الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
303-
نص آخر لخطبة طارق:
وروى ابن قتيبة هذه الخطبة في الإمامة والسياسة بصورة أخرى، قال:
لما بلغ طارقًا دنو لُذريق، قام في أصحابه؛ فحمد الله، ثم حض الناس على الجهاد، ورغبهم في الشهادة، وبسط لهم في آمالهم، ثم قال:
"أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم؛ فليس ثم والله إلا الصدق والصبر؛ فإنهما لا يغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضر معهما قلة، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل والاختلاف والعجب كثرة، أيها الناس: ما فعلت من شيء فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، ألا وإني عامد إلى طاغيتهم، بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه، وأقتل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا1 ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. وتولوا الدبر لعدوكم، فتبددوا بين قتيل وأسير. وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة والراحة، من المهنة والذلة، وما قد حل لكم من ثواب الشهادة؛ فإنكم إن تُفَلُّوا2 "والله معكم ومعيذكم" تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدًا بين من عرفكم من المسلمين، وهأنذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي".
"الإمامة والسياسة 2: 53".
1 فلا تضعفوا.
2 إن تغلبوا وتهزموا.
304-
خطبة عثمان بن حيان المري بالمدينة:
وولى الوليد بن عبد الملك عثمان بن حيان المري المدينة سنة 94هـ، وقد خطب على المنبر فقال بعد حمد الله:
"أيها الناس: إنا وجدناكم أهل غش لأمير المؤمنين، في قديم الدهر وحديثه،
وقد ضوى1 إليكم من يزيدكم خبالًا: أهل العراق، هم أهل الشقاق والنفاق، هم والله عش النفاق، وبيضته التي تفلقت عنه، والله ما جربت عراقيًّا قط؛ إلا وجدت أفضلهم عند نفسه، الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول، وما هم لهم بشيعة، وإنهم لأعداءٌ لهم ولغيرهم، ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم؛ فإني والله لا أوتى بأحد آوى أحدًا منهم أو أكراه منزلًا، أو أنزله؛ إلا هدمت منزله، وأنزلت به ما هو أهله2.
ثم إن البلدان لما مصرها عمر بن الخطاب، وهو مجتهد على ما يصلح رعيته، جعل يمر عليه من يريد الجهاد؛ فيستشيره: الشام أحب إليك أم العراق؟ فيقول: الشام أحب إلي.
إني رأيت العراق داء عضالًا، وبها فرخ الشيطان، والله لقد أعضلوا بي3، وإني لأراني سأفرقهم في البلدان، ثم أقول: لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه بجدل وحجاج، وكيف؟ ولم؟ وسرعة وَجِيفٍ4 في الفتنة؛ فإذا خُبِرُوا عند السيوف، لم يخبر منهم طائل5، لم يصلحوا على عثمان، فلقي منهم الأمرين6، وكانوا أول الناس فتق هذا الفتق العظيم، ونقضوا عُرا الإسلام عُروة عُروة، وأنغلوا7 البلدان، والله إني لأتقربُ إلى الله بكل ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم، ثم وليهم أمير المؤمنين معاوية، فدامَجَهُم8 فلم يصلحوا عليه، ووليهم رجلُ الناس9 جلدًا،
1 ضوى كرمى: انضم ولجأ، والخبال: الفساد.
2 ولم يترك بالمدينة أحدًا من أهل العراق، تاجرًا ولا غير تاجر، وأمر بهم أن يخرجوا، وحبس بعضهم وعاقبهم، ثم بعث بهم في جوامع إلى الحجاج بن يوسف.
3 عضل به الأمر وأعضل: اشتد، وأعضله أيضًا.
4 وجف يجف وجيفًا: اضطرب.
والوجيف: ضرب من سير الخيل والإبل.
5 الطائل والطائلة والطول: الفضل والقدرة.
6 الأمران: الفقر والهرم، وهو كناية عن اشتداد الأمر.
7 أفسدوا، من تغل الأديم كفرح: فسد في الدباغ، وأفغله: أفسده.
8 المدامجة مثل المداجاة ودامجه عليه: وافقه.
9 يريد الحجاج بن يوسف.