القتال، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة، ألفًا في صفر وألفًا في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: "والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارًا، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رءوس الشجر، ولَمَا حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا، وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما خرج في المرط الأسود جاء الحسن، فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي رضي الله عنهم، ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فمن ذلك الوقت سُمِّيَ الخمسة أصحاب الكساء "انظر كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي ص483 وتفسير الفخر الرازي مفاتيح الغيب 2: 699"
وعمك جعفر1 الطيار في جنة المأوى، وغذَّتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي الإيمان، فطبتَ حيًّا وميتًا، فلئن كانت الأنفسُ غيرَ طيبةٍ لفراقك، إنها غير شاكَّةٍ أنْ قد خِير لَكَ2، وإنك وأخاك لسيدا شبابِ أهلِ الجنةِ، فعليك أَبَا محمدٍ منا السلام".
"زهر الآداب 1: 69، ومروج الذهب 2: 51، والعقد الفريد 2: 7".
1 هو جعفر بن أبي طالب، وقد استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان للهجرة، وكان يقول حين أخذ الراية من زيد بن حارثة الذي استشهد قبله في هذه الغزوة:
يا حبذا الجنة واقترابها
…
طيبة وباردًا شرابها
ولقب بالطيار لما روي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة البارحة، فرأيت جعفرًا يطير مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم" – راجع الروض الأنف شرح السيرة النبوية لابن هشام 2: 258-.
2 خار الله لك في الأمر: جعل لك فيه الخير.