الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمير المؤمنين، فضحك معاوية وقال: ليس يمنعنا ذلك من برك، اذكري حاجتك، قالت: أما الآن فلا.
وقيل: إنه قد قضى حوائجها وردها إلى بلدها.
"العقد الفريد 1: / 130، وبلاغات النساء ص39"
370-
وفود أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية:
دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوز كبير؛ فلما رآها معاوية قال: مرحبًا بك وأهلًا يا عمة، فكيف كنتِ بعدنا؟ فقالت:"يابن أخي، لقد كفرتَ يد النعمة، وأسأتَ لابن عمِك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك من غير بلاء كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأتعس الله منكم الجدود1، وأضرع2 منكم الخدود، ورد الحق إلى أهله، ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو المنصور؛ فوليتم علينا من بعده -وتحتجون بقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر- فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب رحمه الله بعد نبينا صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى3؛ فغايتنا الجنة، وغايتكم النار".
فقال لها عمرو بن العاص: كفى أيتها العجوز الضالّة، وأقصري من قولك، وغضي
1 جمع جد: وهو الحظ.
2 أذل، وفي بلاغات النساء "وأصعر".
3 ورواية بلاغات النساء: "فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظًّا، ونصيبًا وقدرًا، حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم، مغفورًا ذنبه، مرفوعًا درجته، شريفًا عند الله مرضيًّا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هرون من موسى حيث يقول: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شملٌ، ولم يسهل لنا وعرٌ".
من طَرْفك قالت: ومن أنت، لا أمَّ لك؟ قال: عمرو بن العاص، قالت: يابن اللخناء1 النابغة تتكلم، وأمك كانت أَشْهَرَ امرأة تغنِّي بمكة، وآخَذَهُنّ لأجرة! ارْبَع على ظَلْعِك، واعنَ بشأنِ نفسك؛ فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك خمسة2 نفر من قريش، كلهم يزعم أنه أبوك؛ فسئلت أمك عنهم، فقالت: كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به، فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فلحقت به، ولقد رأيت أمك أيام مِنًى بمكة مع كل عبدٍ عاهر3، فَأْتَمَّ بهم فإنكَ بهم أشبَهُ.
فقال مروان: كفى أيتها العجوزُ، وأقصرِي لما جئت له، ساخ بصرُك مع ذهاب عقلِك، فلا تجوز شهادتُك، فقالت: وأنت أيضًا يابن الزرقاء تتكلم؟ فوالله لأنت إلى سفيانِ بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنك لَشَبْهُه في زرقة عينيك، وحمرة شعرِك، مع قصرِ قامته، وظاهرِ دمامته4، ولقد رأيتُ الحكمَ مادّ5 القامة، ظاهر الإمّة6، سبط7 الشعر، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرسِ الضامر من الأتان المُقْرِب8؛ فاسأل أمك تخبرك بشأن أبيك إن صدقتْ، ثم التفتتْ إلى معاوية، فقالت: والله ما جَرَّأَ علي هؤلاء غيرُك، وإن أمَّكَ لَلْقائلُة يومَ أحدٍ في قتل حمزةَ رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر
…
والحربُ بعد الحرب ذاتُ سُعر9
ما كان عن عتبَةَ لي من صَبْر
…
أبي وعمي وأخي وصهري10
1 رجل ألخنُ وأمة لخناءُ: لم يختنا، ولخن السقاءُ، وغيرُه كفرح: أنتن، والجوزة فسدتْ، ومن شتم العرب "يابن اللخناء" كأنهم يقولون يا دنيء الأصل أو يا لئيم الأمِّ، والنابغةُ أمُّ عمرو، وقد تقدمت- انظر ص25.
2 وفي بلاغات النساء "ستة".
3 فاجر.
4 الدمامة: القبح.
5 ممتدها.
6 الإمة بالكسر ويضم: الشأن والنعمة والهيئة.
7 طويله.
8 الأتان: الحمارة، والمقرب التي قرب ولادها فيكون بطنها كبيرًا.
9 السعر بالفتح مصدر سعر الحرب: أي أوقدها، وبالضم: الجنون.
10 قتلوا أربعتهم يوم بدر: أبوها عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -قيل اشترك في قتله علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب- وعمها شيبة بن ربيعة -قتله حمزة- وأخوها الوليد بن عتبة -قتله علي- وابن زوجها حنظلة بن أبي سفيان -وليست هند أمه، قيل اشترك في قتله حمزة، وعلي، وزيد بن حارثة-.
شفيتَ وحشيُّ غليل صدري
…
شفيت نفسي وقضيت نذري1
فشكرُ وحشيٍّ علي دهري
…
حتى تَرِمَّ أعظمي في قبري2
فأجبتها:
يا بنت جبار عظيم الكفر
…
خزيت في بدر وغير بدر
صبحك الله قبيل الفجر
…
بالهاشميين الطوال الزهر3
بكل قطاع حسامٍ يفري
…
حمزة ليثي، وعليٌّ صقري
فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما! أنتما ءضتماني لها، وأسمعتماني ما أكره، ثم قال لها: يا عمة اقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء، قالت تأمر لي بألفي دينار، وألفي دنيار، وألفي دينار، قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟ قالت: أشتري بها عينًا خرخارة4 في أرض خوارة5، تكون لولد الحارث بن عبد المطلب، قال نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم، قال: نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أستعين بها على عسر المدينة، وزيارة بيت الله الحرام، قال: نعم الموضع وضعتها، هي لك نَعْمٌ وكرامة6، ثم قال: أما والله لو كان عليٌّ ما أمر لك بها، قالت: صدقت، إن عليًّا أدى الأمانة، وعمل بأمر الله، وأخذ به، وأنت ضيعتَ أمانتك، وخنتَ الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبينها؛ فلم تأخذ بها، ودعانا "أي عليٌّ" إلى أخذ حقنا، الذي فرض
1 وحشي: غلام جبير بن مطعم قاتل حمزة يوم أحد.
2 رم العظمُ كضرب وأرم: بلي فهو رميم.
3 الزهر: الحسان البيض الوجوه.
4 الخرخار: الماء الجاري، أي عين ماء جارية.
5 المراد أرض سهلة تصلح للزراعة، من قولهم: خوار العنان، أي سهل المعطف، كثير الجري.
6 يقال: نعم عين ونعمة ونعام بفتحهن، ونعمى ونعامى ونعام ونعم ونعمة بضمهن، ونعمة ونعام بكسرهما: أي أفعل ذلك إنعامًا لعينك وإكرامًا.