الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
137-
مقال ذكوان:
"يابن الزبير: إن مولاي ما يمنعه من الكلام إلا أن يكون طلق اللسان، رابط الجنان، فإن نطق نطق بعلم، وإن صمت صمت بحلم، غير أنه كف الكلام، وسبق إلى السنام، فأقرت بفضله الكرام، وأنا الذي أقول:
فيم الكلام لسابق في غاية
…
والناس بين مقصر ومبلد1
إن الذي يجري لِيُدْرِكَ شأوَه
…
يُنْمَى لغير مسود ومسدد2
بل كيف يدرك نور بدرٍ ساطع
…
خير الأنام وفرع آل محمد
فقال معاوية: صدق قولك يا ذكوان، أكثر الله في موالي الكرام مثلك، فقال ابن الزبير: إن أبا عبد الله3 سكت وتكلم مولاه، ولو تكلم لأجبناه، أو لكففنا عن جوابه إجلالا له. ولا جواب لهذا العبد. قال ذكوان: هذا العبد خير منك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مولى القوم منهم"، فأنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت ابن العوام بن خويلد، فنحن أكرم ولاء، وأحسن فعلا. قال ابن الزبير:
إني لست أجيب هذا، فهات ما عندك
1 بلد تبليدا: لم يتجه لشيء، والفرس: لم يسبق، والسحابة: لم تمطر.
2 الشأو: الغاية، وينمى: ينسب.
3 كنية الحسين.
138-
مقال معاوية:
فقال معاوية:
"قاتلك الله يابن الزبير! ما أعياك1 وأبغاك! أتفخر بين يدي أمير المؤمنين، وأبي عبد الله! إنك أنت المتعدي لطورك، الذي لا تعرف قدرك، فقس شبرك بفترك2
1 ما أعجزك.
2 الفتر: ما بين الإبهام وطرف السبابة.
ثم تَعَرَّفْ كيف تقع بين عرانين1 بني عبد مناف، أما والله لئن دفعت في بحور بني هاشم وبني عبد شمس، لتقطعنك بأمواجها، ثم لتوهين2 بك في أجاجها، فما بقاؤك في البحور إذا غمرتك، وفي الأمواج إذا بهرتك3؟ هناك تعرف نفسك، وتندم على ما كان من جرأتك، وتُمَسِّى4 ما أصبحت إليه من أمان، وقد حيل بين العير والنزوان5"، فأطرق ابن الزبير مليا، ثم رفع رأسه، فالتفت إلى من حوله، ثم قال:
1 جمع عرنين بكسر العين: وهو السيد الشريف "وفي الأصل: الأنف أو ما صلب من عظمه".
2 أوهاه: أسقطه، والأجاج: الملح المر.
3 بهره بهرا "بالفتح": غلبه.
4 مساه تمسية: قال له: كيف أمسيت، أو مساك الله بخير، والمراد: وتودع ما كنت فيه من أمان نادمًا آسفًا عليه، وربما كان الأصل:"وتمنى" بحذف إحدى التاءين أي وتتمنى، أو الأصل "ويتمسى" من تمسى: إذا تقطع أي يمحى ويندثر ما كنت فيه من أمان.
5 العير: الحمار وغلب على الوحشي، والنزوان: الوثوب. وهو مثل يضرب للقوي تخور قواه، وأول من قاله صخر بن عمرو أخو الخنساء، وذلك أنه غزا بني أسد، فاكتسح إبلهم، فجاءهم الصريخ فركبوا، فالتقوا، فطعن أبو ثور الأسدي صخرًا طعنة في جنبه، وجوى منها، فمرض حولا حتى مله أهله، فسمع امرأة تقول لامرأته سلمى: كيف بعلك؟ فقالت: لا حي فيرجى، ولا ميت فينعى، لقد لقينا منه الأمرين، وفي رواية أخرى: فمرض زمانا حتى ملته امرأته، وكان يكرمها فمر بها رجل وهي قائمة، وكانت جميلة، فقال لها: يباع الكفل؟ فقالت: نعم عما قليل، وكان ذلك يسمعه صخر، فقال: أما والله لئن قدرت لأقدمنك قبلي، ثم قال لها: ناوليني السيف أنظر إليه، هل تقله يدي؟ فناولته، فإذا هو لا يقله، فقال:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي
…
وملت سليمى مضجعي ومكاني
فأي امرئ ساوى بأم حليلة
…
فلا عاش إلا في شقا وهوان
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه
…
وقد حيل بين العير والنزوان
فلما طال به البلاء، وقد نتأت قطعة من جنبه في موضع الطعنة، قيل له لو قطعتها لرجونا أن تبرأ، فقال: شأنكم، وأشفق عليه قوم، فنهوه، فأبى، فأخذوا شفرة، فقطعوها، فمات.
وأمه هند آكلة الأكباد؟ وجدي الصديق، وجده المشدوخ1 ببدر، ورأس الكفر، وعمتي خديجة ذات الخَطَر2 والحسب، وعمته أم جميل حمالة الحطب؟ وجدتي صفية3 وجدته حمامة4؟ وزوج عمتي خير ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم، وزوج عمته شر ولد آدم أبو لهب، سيصلى نارًا ذات لهب؟ وخالتي عائشة أم المؤمنين، وخالته أشقى الأشقين؟ وأنا عبد الله، وهو معاوية".
1 هو جد معاوية لأمه عتبة بن ربيعة قتله علي يوم بدر، والمشدوخ: المكسور: أي المقتول.
2 القدر، أو المنزلة؛ وهي السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية عمة أبيه، وزوج الرسول عليه الصلاة والسلام.
3 هي صفية بنت عبد المطلب أم الزبير وعمة الرسول عليه الصلاة والسلام.
4 روى ابن أبي الحديد "م1: ص157" قال:
"لما ارتحل عقيل بن أبي طالب عن علي عليه السلام أتى معاوية، فكان في مجلسه يومًا وجلساء معاوية حوله، فقال: يا أبا يزيد: أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك، فقد وردت عليهما، قال: "أخبرك: مررت والله بعسكر أخي، فإذا ليل كَلَيْلِ رسول الله صلى الله عليه وآله ونهار كنهار رسول الله صلى الله عليه وآله، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس في القوم، ما رأيت إلا مصليًّا، ولا سمعت إلا قارئًا، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة" ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية؟ قال: هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب عليه جزار قريش، فمن الآخر؟ قال الضحاك بن قيس الفهري: قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس "وكان يبيع عسب الفحول في الجاهلية، والعسب كعذب: الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل، أو ضرابه، أو ماؤه، وعسب الرجل كضرب: أعطاه الكراء على الضراب، وفي الحديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فإن إعارة الفحل مندوب إليها" فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري، قال: هذا ابن السراقة، فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه، علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءًا، فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء، فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد ما تقول في؟ قال: دعني من هذا، قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة يا أبا يزيد؟ قال: قد أخبرتك، ثم قام، فمضى، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه، فقال: من حمامة؟ قال: وَلِي الأمان؟ قال: نعم، قال: حمامة جدتك أم أبي سفيان كانت بَغِيًّا في الجاهلية صاحبة راية، فقال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم وزدت عليكم، فلا تغضبوا".