الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
50-
خطبة عبيد الله بن عبد الله المري:
وحدَّثَ رجلٌ من مُزَينة قال: "ما رأيت من هذه الأمة أحدًا كان أبلغ من عبيد الله بن عبد الله المري في منطقٍ ولا عظةٍ، وكان من دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد، وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم، بدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول:
أما بعد: فإن الله اصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم على خلقه بنبوته، وخصَّه بالفضل كله، وأعزكم باتباعه، وأكرمكم بالإيمان به، فحقن به دماءكم المسفوكة، وآمن به سبلكم المخوفة {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا 1 حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فهل خلق ربكم في الأولين والآخرين أعظم حقًّا على هذه الأمة من نبيها؟ وهل ذرية أحد من النبيين والمرسلين أو غيرهم أعظم حقًّا على هذه الأمة من ذرية رسولها؟ لا والله ما كان ولا يكون، لله أنتم! ألم تروا ويبلغكم ما اجترم2 إلى ابن بنت نبيكم؟ أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته، واستضعافهم وحدته، وترميلهم3 إياه بالدم، وَتَجْرَارِهُمُوهُ على الأرض؟ لم يراقبوا فيه ربهم ولا قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم! اتخذوه للنبل غرضًا، وغادروه للضِّباع جَزَرا4، فلله عيناَ مَنْ رأى مثله! ولله حسين بن عليّ! ماذا غادروا به؟ ذا صدق وصبر، وذا أمانة ونجدة وحزم، ابن أول المسلمين إسلامًا، وابن بنت رسول رب العالمين، قلَّتْ حُماتُهُ، وكثُرتْ عُداته5 حوله، فقتله عدُوه وخَذَلَهُ وَلِيُّهُ، فويل للقاتل، وملامة للخاذل، إن الله لم يجعل لقاتله حجة، ولا لخاذله معذرة، إلا أن يناصح لله في التوبة، فيجاهد القاتلين، وينابذ القاسطين، فعسى الله عند ذلك أن يقيل العثرة
1 الشفا: حرف كل شيء.
2 ارتكب واقترف.
3 رمله: لطخه بالدم.
4 قطعا.
5 العداة: جمع عاد، وهو العدو.
إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل بيته، وإلى جهاد المُحِلين والمارقين، فإن قتلنا فما عند الله خيرٌ للأبرار، وإن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيتِ نبينا".
قال: "وكان يعيد هذا الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا".
وكان الشيعة بالكوفة منذ قتل الحسين رضي الله عنه "سنة 61هـ" يجدُّون في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء الناس في السرِّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدمه حتى كثر تبعهم، وكان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية "في 14 ربيع الأول سنة 64هـ" أسرعَ منهم قبل ذلك.
وقدم المختار بن أبي عبيد الثقفي الكوفة في النصف من رمضان سنة 64، وقد اجتمعت رءوس الشيعة ووجوهها مع سليمان بن صرد، فليس يعدلونه به، فكان المختار إذا دعاهم إلى نفسه وإلى الطلب بدم الحسين، قالت له الشيعة:"هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة قد انقادوا له واجتمعوا عليه" فأخذ يقول للشيعة: "إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن علي "ابن الحنفية" مؤتمنًا مأمونًا، مُنْتَجَبًا1 ووزيرًا" فما زال بهم حتى انشعبت إليه طائفة تعظمه وتجيبه وتنتظر أمره، وعظم الشيعة مع سليمان بن صرد.
وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري من قبل عبد الله بن الزبير أميرًا على الكوفة على حربها وثغرها، وقدم معه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي أميرًا على خراجها "وذلك بعد مقدم المختار بثمانية أيام" وكان سليمان بن صرد وأصحابه يريدون أن يثبوا بالكوفة، ونمى إلى عبد الله بن يزيد اعتزام الشيعة الخروج، فخرج حتى صعد المنبر ثم قام في الناس.
1 المنتجب: المختار.