الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يابن صوحان، إنك لحامل مُدْيَتك منذ أزمان1" إلا أن حلم ابن أبي سفيان يرد عنك.
فقال صعصعة: "بل أمر الله وقدرته، إن أمر الله كان قَدَرًا مَقْدُورًا".
"مروج الذهب 2: 78".
1 كناية عن مجاهرته بالعداوة.
132-
صعصعة بن صوحان وعبد الله بن عباس:
وروى المسعودي في مروج الذهب أيضًا، قال:
"عن مصقلة بن هبيرة الشيباني قال: سمعت صعصعة وقد سأله ابن عباس: ما السؤدد1 فيكم؟ فقال: إطعام الطعام، ولين الكلام، وبذل النوال، وكف المرء نفسه عن السؤال، والتودد للصغير والكبير، وأن يكون الناس عندك شرعا2" قال: فما المروءة؟ قال: "أخوان اجتمعا، فإن لقيا قَهَرا، "وإن كان"3 حارسهما قليل، وصاحبهما جليل، محتاجان4 إلى صيانة، مع نزاهة وديانة" قال: فهل تحفظ في ذلك شعرًا؟ قال: نعم، أما سمعت قول مرة بن ذهل بن شيبان حيث يقول:
إن السيادة والمروءة علقا
…
حيث السماء من السماك الأعزل5
وإذا تقابل مجريان لغابة
…
عثر الهجين وأسلمته الأرجل6
ويجي الصريح مع العتاق معودا
…
قرب الجياد فلم يجئه الأفكل7
1 السؤدد بفتح الدال غير مهموز، والسؤدد بضم الدال مهموزا السيادة والسودد.
2شرعا بسكون الراء وفتحها أي سواء.
3 أي أنهما قوتان عظيمتان لصاحبهما، تقهران ما يلقاه من الشدائد والصعاب، وقوله:"وإن كان" أي وإن كان ما لقياه عظيمًا" ولعله زيادة من خطأ النساخ أو الطباع.
4 في الأصل "لحاجان" وهو تحريف.
5 السماكان الأعزل والرامح: نجمان نيران، وسمي أعزل لأنه لا شيء بين يديه من الكواكب كالأعزل الذي لا سلاح معه كما كان مع الرامح.
6 فرس هجين: إذا لم يكن عتيقا كريما، وأسلمته: خذلته.
7 لم يجئه الأفكل: أي لم تصبه الرعدة "ويلاحظ أن في هذا الشعر عيبا من عيوب القافية وهو الإقواء، لأن حركة الروي في البيت الأول كسر، وفي الثاني والثالث ضم، وقد وقع في شعر النابغة الذبياني، وحسان بن ثابت، وبشر بن أبي خازم..".
في أبيات. فقال له ابن عباس: لو أن رجلا ضرب آباط1 إبله، مشرقًا ومغربًا لفائدة هذه الأبيات ما عنفته، إنا منك يابن صوحان لعلى علم وحلم واستنباط ما قد عفا2 من أخبار العرب، فمن الحليم فيكم؟ قال:"من ملك غضبه فلم يفعل، وسُعِيَ إليه بحق أو باطل فلم يقبل، ووجد قاتل أبيه وأخيه، فصفح ولم يقتل، ذلك الحليم يابن عباس". قال: فهل تجد ذلك فيكم كثيرا؟ قال: "ولا قليلا، وإنما وصفت لك أقوامًا لا تجدهم إلا خاشعين راهبين، لله مريدين، ينيلون ولا ينالون، فأما الآخرون فإنهم سبق جهلهم حلمَهم، ولا يبالي أحدهم "إذا ظفر ببغيته" حين الحفيظة3 من كان، بعد أن يدرك زعمه، ويقضي بغيته، ولو وتره أبوه لقتل أباه، أو أخوه لقتل أخاه، أما سمعت إلى قول ريان بن عمر بن ريان، وذلك أن عمرا أباه قتله مالك بن كومة، فأقام ريان زمانا ثم غزا مالكا، فأتاه في مائتي فارس صباحا، وهو في أربعين بيتا، فقتله وقتل أصحابه وقتل عمه فيمن قتل -ويقال بل كان أخاه- وذلك أنه كان جاوره، فقيل لريان في ذلك: قتلت صاحبنا، فقال:
فلو أمي ثقفتُ بحيث كانوا
…
لبل ثيابها علقٌ صبيب4
ولو كانت أمية أخت عمرو
…
بهذا الماء ظل لها نحيب
شهرت السيف في الأدنين مني
…
ولم تعطف أواصرنا قلوب5
فقال ابن عباس: فمن الفارس فيكم؟ حُدَّ لي حدًّا أسمعه منك، فإنك تضع الأشياء مواضعها يابن صوحان، قال: "الفارس من قصر أجله في نفسه، وضغم6 على أمله بضرسه، وكانت الحرب أهون عليه من أمسه، ذلك الفارس إذا وقدت7 الحروب،
1 آباط جمع إبط كحمل وإبل: باطن المنكب.
2 درس وامحي.
3 الحمية والغضب.
4 ثقفه كسمعه: صادفه، والعلق: الدم، أو الشديد الحمرة، وصبيب: أي مصبوب.
5 أواصر جمع آصرة: وهي القرابة، وحبل صغير يشد به أسفل الخباء.
6 ضغمه كمنع: عضه.
7 وقدت النار "كوعد" توقدت.
