الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضلكم الله بدينه؛ فأبلوا1 لله بلاء حسنًا تستوجبون به الثواب، مع الذب عن أحسابكم".
"تاريخ الطبري 8: 87"
1 الإبلاء: الإنعام والإحسان، يقال: أبليت عنده بلاء حسنًا، وأبلاه الله بلاء حسنًا، وأبليته معروفًا. والمعنى: فاصدقوا القتال، وقدموا معروفًا تبغون به ثواب الله.
297-
خطبه حين دعا إلى خلع سليمان بن عبد الملك:
وقام بخراسان حين خَلَع سليمان بن عبد الملك1، ودعا الناس إلى خلعه فقال للناس:
"إني قد جمعتكم من عين التمر2، وفيض البحر؛ فضممت الأخ إلى أخيه، والولد إلى أبيه، وقسمت بينكم فيئكم، وأجريت عليكم أعطياتكم غير مكدرة ولا مؤخرة، وقد جربتم الولاة قبلي، أتاكم أمية3؛ فكتب إلى أمير المؤمنين: إن خراج خراسان لا يقوم4 بمطبخي، ثم جاءكم أبو سعيد5 فدوَّم 6 بكم ثلاث سنين، لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية؛ لم يَجْبِ فيئًا، ولم ينكأ7 عدوا، ثم جاءكم بنوه بعده، يزيد فحلٌ تَبَارَى إليه النساء؛ وإنما خليفتكم يزيد بن ثروان هَبَنّقة القيسي8" فلم يُجِبْهُ أحدٌ فغضب، فقال:
1 وسبب ذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل ابنه عبد العزيز ولي عهده، ودس في ذلك إلى القواد والشعراء، فبايعه على خلع سليمان الحجاج وقتيبة، ثم مات الوليد وقام سليمان بن عبد الملك، فخافه قتيبة وخشى أن يولي سليمان يزيد بن المهلب خراسان.
2 بلد على الفرات قرب الكوفة.
3 هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس، وكان عاملًا عليها لعبد الملك بن مروان حتى كانت سنة 78 فعزله وجمع سلطانه للحجاج فبعث المهلب إليها.
4 في الأصل "لا يقيم" وهو تحريف أو لايقيم مطبخي.
5 أبو سعيد: كنية المهلب بن أبي صفرة.
6 من دومت الكلاب: أي أمعنت في المسير: وفي رواية أخرى "فدوخ بكم البلاد" وستأتي.
7 نكأ العدو ونكاه نكاية: قتل وجرح.
8 هو يزيد بن ثروان هبنقة ذو الودعات، ويكنى أبا نافع أحد بني قيس بن ثعلبة، يضرب به المثل في الحمق فيقال:"أحمق من هبنقة" وله نوادر في الحمق، منها أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وهو ذو لحية طويلة؛ فسئل في ذلك، فقال: لأعرف بها نفسي، ولئلا أضل؛ فبات ذات ليلة، وأخذ أخوه =
"لا أعزَّ الله من نصرتم، والله لو اجتمعتم على عنز ما كسرتم قرنها، يا أهل السافلة، ولا أقول أهل العالية. يا أوباش1 الصدقة، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب2. يا معشر بكر بن وائل، يا أهل النفخ3 والكذب والبخل، بأي يوميكم تفخرون: بيوم حربكم، أم بيوم سلمكم؟ فوالله لأنا أعزُّ منكم يا أصحاب مسيلمة. يا بني ذميم، ولا أقول تميم. ياأهل الخور4 والقصف5 والغدر: كنتم تسمُّون الغدر في الجاهلية "كيسان6" يا أصحاب سجاح7، يا معشر عبد القيس القساة، تبدلتم بأبر النخل8 أعنة الخيل، يا معشر الأزد، تبدلتم بقُلُوسِ9 السفن، أعنة الخيل والحصن10، إن هذا لبدعة في الإسلام، والأعراب، وما الأعراب؟
لعنة الله على الأعراب، يا كناسة المصرين، جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم11،
= قلادته فتقلدها؛ فلما أصبح، ورأى القلادة في عنق أخيه، قال يا أخي: أنت أنا فمن أنا؟ ومنها: أنه ضل له بعير؛ فجعل ينادي: من وجد بعيري فهو له، فقيل له فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟ ومنها: أنه اختصمت الطفاوة وبنو راسب في رجل ادعاه هؤلاء وهؤلاء، ثم قالوا: رضينا بأول من يطلع علينا؛ فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم هبنقة، فقصوا عليه قصتهم، فقال: الحكم عندي في ذلك أن يذهب به إلى نهر البصرة، فيلقى فيه، فإن كان راسبيًا رسب فيه، وإن كان طفاويًا طفا، فقال الرجل: لا أريد أكون من أحد هذين الحيين.
