الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجل، حين فرغ من الصغر ودخل في الكبر، حليم حديد1، لين شديد، رقيق كثيف، رفيق عنيف، حين اشتد عظمه، واعتدل جسمه، ورمى الدهر ببصره واستقبله بأشره، فهو إن عض نهس2، وإن سطا فرس3، لا يقلقل له الحصى، ولا تقرع له العصا4، ولا يمشي السمَّهى5" فما بقي بعد ذلك إلا ثلاث سنين وثمانية أشهر حتى قصمه الله.
"العقد الفريد 2: 157".
1 رجل حديد يكون في اللسن والفهم والغضب، وحد عليه: غضب.
2 نهس اللحم: أخذه بمقدم أسنانه ونتفه.
3 فرس فريسته: دق عنقها.
4 يشير إلى المثل المشهور: "إن العصا قرعت لذي الحلم"، وقد سبق شرحه في ص184.
5 السمهى والسميهى: الباطل والكذب يقال: ذهب في السميهى أي في الباطل: وجرى فلان السمهى: أي جرى إلى غير أمر يعرفه.
214-
خطبة له بمكة:
واستعمل سعيد بن العاص -وهو والٍ على المدينة- ابنه عمرو بن سعيد واليًا على مكة، فلما قدم لم يلقه قرشي ولا أموي إلا أن يكون الحارث بن نوفل، فلما لقيه قال له: يا حار، ما الذي منع قومك أن يلقوني كما لقيتني؟ قال: ما منعهم من ذلك إلا ما استقبلتني به، والله ما كنيتني، ولا أتممت اسمي، وإنما أنهاك عن التشذر1 على أكفائك، فإن ذلك لا يرفعك عليهم، ولا يضعهم لك، قال: والله ما أسأت الموعظة، ولا أتهمك على النصيحة، وإن الذي رأيت مني لخلق2، فلما دخل مكة قام على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، معشر أهل مكة فإنا سكنَّاها غبطة، وخرجنا عنها رغبة، ولذلك كنا إذا رفعت لنا اللهوة3 بعد اللهوة أخذنا أسناها، ونزلنا أعلاها، ثم شرج4 أمر
1 تذر: توعد وتهدد وتغضب وتسرع إلى الأمر، والمراد هنا التكبر.
2 الخَلق: البالي، والمراد أنه لا يعود إليه.
3 اللهوة بالضم والفتح: العطية أو أفضل العطايا وأجزلها.
4 من الشرج بالتحريك: وهو انشقاق القوس. قوس شريّج: فيها شق، والمراد حدث ونجم.