الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبسط عليهم السيف وأخافهم؛ فاستقاموا له، أحبوا أو كرهوا، وذلك أنه خبرهم وعرفهم.
أيها الناس: إنا والله ما رأينا شعارًا قط مثل الأمن، ولا رأينا حلسًا1 قط شرًّا من الخوف؛ فالزموا الطاعة، فإن عندي يا أهل المدينة خبرة من الخلاف، والله ما أنتم بأصحاب قتال، فكونوا من أحلاس بيوتكم، وعَضُوا على النواجذ؛ فإني قد بعثت في مجالسكم من يسمع فيبلغني عنكم، إنكم في فضول كلام غيرُه ألزمُ لكم، فدعوا عيب الولاة؛ فإن الأمر إنما يُنْقَضُ شيئًا شيئًا حتى تكون الفتنة، وإن الفتنة من البلاء، والفتن تذهب بالدين وبالمال والولد".
"تاريخ الطبري 7: 92"
1 الحلس: بساط البيت، وكساء على ظهر البعير تحت رحله، والمراد: ما رأينا مركبًا شرًّا من الخوف، وفلان حلسٌ من أحلاسِ البيت: الذي لا يبرح البيت.
305-
وصية يزيد بن المهلب لابنه مخلد
"قتل سنة 102هـ":
ولما ولي يزيد بن المهلب خراسان في عهد سليمان بن عبد الملك، فتح جرجان1 وطبرستان2 "سنة 98"، وقد أوصى ابنه مخلدًا حين استخلفه على جرجان؛ فقال:
"يا بُني، إني قد استخلفتك على هذه البلاد، فانظر هذا الحي من اليمن، فكن لهم كما قال الشاعر:
إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم
…
فَرِشْ واصطنع عند الذين بهم ترمي3
وانظر هذا الحي من ربيعة؛ فإنهم شيعتك وأنصارك، فاقضِ حقوقهم، وانظر هذا
1 في الجنوب الشرقي من بحر قزوين.
2جنوبي بحر قزوين.
3 راش السهم يريشه: ألزق عليه الريش، وراش الصديق: أطعمه وسقاه وكساه وأصلح حاله ونفعه، واصطنع عنده صنيعة: اتخذها، والبيت لأبي دؤاد الإيادي.
الحي من تميم؛ فأمطرهم1، ولا تُزْهَ2 لهم، ولا تُدْنِهم فيطمعوا، ولا تقصهم فيقطعوا، وانظر هذا الحي من قيس؛ فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية، ومناصفوهم المنابر في الإسلام، ورضاهم منك البِشْرُ.
يا بني: إن لأبيك صنائع فلا تفسدها، فإنه كفى بالمرء نقصًا أن يهدم ما بنى أبوه، وإياك والدماء؛ فإنها لا بقية معها، وإياك وشتم الأعراض، فإن الحرَّ لا يُرْضِهِ عن عرضه عوضٌ، وإياك وضرب الأبشار، فإنه عار باق، ووتر مطلوب، واستعمل على النجدة والفضل دون الهوى، ولا تعزل إلا عن عجز أو خيانة، ولا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه؛ فإنك إنما تصطنع الرجال لفضلها، وليكن صنيعك عند من يكافئك عنه، احمل الناس على أحسن أدبك يكفوك أنفسهم، وإذا كتبت كتابًا فأكثر النظر فيه، وليكن رسولك فيما بيني وبينك من يفقه عني وعنك، فإن كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع سره، وأستودعك الله، فلا بد للمودّع أن يسكت، وللمشيّع أن يرجع، وما عفَّ من المنطق، وقل من الخطيئة أحب إلى أبيك، وكذلك سلك هذا المسلك المحمود".
"شرح ابن أبي الحديد م4: ص155، وبلوغ الأرب 3: 173"
1 مطرتهم السماء: أصابتهم بالمطر، ومطرهم بخير: أصابهم وما مطر منه خيرًا -وبخير- أي ما أصابه منه خير.
2 الزهو: الكبر والتيه، زهى كعنى، وكدعا قليلة