الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلا الله أخيارنا، فَوجَدَنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد بلغَتْنا قبل ذلك كتبه، وقدمت علينا رسُلُه، وأعذر إلينا يسألنا نَصْرَهُ عَوْدًا وبَدْءًا، وعلانية وسرًّا، فبخلنا عنه بأنفسنا، حتى قتل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا؛ فما عُذْرُنا إلى ربنا، وعند لقاءِ نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله، لا والله لا عذرَ دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تُقْتَلُوا في طلب ذلك؛ فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك؛ وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمنٍ، أيها القوم وَلُّوا عليكم رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من أميرٍ تَفْزَعُون إليه، ورايةٍ تَحُفُّون بها، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم".
فَبَدَرَ1 القومَ رفاعةُ بنُ شداد بعد المسيب الكلامَ.
1 عجل واستبق.
45-
خطبة رفاعة بن شداد:
فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
"أما بعد: فإن الله قد هداك لأصوب القول، ودعوتَ إلى أرشدِ الأمور، بدأتَ بحمدِ الله والثناء عليه، والصلاةِ على نبيه صلى الله عليه وسلم، ودعوتَ إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم، فمسموعٌ منك، مستجابٌ لك، مقبولٌ قولُك: قلتَ: وَلُّوا أمركم رجلا منكم تَفزعون إليه، وَتَحُفُّون برايته، وذلك رأيٌ، قد رأينا مثل الذي رأيت، فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيًا، وفينا مُنْتَصَحًا، وفي جماعتنا مُحَبًّا، وإن رأيت "ورأى أصحابُنا ذلك" ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد، المحمودَ في بأسه ودينه، والموثوقَ بحزمه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
ثم تكلم عبد الله بن والٍ، وعبد الله بن سعد، فحمدا ربهما وأثنيا عليه، وتكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد، فذكرا المسيب بن نجية بفضله، وذكرا سليمان بن صرد بسابقته ورضاهما بتوليته، فقال المسيب بن نجبة:"أصبتم ووفقتم، وأنا أرى مثل الذي رأيتم، فولوا أمركم سليمان بن صرد".
46-
خطبة سليمان بن صرد:
قال حميد بن مسلم: والله إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد1 وإنا يومئذ لأكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره، قال: فتكلم سليمان، فشدد، وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته، بدأ فقال:
"أثنى على الله خيرًا، وأحمد آلاءه وبلاءه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أما بعد: فإني والله لخائف ألا يكون أخَّرَنا إلى هذا الدهر، الذي نكدت فيه المعيشة، وعظُمت فيه الرزية، وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة" لما هو خير، إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا، ونمنيهم النصر، ونحثهم على القدوم؛ فلما قدموا وَنَيْنَا وعجزنا وأَدْهَنَّا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتى قُتِلَ فينا ولدينا وَلَدُ نَبِيِّنا وسُلَالَته وَعُصَارته وَبَضْعَة2 من لحمِهِ ودمِهِ، إذ جعل يستصرخ ويسأل النَّصَفَ3 فلا يُعْطَاه، اتخذه الفاسقون غَرَضًا للنبل، ودربةً4 للرماح، حتى أقصدوه5 وعدوا عليه فسلبوه، ألا انهضوا فقد سخط ربكم، ولا ترجعوا إلى الحلائل6 والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضيًا دون أن تناجزوا من قتله أو تُبِيرُوا7، ألا لا تهابوا
1 وقد سمي أمير التوابين.
2 البضعة بالفتح وقد تكسر: القطعة من اللحم.
3 الإنصاف.
4 مسهل عن دريئة، والدريئة: الحلقة يعلم الطعن والرمي عليها.
5 أقصد السهم: أصاب فقتل مكانه، وأقصد فلانًا: طعنه فلم يخطئه.
6 جمع حليلة: وهي الزوجة.
7 بار يبور بوارًا: هلك. وأباره أهلكه، أي تهلكوا أنفسكم.