الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أجسادهم، والأبدان يومئذ بالية:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال: "عذرت بني الفواطم يتكلمون، فما بال بني الحنفية؟ " فقال محمد: "يابن أم رومان1، ومالي لا أتكلم؟ أليست فاطمة بنت محمد حليلة2 أبي وأم إخوتي؟ أو ليست فاطمة3 بنت أسد بن هاشم جدتي؟ أو ليست فاطمة4 بنت عمرو بن عائذ جدة أبي؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد5 ما تركت في بني أسد عظمًا إلا هشمته، وإن نالتني فيه المصائب صبرت".
"مروج الذهب 2: 102".
1 أم رومان بنت عامر هي زوج أبي بكر رضي الله عنه وأم السيدة عائشة.
2 زوجته.
3 هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم الإمام علي كرم الله وجهه، وقد أسلمت بعد عشر من المسلمين فكانت الحادي عشر، وهي أول امرأة بايعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم من النساء.
4 هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم أبي طالب، وهي أم عبد الله والد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
5 هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعمة الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد.
83-
عبد الله بن عباس ومعاوية:
ودخل عبد الله بن عباس على معاوية وعنده وجوه قريش، فلما سلم وجلس، قال له معاوية:"إني أريد أن أسألك عن مسائل" قال: "سل عما بدا لك" قال: "ما تقول في أبي بكر؟ " قال: "رحم الله أبا بكر، كان والله للقرآن تاليًا، وعن المنكر ناهيًا، وبذنبه عارفًا، ومن الله خائفًا، وعن الشبهات زاجرًا، وبالمعروف آمرًا، وبالليل قائمًا، وبالنهار صائمًا، فاق أصحابه ورعًا وكفافًا1، وسادهم زهدًا وعفافًا، فغضب الله على من أبغضه وطعن عليه" قال معاوية: إيهًا2 يابن عباس، فما تقول في عمر بن الخطاب؟ " قال: "رحم الله أبا حفص عمر، كان والله حليف الإسلام،
1 أي رضًا بالكفاف، والكفاف من الرزق: ما كف عن الناس وأغنى.
2 أمر بالسكوت أي حسبك.
ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحل الإيمان، وكهف1 الضعفاء، ومعقل الحنفاء2، قام بحق الله عز وجل صابرًا محتسبًا3، حتى أوضح الدين، وفتح البلاد وأمَّنَ العباد، فأعقب الله على من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين". قال:"فما تقول في عثمان؟ " قال: "رحم الله أبا عمرو كان والله أكرم الجعدة4، وأفضل البررة، هجادًا5 بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضًا عند كل مكرمة، سباقًا إلى كل منحة، حييًّا أبيًّا وفيًّا، صاحب جيش العسرة6، وخَتَنَ7 رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعقب اللهُ على من يلعنه لعنة اللاعنين، إلى يوم الدين" قال: "فما تقول في علي؟ " قال: رضي الله عن أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحمل الحجا8، وبحر الندى، وطود النهى9، وكهف العلا، للورى داعيًا إلى المحجة10، متمسكًا بالعروة الوثقى، خير من آمن واتقى، وأفضل من تقمص وارتدى، وأبر من انتعل وسعى11، وأفصح من تنفس وقرا، وأكثر من شهد النجوى -سوى الأنبياء والنبي المصطفى- صاحب القبلتين، فهل يوازيه أحد؟ وأبو السبطين12 فهل يقارنه بشر، وزوج خير النسوان13، فهل يفوقه قاطن بلد؟ للأسود قتال، وفي الحروب ختال14، لم تر عيني مثله ولن ترى، فعلى من انتقصه
1 الكهف: الملجأ، وكذا المعقل.
2 جمع حنيف، وهو الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه.
3 احتسب بكذا أجرًا عند الله: اعتده ينوي به وجه الله.
4 الكرام، يقال للكريم: جعد بفتح فسكون، فأما إذا قيل فلان جعد اليدين أو جعد الأنامل فهو البخيل، وربما لم يذكروا معه اليد.
5 الهجاد والهجود: بفتح الهاء، والمتهجد: المصلي بالليل.
6 تقدم شرحه في خطبة ذي الكلاع الحميري. راجع الجزء الأول ص340.
7 أي صهره وقد تزوج السيدة رقية والسيدة أم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8 المحمل في الأصل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان، والحجا: العقل والفطنة.
9 الطود: الجبل، والنهى العقل.
10 الطريق الواضح.
11 في الأصل "واسعا" وهو تحريف.
12 الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، "والسبط ولد الولد".
13 السيدة فاطمة رضي الله عنها.
14 خداع، من الختل: وهو الخداع، والمراد أنه ذو بصر بالحروب.
لعنة الله والعباد، إلى يوم التناد1" قال:"إيهًا يا بن عباس، لقد أكثرت في ابن عمك" قال: "فما تقول في أبيك العباس؟ " قال: "رحم الله العباس أبا الفضل، كان صنو2 نبي الله صلى الله عليه وسلم، وقرة عين صفي الله، سيد الأعمام، له أخلاق آبائه الأجواد، وأحلام أجداده الأمجاد، تباعدت الأسباب في فضيلته، صاحب البيت والسقاية والمشاعر3 والتلاوة، ولم لا يكون كذلك، وقد ساسه أكرم من دبَّ4" فقال معاوية: "يابن عباس، أنا أعلم أنك كلماني5 أهل بيتك" قال: "ولم لا أكون كذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".
ثم قال ابن عباس بعد هذا الكلام: "يا معاوية، إن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، خص محمدًا صلى الله عليه وسلم بصحابة آثروه على الأنفس والموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء6 الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل الله بهم الشرك، وأزال روحه، ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء أصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها"، فقطع عليه معاوية الكلام، وقال: إيها ابن عباس، حدثنا في غير هذا.
"مروج الذهب 2: 84"
1 يوم القيامة.
2 الأصل فيه أنه إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو والاثنان صنوان والجمع صنوان برفع النون.
3 شعار الحج بالكسر: مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة بالفتح، والمشعر: موضعه، والمشعر الحرام بالمزدلفة.
4 في الأصل: "من دبَّ" أي مشى، والمعنى عليه صحيح، ولكني أرجح أنه "من أدب" لقوله "وقد ساسه".
5 رجل كلماني بسكون اللام وفتحها وكلماني بكسرتين مشدد اللام، وبكسرتين مشدد الميم وتكلام وتكلامة بكسر فسكون وتشدد لامهما: جيد الكلام فصيحه.
6 الآلاء: النعم جمع "إلى""بفتح أوله وكسره" وأولو "بفتح أوله" وإلى "بفتح ثانيه وفتح أوله أو كسره".