الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
158-
خطبة له في يوم صائف:
وخطب الجمعة في يوم صائف شديد الحر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
"إن الله عز وجل خلقكم فلم ينسكم، ووعظكم فلم يهملكم، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قوموا إلى صلاتكم
"العقد الفريد 2: 140".
159-
آخر خطبة له:
صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قبض على لحيته، وقال:
"أيها الناس: إني من زرع قد استحصد1، وقد طالت عليكم إمرتي، حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، وإنه لا يأتيكم بعدي إلا من هو شرٌّ مني، كما لم يأتكم قبلي إلا من كان خيرًا مني، وإنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، اللهم إني قد أحببت لقاءك، فأحبب لقائي" ثم نزل، فما صعد المنبر حتى مات2.
"الأمالي 2: 315، وتهذيب الكامل 1: 16"
1 استحصد الزرع وأحصد: حان أن يحصد.
2 سيرد عليك بقية خطبة بعد في موضعها.
خطبته وقد حضرته الوفاة
…
160-
خطبته وقد حضره الوفاة:
ولما حضرت معاوية الوفاة قال لمولى له: من بالباب؟ قال: نفر من قريش يتباشرون بموتك، قال: ويحك؟ ولم؟ قال: لا أدري، قال: فوالله ما لهم بعدي إلا الذي يسوءهم، وأذن للناس فدخلوا، فحمد الله وأثنى عليه، وأوجز ثم قال:
"أيها الناس: إنا قد أصبحنا في دهر عنود1، وزمن شديد2 يعد فيه المحسن مسيئا، ويزداد فيه الظالم عتوا، لا ننتفع بما علمناه، ولا نسأل عما جهلناه، ولا نتخوف قارعة3 حتى تحل بنا؛ فالناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه، وكلال حده، ونضيض وقره4 ومنهم المصلت5 لسيفه، المجلب بخيله ورجله، المعلن بشره، قد أشرط نفسه، وأوبق دينه، لحطام ينتهزه6، أو مقتب7 يقوده، أو منبر يقرعه8، ولبئس المتجر أن تراهما لنفسك ثمنا، ومما لك عند الله عوضا، ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه، وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة للمعصية، ومنهم من قد أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرت به الحال عن أمله. فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى، وبقى رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نافر، وخائف منقمع9، وساكت مكعوم10، وداع مخلص، وموجع ثكلان، قد أخملتهم التقية11، وشملتهم الذلة، فهم بحر أجاج12، أفواههم ضامزة13، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا
1 جائر. من عند عن الطريق كنصر وسمع وكرم عنودا: إذا مال.
2 وفي نهج البلاغة: وزمن كنود وهو الكفور.
3 الداهية التي تقرع أي تصيب.
4 أي قلة ماله.
5 أصلت السيف: سله.
6 هيأها وأعدها "من الشرط "محركة" وهو العلامة" أي هيأها للفساد في الأرض. وأوبقه: أهلكه. والحطام: المال. وأصله ما تكسر من اليبيس.
7 المقنب من الخيل: بين الثلاثين إلى الأربعين أو زهاء ثلثمائة.
8 يعلوه.
9 مقهور.
10 من كعم البعير كمنع: شد فاه لئلا يعض أو يأكل، وفي البيان والتبيين معكوم، من عكم المتاع يعكمه: شده بثوب.
11 التقية: المداراة.
12 الأجاج: الملح.
13 ساكتة من ضمز كنصر وضرب: سكت ولم يتكلم. والبعير أمسك جرته في فيه ولم يجتر.