الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قابلت جهلهم حلمًا مغفرة
…
والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلكم"
"مروج الذهب 2: 78"
131-
صعصعة بن صوحان ومعاوية:
ودخل صعصعة بن صوحان على معاوية، فقال:
"يابن صوحان، أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها، فأخبرني عن أهل البصرة، وإياك والحمل على قوم لقوم" قال: "البصرة واسطة1 العرب، ومنتهى الشرف والسؤدد، وهم أهل الخطط2 في أول الدهر وآخره، وقد دارت بهم سروات3 العرب كدوران الرحى على قطبها"، قال: فأخبرني عن أهل الكوفة، قال:"قبة الإسلام، وذروة الكلام، ومصان ذوي الأعلام -إلا أن بها أجلافًا4 تمنع ذوي الأمر الطاعة، وتخرجهم عن الجماعة- وتلك أخلاق ذوي الهيئة والقناعة". قال: فأخبرني عن أهل الحجاز، قال:"أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلهم غناء5 فيها، غير أن لهم ثباتًا في الدين، وتمسكًا بعروة اليقين، يتبعون الأئمة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجار" فقال معاوية: من البررة والفسقة؟ فقال: "يابن أبي سفيان، ترك الخداع، من كشف القناع، علي وأصحابه من الأئمة الأبرار، وأنت وأصحابك من أولئك" ثم أحب معاوية أن يمضي صعصعة في كلامه، بعد أن بان فيه الغضب، فقال: أخبرني عن القبة الحمراء في ديار مضر6، قال:
1هو على التشبيه بواسطة العقد: وهي الجوهرة الفاخرة التي تجعل وسطه.
2 الخطط جمع خطة بالكسر: وهي الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك، ومنه خطط الكوفة والبصرة. وقد خطها لنفسه واختطها: وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد احتازها.
3 السرو بالفتح: المروءة في شرف، سرو فهو سري وجمعه أسرياء وسرواء كفضلاء والسراة بالفتح اسم جمع وجمعه سروات.
4 جمع جلف بالكسر: وهو الرجل الجافي.
5 غناء: كفاية.
6 ذكروا أن نزار ابن معد لما حضرته الوفاة جمع بنيه: مضر وإيادًا، وربية، وأنمارًا، فقال: يا بني، هذه القبة الحمرا
"أسد مضر بسلاء بين غيلين1، إذا أرسلتها افترست، وإذا تركتها احترست".
فقال معاوية: "هنالك يابن صوحان، العز الراسي، فهل في قومك مثل هذا"؟ قال: هذا لأهله دونك يابن أبي سفيان، ومن أحب قومًا حشر معهم" قال: فأخبرني عن ديار ربيعة، ولا يستخفنك الجهل، وسابقة الحمية بالتعصب لقومك2، قال:"والله ما أنا عنهم براض، ولكني أقول فيهم وعليهم، هم والله أعلام الليل، وأذناب في الدين والميل، لن تغلب رايتها إذا رشحت، خوارج الدين، برازخ اليقين، من نصروه فلج3، ومن خذلوه زلج4". قال: فأخبرني عن مضر، قال:"كنانة5 العرب، ومعدن العز والحسب، يقذف البحر بها آذيَّه6، والبر رديه" ثم أمسك معاوية، فقال له صعصعة: سل يا معاوية، وإلا أخبرتك بما تحيد عنه، قال: وما ذاك يابن صوحان؟ قال: "أهل الشام" قال: "فأخبرني عنهم"، قال:"أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبار، وخلفة7 الأشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار". فقال معاوية: "والله
=-وكانت من أدم- لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود لربيعة، وهذه الخادم -وكانت شمطاء- لإياد، وهذه البدرة "بالفتح: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار" والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون، فأتوا الأفعى الجرهمي، ومنزله بنجران، فتشاجروا في ميراثه، فاختصموا إلى الأفعى الجرهمي، وهو حكم العرب، فقصوا عليه قصتهم، وأخبروه بما أوصى به أبوهم فقال: ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسمي مضر الحمراء لذلك، وقال: وأما صاحب الفرس الأدهم والخباء الأسود، فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيل الدهم، فقيل: ربيعة الفرس وما أشبه الخادم الشمطاء فهو لإياد، فصار له الماشية البلق من الحبلق والنقد "الحبلق: بفتح الحاء والباء وتشديد اللام: غنم صغار لا تكبر، أو قصار المعز ودمامها، والنقد كسبب: جنس من الغنم قبيح الشكل" فسمي إياد الشمطاء، وقضى لأنمار بالدراهم وبما فضل: فسمي أنمار الفضل، فصدروا من عنده على ذلك- مجمع الأمثال 1:10.
1 بسلاء جمع باسل: وهو الأسد والشجاع، والغيل بالكسر ويفتح: الشجر الكثير الملتف والأجمة.
2 وكان صعصعة من بني عبد القيس بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
3 فلج على خصمه: ظفر وفاز.
4 زلق وزل.
5 الكنانة في الأصل: جعبة السهام.
6 الآذي: الموج.
7 الخلفة في الأصل: ما علق خلف الراكب، والمراد بها هنا أتباع.