وقول قتيبة: "إنما خليفتكم هبنقة" ذلك لأن هبنقة كان يحسن إلى السمان من إبله، فيرعيها في العشب وينحي المهازيل، فقيل له: ويحك! ما تصنع؟ فقال: إنما أكرم ما أكرم الله، وأهين ما أهان الله، وكذلك كان سليمان يعطي الأغنياء، ولا يعطي الققراء ويقول:"أصلح ما أصلح الله، وأفسد ما أفسد الله" -انظر مجمع الأمثال 1: 146، والبيان والتبيين 1: 126-.
1 الأوباش: السفلة، جمع وبش كسبب.
2 الطريق والجهة.
3 الفخر والكبر.
4 الضعف.
5 اللهو.
6 كيسان: علم للغدر.
7 هي سجاح بنت الحارث ادعت النبوة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة في بني تغلب.
8 أبر النخل أبرًا: أصلحه.
القلوس جمع قلس كشمس: وهو حبل ضخم من ليف أو خوص أو غيرهما من قلوس سفن البحر.
10 جمع حصان.
11 من نبات البادية زهره مرٌّ جدًّا.
ومنابت القلقل1، تركبون البقر والحمر في جزيرة ابن كاوان2؛ حتى إذا جمعتكم كما يُجمع قَزَع الخريف3 قلتم: كيت وكيت، أما والله إني لابن أبيه4 وأخو أخيه، أما والله لأعصبنكم عصب السلمة، إنّ حول الصلِّيان الزمزمة5، يا أهل خراسان، هل تدرون من وليكم؟ وليكم يزيد بن ثروان، كأني بأمير مزجاء6، وحكمٍ قد جاءكم؛ فغلبكم على فيئكم وأطلالكم، إن هاهنا نارًا، ارموها أرم معكم، ارموا غرضكم الأقصى، قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات، إن الشأم أبٌ مكفور، حتى متى ينبطح أهل الشأم بأفنيتكم وظلال دياركم؟ يا أهل خراسان انسبوني تجدوني عراقيّ الأم، عراقيّ الأب، عراقي المولد، عراقي الهوى والرأي والدين، وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من المن والعافية، قد فتح الله لكم البلاد، وآمن سبلكم؛ فالظعينة7 تخرج من مروٍ إلى بَلْخ بغير جِوار، فاحمدوا الله على النعمة، وسلوه الشكر والمزيد". ثم نزل.
"تاريخ الطبري 8: 105"
وورد كلام قتيبة في هذا الصدد في العقد الفريد، والبيان والتبيين في ثلاث خطب هذا نصها:
1 نبت له حب أسود حسن الشم.
2 هي جزيرة في الخليج الفارسي بين عمان والبحرين.
3 القزع: كل شيء يكون قطعًا متفرقة "ومنه قيل لقطع السحاب في السماء قًزًع" وخرقت الثمار أخرقها كنصر: اجتنيتها، والثمر مخروف وخريف، وفي كلام سيدنا علي رضي الله عنه "كما يجتمع قًزًع الخريف".
4 أي ابن أبي.
5 الصليان: نبت من أفضل المرعى يختل "يجز" للخيل التي لا تفارق الحي، والزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم، يعني صوت الفرس "بالتحريك" إذا رآه، وأصلها صوت المجوس عند أكلهم -يتراطنون على الكل، وهم صموت لا يستعملون لسانا، ولا شفة؛ لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها، فيفهم بعضها عن بعض- وهو مثل يضرب للرجل يحوم حول الشيء ولا يظهر مرامه.
