الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن سحابة جفل1 لا ماء فيها، وعما قليل تصيرها الرياح قزعًا2، والذي يدلني على ضعفه تهدده قبل القدرة، أفمن إشفاق علي تنذر وتعذر؟ كلا، ولكن ذهب إلى غير مذهب، وقعقع3 لمن رَوِيَ بين صواعق تهامة4، كيف أرهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن ابن عمه في مائة ألف من المهاجرين والأنصار؟ والله لو أذن فيه أو ندبني إليه، لأرينه الكواكب نهارًا، ولأسعطنه5 ماء الخردل دونه، الكلام اليوم، والجمع غدًا، والمشورة بعد ذلك إن شاء الله" ثم نزل.
"شرح ابن أبي الحديد م4 ص68، وتاريخ الطبري 6: 97".
1 الجفل: السحاب هراق ماءه ومضى.
2 القزع: قطع من السحاب رقيقة.
3 القعقعة: صوت الرعد، وتحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت؛ ومنه "ما يقعقع له بالشنان" وسيأتي تفسيره في خطبة الحجاج.
4 روي: ارتوى، والمراد نشأ وترعرع بينهما، ولعله "ربي" وذكروا أنه لما نصب الحجاج المجانيق لقتال عبد الله بن الزبير، وأظلتهم سحابة فأرعدت وأبرقت وأرسلت الصواعق، ففزع الناس وأمسكوا عن القتال، فقام فيهم الحجاج، فقال:"أيها الناس لا يهولنكم هذا فإني أن الحجاج بن يوسف، وقد أصحرت لربي، فلو ركبنا عظيما لحال بيننا وبينه، ولكنها جبال تهامة لم تزل الصواعق تنزل بها".
5 سعطه الدواء كمنعه ونصره وأسمطه إياه: أدخله في أنفه.
257-
خطبته وقد بعث معاوية إليه المغيرة بن شعبة يستقدمه:
وكتب إلى معاوية يرد عليه ردًّا شديد اللهجة1، فغم ذلك معاوية وأحزنه، وأوفد إليه المغيرة بن شعبة بكتاب يتلطف به فيه ويستدنيه منه، ويستلحقه بنسب أبيه
1 ونص كتابه إليه: "أما بعد، فقد وصل إليَّ كتابك يا معاوية، وفهمت ما فيه، فوجدتك كالغريق يغطيه الموج، فيتشبث بالطحلب، ويتملق بأرجل الضفادع طمعًا في الحياة، إنما يكفر النعم ويستدعي النقم من حادَّ الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا. فأما سبك لي فلولا حلمٌ ينهاني عنك، وخوفي أن أُدعَى سفيها لأثرت لك مخازي لا يغسلها الماء. وأما تعبيرك لي بسمية، فإن كنت ابن سمية فأنت ابن حمامة. وأما زعمك أنك تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي، فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر؟ أم هل سمعت بذئب أكله خروف؟ فامض الآن لطيتك، واجهد جهدك، فلست أنزل إلا بحيث تكره، ولا أجتهد إلا فيما يسوءك، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه، الظالع إليه والسلام".
أبي سفيان1، وجعل المغيرة يترفق به، وينصح له أن يصل حبله بحبله، ولا يقطع رحمه، فتريث زياد يومين أو ثلاثة يروي في أمره، ثم جمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس: ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، ارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم، فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان، وفكرت فيهم، فوجدتهم كالأضاحي.
في كل عيد يذبحون، ولقد أفنى هذان اليومان: يوم الجمل وصفين ما ينيف على مائة ألف، كلهم يزعم أنه طالب حق، وتابع إمام، وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الأمر هكذا، فالقاتل والمقتول في الجنة، كلا: ليس كذلك ولكن أشكل الأمر، والتبس على القوم، وإني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ، فكيف لامرئ بسلامة دينه، وقد نظرت في أمر الناس، فوجدت أحمد العاقبتين العافية، وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله" ثم نزل.
وكتب إلى معاوية يستوثق منه2، فأعطاه معاوية جميع ما سأله، وكتب إليه بخط يده ما وثق به، فدخل إليه الشام، فقربه وأدناه، وأقره على ولايته، ثم استعمله على العراق.
"شرح ابن أبي الحديد م4: 69"
1 وكانت ديباجة كتابه إليه: "من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان" وفيه يقول: "وحملك سوء ظنك بي، وبغضك لي على أن عققت قرابتي، وقطعت رحمي، وبتت نسبي وحرمتني، كأنك لست أخي، وليس صخر بن حرب أباك وأبي! " وفي آخره يقول: "فإن أحببت جانبي ووثقت بي، فإمرة بإمرة؛ وإن كرهت جانبي، ولم تثق بقولي، ففعل جميل، لا عَلَيّ ولا لي والسلام".
2 وفي كتابه يقول: "إن كنت كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح، ونية حسنة، وأردت بذلك برًّا، فستزرع في قلبي مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت مكيدة ومكرًا وفساد نية، فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت كتابك مقامًا يعيا به الخطيب المدره، فتركت من حضر، لا أهل ورد، ولا صدر، كالمتحيرين بمهمة ضل بهم الدليل، وأنا على أمثال ذلك قدير".