الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42-
خطبة زهير بن القين:
فلما زحفوا قِبَلَهُ خرج إليهم زهير بن القين على فرس له ذنوب1 شاكٍ2 في السلاح فقال:
"يأهل الكوفة، نَذَارِ لكم من عذاب الله نَذَارِ، إن حقًّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة، وعلى دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة3، وكنا أمة وأنتم أمة، إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم، وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد، فإنكم لا تُدْرَكُون منهما إلا بسوء، عُمْرَ سلطانهما كلِّه، ليسملان أعينكم4، ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقُرَّاءكم؛ أمثال حجر بن عدي5 وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه".
1 الذنوب: الفرس الوافر الذنب.
2 يقال: رجل شاكّ السلاح وشاكّ في السلاح "بتشديد الكاف فيهما" وهو اللابس السلاح التام، من شك في السلاح أي دخل، شك فيه "كرد" شكا أي لبسه تامًّا فلم يدع منه شيئا، ويقال: رجل شائك السلاح، وشاكي السلاح، وشاك في السلاح "كراضٍ" وهو ذو الشوكة والحد في سلاحه، والشائك: من شاك الرجل يشاك شوكا "كنام نومًا" أي ظهرت شوكته وحجته –والشوكة: حدة السلاح- والشاكي مقلوب من شائك، ويقال أيضًا: رجل شاك السلاح "بضم الكاف" فإن أردت معنى فاعِل قلت: شاك "كراضٍ" وإن أردت معنى فَعِل "كفرح" قلت: شاك "بضم الكاف" وهو مثل جرف هار "كراضٍ" وهارُ "كنار" كما يقال: رجل مال ونال "بالضم" من المال والنوال وإنما هو مائل ونائل.
3 العصمة: القلادة، أي تفرقت وحدتنا، وانفرط عقد جماعتنا.
4 سمل عينه: فقأها بحديدة محماة.
5 هو حجر بن عدي بن جبلة الكندي من كبراء الشيعة بالكوفة، وذلك أن زياد بن أبيه لما جمعت له الكوفة والبصرة بلغه أن حجرًا يجتمع إليه الشيعة ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه، فكتب إلى معاوية في أمره فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد ثم احمله إلي، فشده في الحديد وحمل إلى معاوية، وأشهد عليه شهودا أنه خلع الطاعة، وفارق الجماعة: ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع يدعو إلى نكث البيعة وخلع معاوية، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب، وحمل معه كبار أصحابه، فكانوا أربعة عشر رجلا، فلما قدموا على معاوية شفع في بعضهم فخلى سبيلهم، وقال رسول معاوية للباقين: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليٍّ واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، فابرءوا من هذا الرجل نخل سبيلكم، فأبوا، وقالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن يتبرأ منه، فقتلوا، وقتل حجر وستة معه، وكان ذلك سنة 51هـ.
فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد، ودعوا له، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلمًا.
فقال لهم: "عباد الله، إن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم، فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين".
فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: "اسكت، أسكت الله نأمتك1، أبرمتنا بكثرة كلامك" فقال له زهير: يا بن البوَّالِ على عَقِبَيْه، ما إياك أخاطب؛ إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم" فقال له شمر:"إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة" قال: "أفبالموت تخوفني؟ فوالله لَلْمَوْتُ معه أحبُّ إليَّ مِنَ الخلد معكم".
ثم أقبل على الناس رافعًا صوته فقال: "عبادَ الله، لا يغُرَّنَّكُم من دينكم هذا الجِلْفُ الجافي وأشباهُهُ، فواللهِ لا تَنال شفاعةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قومًا هراقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نَصَرَهم، وذبَّ عن حريمهم".
فناداه رجل فقال له: "إن أبا عبد الله يقول: "أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه، وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء، وأبلغت لو نفع النصحُ والإبلاغ".
1 النأمة: الصوت.