الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
خطبته في الصلح بينه وبين معاوية:
وقدم معاوية الكوفة لإنفاذ الصلح بينه وبين الحسن "سنة 41هـ"، وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة، قد كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن أن يقوم ويخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: ما تريد إليّ أن أخطب الناس؟ فقال عمرو: لكني أريد أن يبدُوَ عِيُّهُ للناس1، فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية، فخطب الناس، ثم نادى الحسن، فقال: قم يا حسن، فكلم الناس، فتشهد في بديهة أمر لم يُرَوِّ فيه، ثم قال:
"أما بعد أيها الناس: فإن الله قد هدى أولكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وكانت لي في رقابكم بيعة، تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية وبايعته فبايعوه، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وأشار إلى معاوية، فلما قالها قال معاوية: اجلس، فلم يزل ضَرِمًا2 على عمرو، وقال: هذا من رأيك"
ولحق الحسن بالمدينة.
"تاريخ الطبري 6: 93، ومروج الذهب 2: 53، والإمامة والسياسة 1: 120، وأنباء نجباء الأنباء ص 56 وتاريخ ابن عساكر 4: 224"
1 روى أبو الفرج الأصبهاني أنه كان في لسان الحسن ثقل كالفأفأة "شرح ابن أبي الحديد م4 ص11".
2 ضرم عليه كفرح: احتدم غضباً فهو ضرم.
7-
خطبة له بعد الصلح:
روى المدائني قال: سأل معاوية الحسن بن علي رضي الله عنه بعد الصلح أن يخطب الناس، فامتنع، فناشده أن يفعل، فوضع له كرسيًَا، فجلس عليه، ثم قال:
"الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه عمن يشاء، والحمد لله أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديمًا وحديثًا أحسن البلاء1، إن شكرتم أو كفرتم.
أيها الناس: إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، ولقد اختصه بفضل لم تعتدُّوا مثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات، طالما قلبتم له الأمور حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم وعدوكم في بدر وأخواتها، جرَّعكم رنقًا2، وسقاكم علقا3، وأذل رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه، وايم الله لا ترى أمة محمد خفضًا ما كانت سادتهم وقادتهم بني أمية، ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم4، وانضوائكم5 إلى شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى، وما ينتظر من سوء دعتكم، وحيف6 حكمكم، ثم قال:
"يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهمٌ من مرامي الله، صائب على أعداء الله، نكال على فجار قريش، لم يزل آخذًا بحناجرها، جاثمًا على أنفاسها، ليس بالملومة في أمر الله، ولا بالسَّرُوقة لمال الله، ولا بالفَرُوقَة7 في حرب أعداء الله، أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم، فصلوات الله عليه ورحمته" ثم نزل.
فقال معاوية: أخطأ عَجِلٌ أو كَادَ، وأصابَ مُتَثَبِّتٌ أو كَادَ، ماذا أردتُ من خطبة الحسن؟
"شرح ابن أبي الحديد م4: ص10"
1 البلاء يكون منحة ويكون محنة، وهو هنا بالمعنى الأول.
2 ماء رنق: كعدل وكتف وجبل كدر.
3 العلق: الدم ودويبية في الماء تمص الدم.
4 الطواغيت: جمع طاغوت، وهو الشيطان وكل رأس ضلال.
5 انضمامكم.
6 الحيف: الظلم.
7 الفروق والفروقة: شديد الفزع