واشتدت بالأنفس الكروب، وتداعوا للنزال، وتزاحفوا للقتال، وتخالسوا المهج1، واقتحموا بالسيوف اللجج"، قال: أحسنت والله يابن صوحان، إنك لسليل أقوام كرام، خطباء فصحاء، ما ورثت هذا عن كلالة2، زدني، قال: "نعم، الفارس كثير الحذر، مدير النظر، يلتفت بقلبه، ولا يدير خرزات صلبه3". قال: أحسنت والله يابن صوحان الوصف، فهل في مثل هذه الصفة من شعر؟ قال: نعم، لزهير بن جناب الكلبي4 يرثى ابنه عمرًا حيث يقول:
فارس تُكلا الصحابة منه
…
بحسام يمرُّ مرَّ الحريق5
لا تراه لدى الوغى في مجال
…
يغفل الصرب لا، ولا في مضيق
من يراه يخله في الحرب يوما
…
أنه أخرق مضل الطريق6
في أبيات، فقال له ابن عباس: فأين أخواك منك يابن صوحان؟ صفهما لأعرف ورثكم، قال: أما زيد، فكما قال أخو غنيّ7:
1 المهج جمع مهجة: وهي الروح، وتخالسوها تبادلوا اختلاسها واستلابها.
2 تقول العرب: لم يرثه كلالة أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب واستحقاق، وقال الفرزدق:
ورثتم قناة الملك غير كلالة
…
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
والكلالة: ما لم يكن من النسب لحا، وبنو العم الأباعد، وحكي عن أعرابي أنه قال: مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم، وكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة موروثه.
3 أي فقرات ظهره.
4 شاعر جاهلي، وهو أحد المعمرين.
5 كلأه: حفظه وحرسه.
6 الأخرق: الأحمق، أما قوله في أول البيت:"من يراه" فهو مثل:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
ومثل:
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
…
إلخ، وقد قال النحويون في ذلك إن إثبات حرف العلة مع الجازم لغة، وقيل ضرورة، وقيل هو حرف إشباع، والحرف الأصلي محذوف للجازم. وعندي أنه ربما كان الأصل "من رآه" وعليه فلا محذور، مع استقامة وزن البيت.
7 هو كعب بن سعد الغنوي "شاعر جاهلي" والأبيات المذكورة من قصيدة له يرثي بها أخاه أبا المغوار وأولها:
تقول سليمى ما لجسمك شاحبًا
…
كأنك يحميك الطعام طبيب
"انظر في الأمالي 2: 150، والعقد الفريد 2: 19".
فتى لا يبالي أن يكون بوجهه
…
"إذا نال خلات الكرام" شحوب1
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا
…
فلم ينطقوا العوراء وهو قريب2
حليف الندى، يدعو الندى فيجيبه
…
قريبًا، ويدعوه الندى فيجيب3
يبيت الندى "يا أم عمرو" ضجيعه
…
إذا لم يكن في المنقيات حلوب4
كأن بيوت الحي "ما لم يكن بها"
…
بسابس ما يلفى بهن غريب5
في أبيات، كان والله يابن عباس، عظيم المروة6، شريف الأخوة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش7 العروة، أليف الندوة8، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الدهر، ذاكرًا لله طرفي النهار وزلفًا9 من الليل، الجوع والشبع عنده سيان، لا ينافس في الدنيا، وأقل أصحابه من ينافس فيها، يطيل السكوت، ويحفظ الكلام، وإن نطق نطق بعقام10 يهرب منه الدعار11 الأشرار، ويألفه الأحرار الأخيار".
قال ابن عباس: "ما ظنك برجل من أهل الجنة، رحم الله زيدًا، فأين كان عبد الله منه؟ "، قال: كان عبد الله سيدًا شجاعًا، مُؤلفًا12 مطاعًا، خيره وَسَاعٌ13، وشرُّه
1 خلات جمع خلة بالفتح: وهي الخصلة، وشحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني شحوبًا: تغير من هزال أو جوع أو سفر.
2 العوراء: الكلمة القبيحة.
3 الندى: الجود.
4 المنقيات: ذوات النقي "بالكسر" وهو الشحم، ناقة منقية أي سمينة.
5 بسابس جمع بسبس كجعفر: وهو القفر الخالي "وفي الأصل بسائس وهو تصحيف".
6 مسهل عن المروءة.
7 يقال: رجل كميش الإزار: أي مشمر جاد، ورجل كميش: عزوم ماضٍ سريع في أموره.
8 الندوة والنادي والمنتدى والندي: مجلس القوم ومتحدثهم، وفي الأصل "البدرة" وأراه مصحفا، أو هو فعلة من البدو وهو الظهور، أي ذو مظهر حسن يؤلف ولا يمج.
9 جمع زلفة بالضم: وهي الطائفة من الليل.
10 داء عقام: لا يبرأ، أي نطق بقوارص من الكلم جارحة مؤلمة لا دواء لها.
11 جمع داعر وصف من الدعارة بفتح الدال وكسرها: وهي الخبث والفسق.
12 ألفته وآلفته: أنست به فهو مألوف ومؤلف.
13 على التشبيه بالفرس الوساع: وهو الجواد الواسع الخطو والذرع، والدفاع: السيل العظيم، والشيء العظيم يدفع به مثله "وفرس دفاع كشداد. إذا تدافع جريه".