والمعنى في المثل: أن ما تسمع من الأصوات والجلب، لطلب ما يؤكل ويتمتع به. قال الميداني: ويروى وحول الصلبان الزمزمة" الصلبان جمع صليب، والزمزمة: صوت عابديها.
6 هو مزجاء للمطي أي كثير الإزجاء لها، زجاها وأزجاها: ساقها ودفعها: والمراد أنه قاس ظلوم.
7 الظعينة: المرأة ما دامت في الهودج.
298-
خطبة أخرى:
قام بخراسان حين خلع سليمان بن عبد الملك؛ فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أتدرون من تبايعون؟ إنما تبايعون يزيد بن ثروان -يعني هبنقة القيسي- كأني بأمير مزجاء، وحكم قد أتاكم، يحكم في أموالكم ودمائكم وفروجكم وأبشاركم1 ثم قال: الأعراب وما الأعراب؟ لعنة الله على الأعراب، جمعتكم كما يجمع قزع الخريف2 من منابت الشيح والقيصوم، ومنابت القلقل، وجزيرة ابن كاران، تركبون البقر، وتأكلون الهبيد3، فحملتكم على الخيل، وألبستكم السلاح، حتى منع الله بكم البلاد، وأفاء بكم الفيء" قالوا: مرنا بأمرك قال: غُرُّوا غيري.
"العقد الفريد 2: 155، والبيان والتبيين 2: 101"
299-
خطبة ثالثة:
وخطب مرة أخرى، فقال:
"يا أهل العراق، ألست أعلم الناس بكم؟ أما هذا الحي من أهل العالية؛ فنعم الصدقة، وأما هذا الحي من بكر بن وائل فعِلْجةٌ4 بظراء، لا تجمع رجليها، وأما هذا الحي عبد القيس فما ضرب العير بذنبه، وأما هذا الحي من الأزد، فًعُلُوج5 خلق الله وأنباطه6، وايم الله لو ملكت أمر الناس لنقشت أيديهم، وأما هذا الحي من تميم؛ فإنهم كانوا يسمُّون الغدرً في الجاهلية كيسان".
"العقد الفريد 2: 155، والبيان والتبيين 2: 67"
1 أبشار جمع بشر: وهو جمع بشرة، وهي ظاهر الجلد.
2 في العقد الفريد: "كما يجمع فرخ الحريق" وفي البيان والتبيين والطبري "قرع الخريف" والصواب ما ذكرنا.
3 الحنظل.
4 مؤنث العلج: وهو حمار الوحش السمين القوي. وأمه بظراء: طويلة البظر كشمس، وهو ما بين شفرى الرحم.
5 جمع علج "بالكسر" وهو الرجل من كفار العجم.
6 جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم اسعمل في أخلاط الناس وعوامهم.
300-
خطبة رابعة:
وخطب مرة أخرى، فقال:
"يا أهل خراسان، قد جربتم الولاة قبلي، أتاكم أمية؛ فكان كاسمه أمية الرأي، وأمية الدين، فكتب إلى خليفته: إنّ خراج خراسان وسجستان، لو كان في مطبخه لم يًكْفٍه، ثم أتاكم بعده أبو سعيد، فدوخ بكم البلاد، لا تدرون أفي طاعة الله أنتم أم في معصيته، ثم لم يجبِ فيئًا، ولم ينكأ عدوًّا، ثم أتاكم بنوه بعده، مثل أطباء1 الكلبة؛ منهم ابن الرحمة2، حصان يضرب في عانةٍ3، ولقد كان أبوه يخافه على أمهات أولاده، ثم أصبحتم وقد فتح الله عليكم البلاد، وأمن لكم السبل، حتى إن الظعينة لتخرج من مروٍ إلى سمرقند في غير جوار".
"العقد الفريد 2: 155، والبيان والتبيين 2: 67"
1 جمع طبي كقفل. والطبي: لذات الخف والظلف كالثدي للمرأة.
2 يريد به يزيد بن المهلب.
3 العانة: الأتان، والقطيع من حمر الوحش، والمراد بها النساء.