الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذهبًا، لعبدُ المطلب1 والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش، وإن كنا لقالتهم2 إذا قالوا، وخطباءهم إذا خطبوا، وما عُدَّ مجدٌ كمجد أولنا، ولا كان في قريش مجد لغيرنا، لأنها في كفر ماحق، ودين فاسق، وضلة وضلالة3 في عشواء4 عمياء، حتى اختار الله تعالى لها نورا، وبعث لها سراجا، فانتجبه5 طيبا من طيبين، لا يسب بمسبة، ولا يبغى عليه غائلة، فكان أحدنا وولدنا وعمنا وابن عمنا، ثم إن أسبق السابقين إليه، منا وابن عمنا6، ثم تلاه في السبق أهلنا ولحمتنا7 واحد بعد واحد، ثم إن لخير الناس بعده أكرمهم أدبا، وأشرفهم حسبا، وأقربهم منه رحما".
واعجبا كل العجب لابن الزبير! يعيب بني هاشم، وإنما شرف هو وأبوه وجده بمصاهرتهم، أما والله إنه لمصلوب قريش، ومتى كان العوام بن خويلد يطمع في صفية بنت عبد المطلب؟ قيل للبغل: من أبوك يا بغل؟ فقال: خالي الفرس" ثم نزل
"شرح ابن أبي الحديد م3: ص489".
1 قال الطبري: "وعبد المطلب هو الذي كشف عن زمزم بئر إسماعيل بن إبراهيم، واستخرج ما كان فيها مدفونا، وذلك غزالان من ذهب كانت جرهم دفنتهما فيما ذكر حين أخرجت من مكة، وأسياف قلعية "ومرج القلعة محركة: موضع بالبادية إليه تنسب السيوف" وأدراع، فجعل الأسياف بابا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب، فكان أول ذهب حليته فيما قيل الكعبة "تاريخ الطبري 2: 179"
2 القالة جمع قائل.
3 الضلة والضلالة: ضد الهدى.
4 أي في جهالة وفتنة، عشواء، من العشى "كعصا" وهو سوء البصر بالليل والنهار، وقيل ذهاب البصر. عشي يعشى "كفرح" فهو أعشى وهي عشواء "والعشواء أيضًا الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيدها كل شيء، لأنها ترفع رأسها فلا تتعهد مواقع أخفافها".
5 انتجبه: اختاره.
6 يعني الإمام عَلِيًّا كرم الله وجهه.
7 اللحمة: القرابة
117-
خطبة ابن الزبير يتنقص ابن عباس:
وخطب ابن الزبير بمكة على المنبر، وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر، فقال: "إن ههنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره، يزعم أن متعة النساء حلال من
الله ورسوله، ويفتي في القملة والنملة، وقد احتمل بيت مال البصرة1 بالأمس، وترك المسلمين بها يرتضخون2 النوى، وكيف ألومه في ذلك: وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وقاه بيده3".
1 ذكر بعض المؤرخين أن ابن عباس كان من أحب الناس إلى عمر، وكان يقدمه على أكابر الصحابة، ولم يستعمله قط، فقال له يومًا: كدت أستعملك، ولكن أخشى أن تستحل الفيء على التأويل، فلما صار الأمر إلى علي استعمله على البصرة، فاستحلَّ الفيء على تأويل قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} ، واستحله لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ومر ابن عباس على أبي الأسود الدؤلي، فقال: لو كنت من البهائم لكنت جملا، ولو كنت راعيًا ما بلغت من المرعى، ولا أحسنت مهنته في المشي، فكتب أبو الأسود إلى علي كتابا يقول فيه:"إن ابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، فلم يسعني كتمانك ذلك، فانظر رحمك الله فيما هنالك" فكتب علي إلى ابن عباس "أن ارفع إلي حسابك" فرد عليه ابن عباس: "إن كل الذي بلغك باطل" فكتب إليه علي: "إنه لا يسعني تركك، حتى تعلمني ما أخذت من الجزية، من أين أخذته، وما وضعت منها، أين وضعته" فلما رأى أن عَلِيًّا غير مقلع عنه كتب إليه: "ابعث إلى عملك من أحببت، فإن ظاعنٌ عنه" ورحل عن البصرة، وقد حمل ما كان في بيت مالها حتى قدم الحجاز، فنزل مكة، وتبودلت الكتب بين علي وبينه ثانية، وكانت خاتمتها أن كتب إليه ابن عباس:"والله لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملنه إلى معاوية يقاتلك به" فكف عنه علي، -انظر العقد الفريد ج2: ص242، وتاريخ الطبري 6: 81، ونهج البلاغة ج2: 46-.
وقال آخرون: إن ابن عباس ما فارق عَلِيًّا ولا باينه، ولم يزل أميرًا على البصرة إلى أن قتل علي وبعد مقتل على حتى صالح الحسن معاوية، ثم خرج حينئذ إلى مكة، وليس هذا موضع بحث تلك المسألة -انظر كلمة عنها في شرح ابن أبي الحديد ج16 ص64، وأمالي السيد المرتضى ج1 ص123.
2 رضخ النوى "كمنع وضرب" كسره، وفي لسان العرب:"فظلوا يترضخون أي يكسرون الخبز فيأكلونه ويتناولونه" ولم أجد في كتب اللغة "يرتضخ" بهذا المعنى، وإنما الذي جاء "وهو يرتضخ لكنة عجمية إذا نشأ معهم ثم صار إلى العرب فهو ينزع إلى العجم في ألفاظه ولو اجتهد" وقول ابن الزبير كناية عن شدة القحط والفاقة.
3 كان طلحة بن عبيد الله ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحامى عنه في وقعة أحد وقد انهزم المسلمون، ووقاه بيده من سيوف المشركين، وقد رمي سهم في يده، فيبست، وقال عليه الصلاة والسلام يومئذ "اليوم أوجب طلحة الجنة".