الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اخترم1 منك، قالت: أجل، والله إني لعلى بينة من ربي، وهدى من أمري، قال: كيف كان قولك حين قتل؟ قالت: أنسيته، قال بعض جلسائه: هو والله حين تقول:
يا للرجال لعُظْم هَوْل مصيبة
…
فَدَحَت فليس مصابها بالحائل2
الشمس كاسفة لفقد إمامنا
…
خير الخلائق والإمام العادل
يا خير من ركب المَطِيَّ ومن مشى
…
فوق التراب لمحتف أو ناعل
حاشا النبي لقد هددت قواءنا
…
فالحق أصبح خاضعًا للباطل3
فقال معاوية: قاتلك الله! فما تركت مقالا لقائل، اذكري حاجتك، قالت: أما الآن فلا، وقامت فعثرت؛ فقالت: تعس شانئ عليٍّ4، فقال: زعمت أن لا، قالت: هو كما علمت؛ فلما كان من الغد بَعَثَ إليها بجائزة، وقال: إذا ضيعت الحلم، فمن يحفظه؟
"صبح الأعشى 1: 261 بلاغات النساء ص78"
1 هلك.
2 المتحول: المتغير.
3 جمع القوة قوى، وإنما قالت قواء بالمد للضرورة.
4 أي مبغضة.
372-
دارمية الحجونية ومعاوية:
وحج معاوية سنة من سنيه، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون1، يقال لها: دارمية الحجونية، وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها، فجيء بها، فقال: ما حالك يابنة حامٍ؟ فقالت: لست لحامٍ إن عبتني، إنما أنا امرأة من بني كنانة، ثمتَ من بني أبيك، قال: صدقت، أتدرين لم بعثتُ إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: بعثت إليك لأسألك: علام أحببتِ عليًّا وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك،
1 الحجون: جبل بمعلاة مكة.
قالت: "أما إذ أبيت؛ فإني أحببت عليًّا على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك1 ما ليس لك بحق؛ وواليت عليًّا على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء2، وعلى حبه المساكين، وإعظامه لأهل الدين؛ وعاديتك على سفكك الدماء، وشقك العصا، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى".
قال: فلذلك انتفخ بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك، قالت: يا هذا بهند3 والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي، قال معاوية: يا هذه اربعي4، فإنا لم نقل إلا خيرًا، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروى5 رضيعها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها، فرجعت وسكنت، فقال لها: يا هذه هل رأيت عليًّا؟ قالت: إي والله لقد رأيته، قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى، كما يجلو الزيت الطست من الصدأ، قال. صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت. أو تفعل إذا سألتك؟ قال. نعم، قالت. تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذو بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتك ذلك، فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت: ماءٌ ولا كَصَدّاء6،
1 الطلبة: الطلب.
2 تشير إلى قوله: "اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
3 هي أمه هند بنت عتبة.
4 ربع: وقف وانتظر وتحبس.
5 ارتوى.
6 صداء: عين لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها. ويروى عن ابنة هانئ بن قبيصة: أنه لما قتل لقيط بن زرارة "من دارم" تزوجها رجل من أهلها، فكان لا يزال يراها تذكر لقيطًا، فقال لها ذات مرة: ما استحسنت من لقيط؟ قالت: كل أموره حسن، ولكني أحدثك أنه خرج إلى الصيد مرة وقد ابتنى بي، فرجع إليّ، وبقميصه نضح من دماء صيد، والمسك يضوع من أعطافه، ورائحة الشراب من فيه، فضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني مت ثمة، ففعل زوجها مثل ذلك ثم ضمها، وقال لها: أين أنا من لقيط؟ قالت: ماء ولا كصداء.