الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهوهاة1 الهمزة؟ فقال ابن عباس: "لأنك من اللئام الفجرة، وقريش الكرام البررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقًّا علموه، وهم أعظم الناس أحلامًا، وأرفع الناس أعلامًا، دخلت في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين فراشين، لا في بني هاشم رحلك، ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم2 الضال المضل، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحلمه، وتسمو بكرمه" فقال عمرو: أما والله إني لمسرور بك، فهل ينفعني عندك؟ قال ابن عباس: حيث مَالَ الحقُّ مِلْنا، وحيث سَلَكَ قَصَدْنا".
"العقد الفريد 2: 112"
1 قال صاحب اللسان: وفي حديث عمرو بن العاص: "كنت الهَوْهَاةَ الهُمَزَة" الهوهاة: الأحمق، وقال أيضًا: "رجل هوهاء وهواءة وهواة بفتح الأول ضعيف الفؤاد جبان، ورجل هوهة يضم الأول جبان أيضًا.
2 الزنيم: المستلحق في قوم ليس منهم والدعي.
112-
عمرو بن العاص وابن عباس:
قال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس:
"إن هذا الأمر الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء، وقد بلغ الأمر منا ومنكم ما ترى، وما أبقت لنا هذه الحرب حياءً ولا صبرًا، ولسنا نقول: ليت الحرب عادت، ولكنا نقول: ليتها لم تكن كانت، فانظر فيما بقي بغير ما مضى، فإنك رأس هذا الأمر بعد علي، وإنما هو أمير مطاع، ومأمور مطيع، ومشاور مأمون، وأنت هو".
"البيان والتبيين 2: 158"
113-
مفاخرة عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس:
تزوج عبد الله بن الزبير أم عمرو بنت منظور بن زبان الفزارية، فلما دخل بها قال لها تلك الليلة: أتدرين من معك في حجلتك1؟ قالت: نعم، عبد الله بن الزبير بن
1 الحجلة: كالقبة، وموضع يزين بالثياب والستور للعروس.
العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. قال: ليس غير هذا؟ قالت: فما الذي تريد؟ قال: معك من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد، لا بل بمنزلة العينين من الرأس. قالت: أما والله لو أن بعض بني عبد مناف حضرك، لقال لك خلاف قولك، فغضب وقال: الطعام والشراب علي حرام حتى أحضرك الهاشميين وغيرهم من بني عبد مناف، فلا يستطيعون لذلك إنكارًا، قالت: إن أطعتني لم تفعل، وأنت أعلم وشأنك، فخرج إلى المسجد، فرأى حلقة فيها قوم من قريش، منهم: عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، فقال لهم ابن الزبير: أحب أن تنطلقوا معي إلى منزلي، فقام القوم بأجمعهم، حتى وقفوا على باب بيته، فقال ابن الزبير: يا هذه اطرحي عليك سترك، فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائدة فتغدى1 القوم، فلما فرغوا قال لهم: إنما جمعتكم لحديث ردته علي صاحبة الستر، وزعمت أنه لو كان بعض بني عبد مناف حضرني لما أقر لي بما قلت، وقد حضرتم جميعًا، وأنت يابن عباس ما تقول؟ إني أخبرتها أن معها في خدرها من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد، لا بل بمنزلة العينين من الرأس، فردت علي مقالتي.
فقال ابن عباس: أراك قصدت قصدي، فإن شئت أن أقول قلت، وإن شئت أن أكف كففت قال: بل قل وما عسى أن تقول؟ ألست تعلم أن أبي الزبير حواري2 رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين3؟
1 تغدى: أكل أول النهار، والغداء: الطعام الذي يؤكل أول النهار ضد العشاء، "وسمي السحور غداء، لأنه للصائم بمنزلة الغداء للمفطر".
2 الحواري: الناصر أو ناصر الأنبياء. قال عليه الصلاة والسلام: "الزبير ابن عمتي، وحواريي من أمتي".
