الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الواعية1 وبعدًا لمن طغى، وأدبر وعصى، وكذب وتولى، ألا فادخلوا أيها الناس فبايعوه بيعة هدى، فلا والذي جعل السماء سقفًا مكفوفًا2، والأرض فجاجًا3 سبلا، ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب وآل علي أهدى منها".
ثم نزل، ودخل عليه أشراف الناس، فبسط يده وابتدره الناس فبايعوه، وجعل يقول: تبايعونني على كتاب الله وسنة نبيه، والطلب بدماء أهل البيت، وجهاد المحلِّين، والدفع عن الضعفاء، وقتال من قاتلنا، وسلم من سالمنا، والوفاء ببيعتنا، لا نقيلكم ولا نستقيلكم" فإذا قال الراجل نعم: بايعه.
ثم وثب المختار بمن كان بالكوفة من قتلة الحسين رضي الله عنه والمشايعين على قتله، فقتل من قدر عليه منهم، وهرب من الكوفة بعضهم فلم يقدر عليه، وكان ممن قتلهم عمر بن سعد بن أبي وقاص وابنه، وبعث برأسيهما إلى محمد بن الحنفية.
"تاريخ الطبري 7: 108"
1 الواعية: الصراخ على الميت ونعيه "ولا فعل له" والمعنى: كم من ناع وناعية لأناس قتلوا بسبب نعيهم وصراخهم على من قتل من الحسين وأصحابه، فهو يستثيرهم لطلب الثأر من أعدائهم الذين لم يكفهم ما اقترفوه من قتل الحسين وشيعته، بل ضموا إلى جرمهم أن قتلوا من نعى هؤلاء الشهداء وبكاهم.
2 الكفة بالكسر ويضم: حبالة الصائد، وكل مستدير.
3 الفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواضح الواسع.
79-
خطبة المختار وقد استنصره ابن الحنفية:
ولما كتب محمد بن الحنفية رضي الله عنه إلى المختار يعلمه بما ناله هو ومن معه من ابن الزبير من سجنهم وتوعدهم بالقتل والتحريق بالنار إن لم يبايعوا له1 نادى المختار في الناس، وقرأ عليهم الكتاب، وقال:
1 وذلك أن محمد بن الحنفية كان قد أبى أن يبايع ابن الزبير إذ كره البيعة لمن لم تجتمع عليه الأمة -وكان ابن الزبير يبغضه ويحسده على أيده وقوته- فحبسه مع أربعة عشر رجلا من بني هاشم في سجن عارم وقال: لتباعين أو لأحرقنكم، وأعطى الله عهدًا إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلا، فكتب ابن الحنفية إلى المختار مستصرخًا، فوجه إليه جماعة من أصحابه، وكانوا يسيرون الليل ويكنون النهار، حتى انتهوا إلى مكة، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قد بقي من الأجل يومان. فكسروا سجن عارم واستخرجوا منه ابن الحنفية ومن معه، وقالوا له: خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير، فقال لهم: إني لا أستحل القتال في حرم الله، وخرج هو وأصحابه إلى شعب علي.
"هذا كتاب مهديكم، وصريح1 أهل بيت نبيكم، وقد تُرِكُوا محظورًا2 عليهم كما يحظر على الغنم، ينتظرون القتل والتحريق بالنار، في آناء الليل وتارات3 النهار، ولست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصرًا مؤزرًا4، وإن لم أسرب إليهم الخيل في إثر الخيل، كالسيل يتلوه السيل، حتى يحل بابن الكاهلية5 الويل".
"تاريخ الطبري 7: 136"
1 الصريح: الخالص من كل شيء.
2 حظر الشيء وعليه "كقتل" منعه وحجر، ويقال لما حظر به على الغنم وغيرها ليمنعها ويحفظها حظيرة.
3 جمع تارة، وهي هنا الحين.
4 نصر مؤزر: أي بالغ شديد من التأزير وهو التقوية.
5 ابن الكاهلية، هو عبد الله بن الزبير، والكاهلية أم أبي جده، فهو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، والكاهلية أم خويلد بن أسد، واسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال من بني كاهل بن أسد بن خزيمة، وروي أن عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي الأسدي -من بني أسد بن خزيمة- أتى ابن الزبير فقال له:"نفدت نفقتي، ونقبت راحلتي "نقب الخف كفرح: رق" قال: أحضرها فأحضرها، فقال: أقبل بها أدبر بها ففعل، فقال: "ارقعها بسبت، واخصفها بهلب، وأمجد بها ببرد خفها، وسر البردين تصح" "والسبت كحمل كل جلد مدبوغ. والهلب كقفل: الشعر أو ما غلظ منه أو شعر الذئب أوشعر الخنزير الذي يخرز به، والبردان بفتح الباء وسكون الراء، والأبردان: الغداة والعشي" فقال ابن فضالة: إني أتيتك مستحملا، ولم آتك مستوصفا، فلعن الله ناقة حملتي إليك "مستحملا أي طالبا أن تحملني على ناقة أخرى تعطينيها" قال ابن الزبير: "إن وراكبها" "وإن هنا حرف جواب بمعنى نعم كأنه إقرار بما قال، ومثله قول ابن قيس الرقيات:
ويقلن شيب قد علاك
…
وقد كبرت فقلت إنه
فانصرف عنه ابن فضالة، وقال فيه شعرا منه قوله: