الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
229-
خطبة الأحنف بن قيس:
فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال:
"أصلح الله أمير المؤمنين، إن الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف1، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف، فإن توله عهدك، فعن غير كبر مفنٍ، أو مرض مضنٍ، وقد حلبت الدهور2، وجربت الأمور، فاعرف من تسند إليه عهدك، ومن توليه الأمر من بعدك، واعصِ رأي من يأمرك، ولا يقدر لك، ويشير عليك ولا ينظر لك، وأنت أنظر للجماعة، وأعلم باستقامة الطاعة، مع أن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن3 حيًّا".
1 مستأنف.
2 هكذا في مروج الذهب. وفي الإمامة والسياسة: "وقد حلبت الدهر أشطره" وأصله من حلب شطري الناقة "بفتح الشين" ولها شطران: قادمان وآخران "بكسر الخاء" والشطر كل خلفين من أخلافها، والخلف "بكسر الخاء" لها كالضرع للبقرة، وهو مثل يضرب للمجرب، وأشطره بدل من الدهر منصوب.
3 هذا وما ورد في كلام الضحاك والأحنف بعد، يدل على أن تلك الخطب كانت في حياة الحسن بن عليّ كما أشرنا إليه قبل.
230-
خطبة الضحاك بن قيس:
فغضب الضحاك بن قيس، فقام الثانية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أصلح الله أمير المؤمنين، إن أهل النفاق من أهل العراق، مروءتهم في أنفسهم الشقاق، وألفتهم في دينهم الفراقُ، يرون الحق على أهوائهم1، كأنما ينظرون
1 أي على أغراضهم وميولهم.
بأقفائهم، اختالوا جهلا وبطرًا. لا يرقبون من الله راقبة، ولا يخافون وبال عاقبة، اتخذوا إبليس لهم ربًّا، واتخذهم إبليس حزبًا، فمن يقاربوه لا يسروه، ومن يفارقوه لا يضروه. فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين في نحورهم، وكلامهم في صدورهم، ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات لا تورث الخلافة عن كلالة، ولا يحجب غيرُ الذكرِ العَصَبَةَ. فوطنوا أنفسكم يأهل العراق على المناصحة لإمامكم. وكاتب نبيكم1 وصهره2، يسلم لكم العاجل، وتربحوا من الآجل".
1 وكان معاوية من كتاب الوحي.
2 وكانت أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
231-
خطبة الأحنف بن قيس:
ثم قام الأحنف بن قيس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"يا أمير المؤمنين: إنا قد فررنا1 عنك قريشًا، فوجدناك أكرمها زندًا، وأشدها عقدًا، وأوفاها عهدًا، وقد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة2 ولم تظهر عليها قعصًا3، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت، ليكون له الأمر من بعدك، فإن تفِ فأنت أهلُ الوفاء، وإن تغدر4 تعلم والله أن وراء الحسن خيولا جيادًا، وأذرعًا شدادًا، وسيوفًا حدادًا، إن تدنُ له شبرًا من غدرٍ، تجد وراءه باعًا من نصر، وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك، ولا أبغضوا عليًّا وحسنًا منذ أحبوهما، وما نزل عليهم في ذلك خبر من السماء، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم، والقلوب التي أبغضوك بها، لبين جوانحهم، وايم الله إن الحسن لأحب إلى أهل العراق من عليٍّ".
1 فر الدابة: كشف عن أسنانها لينظر ما سنها، وفر عن الأمر: بحث عنه.
2 فتح البلد عنوة: أي قهرًا.
3 مات قعصًا: أصابته ضربة أو رمية، فمات مكانه.
4 غدره وغدر به كنصر وضرب وسمع.