3 كان يقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ذات النطاقين؛ قيل: لأنها كانت تطارق نطاقا على نطاق "طارق بين ثوبين: طابق" وقيل: إنه كان لها نطاقان تلبس أحدهما، وتحمل في الآخر الزاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار. قال الأزهري: وهذا أصح القولين، وقيل: إنها شقت نطاقها نصفين، فاستعملت أحدهما وجعلت الآخر شدادًا لزادهما. وجاء في العقد الفريد "ج2 ص270" أن الحجاج لما حصر ابن الزبير =
وأن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين؟ وأن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جدتي1؟ وأن عائشة أم المؤمنين خالتي، فهل تستطيع لهذا إنكارًا؟
قال ابن عباس: لا، ولقد ذكرت شرفا شريفا، وفخرا فاخرا، غير أنك تفاخر من بفخره فخرت، وبفضله سموت، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنك لم تذكر فخرا إلا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وأنا أولى بالفخر به منك. قال ابن الزبير: لو شئت لفخرت عليك بما كان قبل النبوة. قال ابن عباس: قد أنصف القارة من راماها3، نشدتكم الله أيها الحاضرون، أعبد المطلب أشرف أم خويلد في قريش؟ قالوا: عبد المطلب. قال: أفهاشم كان أشرف فيها أم أسد؟ قالوا: بل هاشم. قال: أفعبد مناف أشرف أم عبد العزى؟ قالوا: عبد مناف،
فقال ابن عباس:
تنافرني يابن الزبير! وقد قضى
…
عليك رسول الله لا قولَ هازلٍ
= بمكة ناداه: ويك يابن ذات النطاقين، اقْبَلِ الأمانَ، وادخُلْ في طاعة أمير المؤمنين، فدخل على أمه أسماء، فقال لها: سمعت رحمك الله ما يقول القوم، وما يدعونني إليه من الأمان؟ قالت: سمعتهم لعنهم الله! فما أجهلهم! وأعجب منهم إذ يعيرونك بذات النطاقين، ولو علموا ذلك لكان ذلك أعظم فخرك عندهم، قال: وما ذاك يا أماه؟ قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره مع أبي بكر "وروي عن عائشة رضي الله عنها أنه خرج معه مهاجرين كما جاء في لسان العرب" فهيأت لها سفرة فطلبا شيئًا يربطانها به فما وجداه، فقطعت من مئزري لذلك ما احتاجا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن لك به نطاقين في الجنة، وفي القاموس المحيط: لأنها شقت نطاقها ليلة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، فجعلت واحدة لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخرى عصامًا لقربته.
1 هي جدته لأبيه.
2 القارة: قبيلة، وهم قوم رماة. ويزعمون أن رجلين التقيا، أحدهما قاري، فقال القاري: إن شئت صارعتك، وإن شئت سابقتك، وإن شئت راميتك، فقال الآخر: قد اخترت المراماة، فقال القاري: قد أنصفتني وأنشأ يقول:
قد أنصف القارة من راماها
…
إنا إذا ما فئة نلقاها
نرد أولاها على أخراها
ثم انتزع له بسهم، فشلت به فؤاده.
ولو غيرنا يابن الزبير فخرته
…
ولكنما ساميت شمس الأصائل1
قضى لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بالفضل في قوله: "ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما" فقد فارقناك من بعد قصي2 بن كلاب، أفنحن في فرقة الخير أم لا؟ إن قلت: نعم، خصمت، وإن قلت: لا، كفرت، فضحك بعض القوم، فقال ابن الزبير: أما والله لولا تحرمك3 بطعامنا يابن عباس لأعرقت4 جبينك قبل أن تقوم من مجلسك. قال ابن عباس: وَلِمَ أَبِباطِلٍ؟ فالباطلُ لا يغلبُ الحقَّ، أم بحقٍّ؟ فالحقُّ لا يخشى من الباطل.
فقالت المرأة من وراء الستر: إني والله لقد نهيته عن هذا المجلس، فأبى إلا ما ترون، فقال ابن عباس: مه أيتها المرأة، اقنعي ببعلك، فما أَعْظَمَ الخَطَرَ، وما أكرم الخبر، فأخذ القوم بيد ابن عباس وكان قد عمي، فقالوا: انهض أيها الرجل فقد أفحمته غير مرة، فنهض وقال:
ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا
…
فلو ترك القطا لغفا وناما5
فقال ابن الزبير: يا صاحب القطا أقبل علي، فما كنت لتدعني حتى أقول: وايم الله لقد عرف الأقوام أني سابق غير مسبوق، وابن حواري وصديق، متبجح6 في الشرف الأنيق، خير من طليق7 وابن طليق، فقال ابن عباس: رسغت
1 الأصائل: جمع أصيل، وهو العشي "ما بعد صلاة العصر إلى الغروب".
2 كان من أولاده عبد العزى بن قصي "ومن سلالته ابن الزبير" وعبد مناف بن قصي "ومن سلالته بنو هاشم".
3 تحرم منه بحرمة: تمنع وتحمى بذمة.
4 أي لذكرت لك من المساوئ ما يعرق له جبينك ويندى خجلا.
5 غفا وأغفى: نام نومة خفيفة.
6 من تبجح به: إذا افتخر وتعظم، وأرجح أنه "متبحبح" من تبحبح: أي تمكن في المقام والحلول.
7 يعرض بأبيه العباس بن عبد المطلب، وكان خرج مع المشركين في غزوة بدر الكبرى ووقع أسيرًا، وقد أطلقه عليه الصلاة والسلام بعد أن أخذ منه الفدية "ويروى أنه لما طلب منه الفداء قال: علام يؤخذ مني الفداء، وكنت مسلمًا؟ ولكن القوم استكرهوني، فقال له صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما تقول إن يك حقًّا، فإن الله يجزيك، ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا".
بِجُرَّتِك1 فلم تبق شيئًا، هذا الكلام مردود، من امرئ حسود، فإن كنت سابقًا فإلى من سبقت؟ وإن كنت فاخرًا فبمن فخرت، وإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا، فالفخر لك علينا. وإن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك، والكثكث2 في فمك ويديك وأما ما ذكرت من الطليق، فوالله لقد ابتُليَ فَصَبَرَ، وأُنْعِمَ عليه فشكر، وإن كان والله لَوَفِيًّا كَرِيمًا، غير ناقض بيعةٍ بعد توكيدها، ولا مُسْلِمٍ كتيبة بعد التأمُّرِ عليها3، فقال ابن الزبير: أَتُعَيِّرُ الزبير بالجبن؟ والله إنك لتعلمُ منه خلافَ ذلك، قال ابن عباس: والله إني لا أعلم إلا أنه فرَّ وما كرَّ، وحارب فما صَبَرَ وبايع فما تمم، وقطع الرحم، وأنكر الفضل، ورام ما ليس له بأهل4:
وأدرك منها بعض ما كان يرتجى
…
وقصر عن جري الكرام وبلدا
وما كان إلا كالهجين أمامه
…
عتاق، فجاراه العتاق فأجهدا5
فقال ابن الزبير: لم يبق يا بني هاشم غير المشاتمة والمضاربة، فقال عبد الله بن الحصين
1 الجرة بالضم والفتح: عصا تربط إلى حبالة، تغيب في التراب للظبي يصطاد بها، فيها وتر، فإذا دخلت يده في الحبالة انعقدت الأوتار في يده، فإذا وثبت ليفلت فمد يده، ضرب بتلك العصاة يده الأخرى ورجله فكسرها، ورسغ البعير: شد رسغ يديه بخيط. والمعنى وقعت في حبالتك، وعاد ما فخرت به حجة عليك لا لك، وفي الأصل "رسعت" بالعين، ولا يستقيم المعنى بذلك "يقال: رسع الصبي كمنع: شد في يده أو رجله خرزا لدفع العين ورسعت أعضاؤه: فسدت واسترخت" وربما كان الأصل "رصعت بجرتك" من رصعه بالرمح إذا طعنه طعنا شديدا غيب السنان كله فيه، أي طعنت بسهمك وارتدت إليك حجتك، ومعناه كالأول.
2 الكثكث "بفتح الكافين وكسرهما": التراب وفتات الحجارة.
3 يعرض بالزبير وقد بايع الإمام ثم نكث بيعته، وخَرَجَ لقتاله مع أصحاب الجمل ثم اعتزلهم.
4 أي رام الخلافة، وقد قال للإمام حين حاوره قبل نشوب وقعة الجمل:"لا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا".
5 فرس هجين: إذا لم يكن عتيقًا، وفرس عتيق: أي كريم والجمع عتاق، وفي الأصل "عناق" بالنون، وهو تصحيف.